نشر بتاريخ: 20/07/2016 ( آخر تحديث: 20/07/2016 الساعة: 10:43 )
الكاتب: كمال هماش
متسلحا بهواجسه التاريخية من تجربة نجم الدين أربكان، ومستخلصا العبر من تجربة صديقه محمد مرسي، لم يكف الرئيس التركي خلال سنوات حكمه عن البحث في الوسائل الكفيلة بتعزيز سلطاته بما يضمن وضع يده على كافة مفاصل السلطات ، وصولا الى التضييق على الاعلام والاحزاب وشن حرب على الاقليات.
ورغم الفوز المحقق في الانتخابات النيابية والرئاسية الاخيرة الا ان دهاقنة الاسلام السياسي تعلموا من التاريخ الاسلامي والمعاصر ، انه ليس بالشورى ولا بالديمقراطية يستقر الحكم لعائلة او حزب في المشرق بشكل عام والعالم الثالث خصوصا، فلا البيعة العامة منعت اغتيال الخلفاء من جهة ، ولا الانتخابات تضمن بنتائجها توازن المصالح بين القوى المحركة للدول والمجتمعات من جهة اخرى .
ومن هنا لم يتوقف اردوغان عن مهاجمة جميع القوى المتوقع تأثيرها على سلطته المطلقة كأمير لجماعة العدالة والتنمية وسلطان لتركيا، فتارة يتوجه لسياسات تطهيرية لقوى الجيش والامن ، وتارة يهاجم المعارضة ويتهمها بالانفصالية او خدمة الخارج ، كما انقلب على اصدقائه المقربين واخرهم داؤد اوغلو .
وأمام الطموحات الاردوغانية كما يراها المراقبون تراكمت عقبات صلدة ، كادت ان تودي بحكمه ونظامه وعلى رأسها التورط مدفوع الثمن في سوريا والتحالف مع قوى مصنفة ارهابية ، والاصطدام مع السياسة الروسية.
بالاضافة الى تأكيده على التحالف والمصالحة مع اسرائيل وادارة ظهره لشعاراته حول رفع الحصار عن غزة ، بل وتوبيخ منظمي اسطول الحرية بانهم لم ينظموه بارادة الحكومة التركية ، فقداصطدمت رؤيته المركزية بالانضمام للاتحاد الاوروبي بانسحاب بريطانيا من هذا الاتحاد ، والتي تماثل دور تركيا في تبعيتها للسياسة الاميركية وتطلعات الناتو .
وامام المواقف التي فرضتها الاحداث ومقتضيات السياسة ، ابتداءا من الاعتذار لموسكو ومرورا بصفقة المصالحة مع اسرائيل وليس انتهاءا بتصريحات رئيس وزرائه الاخيرة عن اعادة النظر في الموقف من الازمتين السورية والعراقية، فان منظومة الحكم التركي وصلت الى نقطة حرجة في معادلة المفاضلة بين خيارات متعددة ذات تداعيات متناقضة في اقترابها وابتعادها من مصالح منظومة الحكم في الاستمرار.
ولقناعة حكام تركيا بانه ورغم هالة الديمقراطية المعلنة فان الجيش هو من يملك السلطة بينما تمارسها الحكومات ، فان المالك –الجيش- لن يترك الحبل على الغارب لحصان اردوغان الجامح نحو اجراء تعديلات جوهرية على الدستور ،تجعل من الجيش دمية جديدة في يد حزبه، وبحيث يتحول الى ضامن لاسلمة الدولة بدل ضمان علمانيتها .
ومن هنا كان لا بد من اعتصار التجارب لتمرير تحول يكتسب سمة قانونية وجماهيرية ومغطى بالشرعية الدولية الداعمة لحكومة منتخبة ، فكان لا بد من استنساخ تجربة الجارة الكبرى –الاتحاد السوفياتي السابق- بنسخته الغورباتشوفية وانقلاب يناييف، الذي انتج تصفية الحرس القديم في الحزب والدولة والجيش، عقب فشله بذات الطريقة الكاريكاتورية التي شهدناها في تركيا .
هل ما حدث انقلاب ؟؟؟
بداية يجب التحقق من اجابة السؤال استنادا الى الادبيات الاساسية ،والتي تقول بان الانقلاب يعني سيطرة مجموعة مسلحة او عزلاء على قمم السلطات الثلاث ،او الغائها ووضعها في قبضة حاكم مطلق،ليلي ذلك السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع ومراقبة الجغرافيا الوطنية .
وعندما نرى ان اردوغان طليق مع خدمة انترنت قياسية ، وقادر على الانتقال من المنتجع الى المطار بهيلوكوبتر بينما الاجواء ممنوعة من الطيران باوامر قائد القوات الجوية ، ونجد ان الحكومة لم يتعثر قدم احد منها ، فيما مجموعات محدودة من الجنود وبعض الدبابات تظهر في الشوارع رغم اتهام قائد القوات البرية بالانقلاب ، فانه لا يمكن التصديق ان دولة عسكرتارية كتركيا ،لا يلتزم بها الجيش البري والقوات الجوية باوامر قيادتها العسكرية لقلب النظام.
ان ما جرى يمكن توصيفه ان كان جديا بالحد الاقصى كحركة تمرد محدودة، وجهتها المعارضة قبل الحزب الحاكم، لكنها اقرب في الاخراج والانتاج وادق التفاصيل الى تجربة غورباتشوف في اقباله على تفكيك سلطة الحزب والانطلاق في سياسات كانت من المحرمات السوفياتية.
ورغم ان الانقلاب الاردوغاني قد حقق اهدافه الاولية في الاساءة للجيش وقادته ، واوصل رسالة تحذر من استعداد اردوغان لصناعة مجازر في شوارع تركيا، الا انه وحتى لو استكمل النظام ترتيباته في توظيف انقلابه ،فانه تجاهل المهانة التي تعرض لها الجيش التركي من باب التلاعب به في الانقلاب الكاذب اولا ،ومن بوابة الكراهية التي ابرزها اردوغان وحزبه للجيش في سلوكهم تجاه افراد الجيش لاحقا.
وهو الامر الذي لن تنساه العقيدة الاتاتوركية العسكرية وبالاستفادة من عبرة انقلاب اردوغان ، فان دعوات القرضاوي واتحاده لن تنفع اردوغان مستقبلا، لان كتائب الملائكة الحارسة ستهتم بما هو اكبر من حراسة شخص، فالجيش الذي يمتلك خبرات انقلابية عديدة لن يصطدم مع شعبه في حالة قرر انها حكم اردوغان في وقت قصير.
قد يساهم بعض الذكاء في تأخير العمل على التغييرات الدستورية التي يحلم بها اردوغان في تأجيل لحظة رحيله ،لكن مسألة الرحيل بحد ذاتها باتت محسومة ، وحفظ الله شعب تركيا.............