الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لغة الجسد في الاعلام الاسرائيلي للدكتور ناصر اللحام

نشر بتاريخ: 18/07/2016 ( آخر تحديث: 18/07/2016 الساعة: 20:16 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

عنوان المقالة مقتبس من عنوان الاصدار الأخير للباحث والاعلامي د.ناصر اللحام الذي اصدرته الكلية العصرية الجامعية، وكان لي شرف تقديمه تحت عنوان "إعلامي وخبير في الشؤون الإسرائيلية. توزع الكتاب على "162" صفحة من القطع المتوسط، وتضمن تعريفاً بالصحافة الإسرائيلية المكتوبة والمسموعة والمرئية موثقة بمعلومات ومعطيات دقيقة تعطي صورة واضحة عن الإعلام الإسرائيلي لطلبة وأساتذة الإعلام والمتخصصين في الشأن الإسرائيلي وجمهور القراء والمهتمين بشكل عام.

وأرى في هذا الإصدار إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية والعربية لأنه خلاصة عمل دؤوب لخبير في الشؤون الإسرائيلية وإعلامي قدم مئات الحلقات التلفزية قراءة وتحليلاً فيما ينشره ويبثه الإعلام الإسرائيلي في جولات أسبوعية تضع المشاهد في أجواء ماء ينتج ويبث ذلك الإعلام الذي يتجند في المحطات الساخنة خلف المؤسسات الإسرائيلية السياسية والعسكرية والأمنية، ويصبح معبراً عن توجهاتها ناطقاً باسمها مردداً روايتها خالعاً بزة الإعلام المهني الموضوعي مرتدياً البزة العسكرية بخشونتها وصلافتها بل وعدوانيتها جاعلاً من الضحية هو المعتدي والمتغطرس، أي قالباً المعادلة لتقف على رأسها.

وبالاستناد إلى ما قاله رئيس مجلس أمناء العصرية الجامعية الجهة التي أصدرت الكتاب، فإن الهدف من تولي طباعته وإصداره يكمن في الأساس في تعريف طلبة الإعلام في العصرية والجامعات الفلسطينية على الإعلام الإسرائيلي بنية وآلية عمل وتوجهات، على اعتبار أن طالب الإعلام من المفروض أن يعرف ويعي كيف يبلور الإسرائيليون إعلامهم وكيف يصيغون روايتهم وبأي الأساليب يخرجونها وإلى أي مدى ينجحون أو يخفقون.

والكتاب لم يكتف بالسرد التاريخي أو عرض وسائل إعلامهم ومكوناتها وأهدافها، بل أطلق العنان لقراءة جديدة من نوعها تستحق الإشادة والتثمين، لأن ما قدم في بعض أجزاء الكتاب كان صادماً بخاصة لؤلئك الذين ما زالوا قابعين في مربع الاقتناع بالتفوق الإعلامي الإسرائيلي، علماً أنني منذ سنوات قدمت قراءة اعلامية تحليلية خلصت فيها إلى نتيجة مفادها أن التفوق الإعلامي الإسرائيلي قد انحسر وتراجع أمام إعلاميين فلسطينين يمتلكون مقومات العمل الإعلامي المهني الحديث ويستندون إلى رواية حقة ويمتازون بجرأة الالتحام في الميدان كما ظهر في أكثر من تجربة حديثة لا سيما في الحلقات الأخيرة من العدوان على قطاع غزة.

أما الحديث العلمي عن لغة الجسد في الإعلام الإسرائيلي فهو الأهم في رأيي، وإن كان الانتقال إلى هذه القضية تطلب عملية سرد التاريخي لإعلام تشكل في مجموعة من المحطات التاريخية السياسية ليصل في الخلاصة إلى ما وصل إليه. ولعل اللافت في دراسة د.اللحام أن الإعلام الإسرائيلي تنبه مبكراً للغة الجسد ووظفها توظيفاً ممنهجاً في خدمة الرواية الإسرائيلية وفي التعبير عنها من خلال المسؤولين والمحللين والضيوف وحتى من قِبل المواطن الإسرائيلي العادي، ومن خلال توجيه وتدريب المسؤولين في اللقاءات الإعلامية على استخدام هذه اللغة وفق مفاهيم علمي النفس والاجتماع وبالتناغم مع الرسالة التي يحاولون ايصالها. وقدم د.اللحام في هذا السياق قراءة دقيقية ومكثفة لصور مأخوذة عن صحف ومجلات ومحطات تلفزة، ولفت انتباه القراء إلى دلالات وايحاءات هذه الصور بعين إعلامي خبير وأكاديمي يستند إلى تحصيله الدراسي الجامعي في علم النفس.

وتكمن أهمية هذا الإصدار في مجموعة من الأهداف التي حققها الباحث وأذكر هنا أهمها:
أولاً: تقديم قراءة حديثة وغير تقليدية وبعيدة عن النمطية للإعلام الإسرائيلي.
ثانياً: وضع تجربة عشرين عاماً في التعامل اليومي مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، ليكون بمقدور طالب الإعلام في الجامعات الفلسطينية الاستفادة من حصيلة هذه التجربة.
ثالثاً: قراءة هذا الكتاب من شأنها أن تفيد المسؤولين الفلسطينين والعرب والعاملين في مجال الإعلام، وتحديداً الإعلام القضائي، لأن السياسيين في البلاد العربية وكذلك معظم الإعلاميين يركزون على اللغة المنطوقة ويتركون العنان للجسد أن يتحدث بلغته بعفوية وتلقائية، بعيداً عن التناغم بين اللغة المنطوقة واللغة الجسدية.
رابعاً: ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن في الجانب العلمي التحليلي، فالذي يتابع الدراسات العبرية وما يتكدس على رفوف المكتبات الإسرائيلية، يجد أن دراساتهم لم تترك صغيرة أو كبيرة في فلسطين أو الوطن العربي دون بحث وتمحيص في السياسة والاقتصاد والاعلام والعلوم الاجتماعية والنفسية، لذلك مطلوب منا في المقابل أن نبحث في مكونات تجربتهم بلغة العلم، وليس بأسلوب الرغبة والاسقاط، لنتعرف على مكامن القوة والضعف عندهم، وبالتالي نعرف كيف نصيغ برامجنا وتوجهاتنا.

وأعتقد كخلاصة في هذ المقالة أن جامعاتنا الفلسطينية مطالبة بإدراج لغة الجسد كموضوع في مناهج الإعلام وتدريس المساق من خلال متخصصين حقيقين في لفة الجسد أسوة بما تفعل جامعات عالمية، فإذا كانت كليات الفن وبخاصة التي تعنى بالرقص والتمثيل تركز على هذا المجال في الجامعات العربية، فإن إهمال ذلك في الإعلام مسألة غير مفهومة، فالاعلام هو الآخر فن له أصوله ومهاراته.