نشر بتاريخ: 22/07/2016 ( آخر تحديث: 22/07/2016 الساعة: 11:32 )
الكاتب: رائد محمد الدبعي
شكل موافقة حركة حماس الأولية على تنظيم الانتخابات المحلية في موعدها القانوني مفاجأة للعديد من الأطراف، ومفارقة لسياسة الحركة في قطاع غزة، منذ انقلابها عام 2007، والقائمة على انتهاج حكم شمولي يضمن لها الحفاظ على سيطرتها، وحكمها، دون الالتفات إلى الانتقادات الداخلية والخارجية، نتيجة لتعطيل كل صور التعددية والحرية، بما في ذلك تنظيم الانتخابات الطلابية، والنقابية، والسياسية في القطاع، وهو الذي لا يشكل بالتأكيد " صحوة ضمير مفاجأة لحماس"، ولا تغيير في توجهات الحركة وسياساتها، إنما هي خطوة تكتيكية، يمكن قراءتها بشكل موضوعي، على أنها تيقظ حركة حماس لتوجه الرأي العام، الذي نجح في تشكيل جبهة عريضة تصر على ممارسة حقها بالانتخاب، واختيار من يمثلها في المجالس المحلية والبلدية، وكذلك نتيجة للموقف المبدئي، والحاسم، لمختلف القوى الوطنية، والإسلاموية، ومؤسسات المجتمع المدني، بضرورة تنظيم الانتخابات في قطاع غزة دون مواربة أو تأخير، إذ قررت حماس التعاطي الايجابي مع قرار الانتخابات تجنبا لمواجهة شاملة مع المجتمع، ورهانها على حدوث انقسام داخل حركة فتح، بل وربما تعويلا على خلق تحالفات مع جهات غدت خارج الأطر الرسمية للحركة، ولا سيما في قطاع غزة، التي تحكم سيطرتها الأمنية والعسكرية عليها، كما أن الانتخابات المحلية تشكل معيارا موضوعيا تستطيع من خلاله حركة حماس، وغيرها من القوى، قياس مدى استعدادها لخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية، دون أن تدفع ثمنا سياسيا باهظا في حال الخسارة.
قرار الحكومة تنظيم الانتخابات المحلية في موعدها القانوني، هو خطوة في الاتجاه الصحيح، فبالإضافة إلى كون تنظيم الانتخابات حقا مدنيا ثابتا للمواطنين، وأحد أركان الشفافية والحكم الرشيد، فإن المجالس البلدية والقروية تشكل في فلسطين أحد أعمدة الصمود، وتثبيت المواطنين في أرضهم، وتنظيم انتخاباتها سيضع لبنة جديدة في مدماك الوحدة الوطنية، إذ سطرت البلديات دورا مشرفا في تثبيت المواطنين خلال نكسة عام 1967، ومنها خرج قرار استئناف الدراسة في المدارس، والذي أعاد عشرات الآلاف من المواطنين للوطن، كما كان لبلدية نابلس ووعي مجلسها البلدي برئاسة المرحوم حمدي كنعان، وقرارهم الحكيم بضرورة عودة مواطني قلقيلية لمدينتهم، وإصلاح خطوط الكهرباء والمياه فيها، دورا هاما في الحفاظ على عروبة المدينة، التي كان المحتل يهدف إلى ضمها لكيانه، بعد هدم ما يربو عن 90% من مبانيها، كما كان للمجالس البلدية والمحلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي دورا رئيسيا في قيادة الجبهة الوطنية الفلسطينية، وتأكيد وحدانية منظمة التحرير الفلسطينية لشعبنا، مما جعل الحركة الصهيونية، تستهدف عددا من رؤساء البلديات، من أبرزهم المناضل بسام الشكعة، رئيس بلدية نابلس، الذي بُترت قدميه، وكريم خلف رئيس بلدية رام الله ، الذي فقد إحدى ساقيه، وإبراهيم الطويل رئيس بلدية البيرة، الذي نجا من محاولة الاغتيال، بعد اكتشاف جهاز التفجير الذي زُرع في سيارته، وهو الأمر الذي تكرر مؤخرا، بأسلوب مختلف، حينما أرسلت رسالة مزروعة بالجراثيم إلى مكتب رئيس بلدية الخليل، داوود زعتري لثنية عن نضاله لتثبيت المواطنين في البلدة القديمة، ومقاومته لسياسات التهويد الممنهجة بها، هذا ويشكل مبنى البلدية رمزية كبيرة للمواطنين، كونه يمثل إرادة الأغلبية منهم، فهو بيتهم الكبير، وصوتهم الجمعي، كما أنه مرآة المدن والقرى لنظرائها في العالم .
على الرغم من الدور الوطني الهام للبلديات والمجالس القروية، ولما تقدمه من خدمات أساسية للمواطنين، إلا أن طبيعة عملها الخدماتي، والتنظيمي، وتأثير العامل العشائري الكبير في توجيه أصوات الناخبين بها، ولا سيما في الريف، يحد من ارتداداتها القانونية وقدرتها على إعادة توزيع القوى بشكل حاد داخل النظام السياسي في فلسطين- وإن كان يؤثر بشكل جزئي في الأخير-، وهو الأمر الذي يميزها عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، أو انتخابات منظمة التحرير الفلسطينية، التي تتميز بالاستقطاب الحزبي الحاد، والتي ستقود نتائجها دون شك إلى إعادة صياغة لشكل النظام السياسي، والاقتصادي، ولترتيب الأولويات، ومراكز القوى المؤثرة والفاعلة فيه، بل وستؤثر بشكل مباشر في نوعية حياة الناس، واستقرارهم، وحقوقهم.
ليست المشكلة فلسطينيا بمن سيحكم، ولا بمن سيقود النظام السياسي في أي انتخابات قادمة، إذ أن طرح هذا السؤال يتناقض مع قيم الديمقراطية والمواطنة، ويتنافى مع روح اللعبة السياسية الديمقراطية، الذي يعتبر تواتر السلطة، وانتقالها السلس أحد أبرز القواعد المقدسة، والتي بدونها تفتقد الديمقراطية أي معنى لها، وما من خلاف على حق المواطنين الثابت باختيار ممثليهم في المجلس التشريعي_ أو برلمان دولة فلسطين- أو في اختيار من يمثلهم على كرسي الرئاسة، أو في ضرورة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، فهو حق مقدس يؤكده الدستور، بل هو معيار هام لشرعية السلطة الحاكمة، وامتلاكها للتفويض الشعبي لتمثيل إرادة المواطنين، واحتكار الحق بممارسة العنف المشروع لحفظ الأمن، والقانون، إلا أن حالة عدم اليقين التي تميز الوضع الفلسطيني، وتعدد الرؤى والمسارات، والتي تتناقض في الكثير من الأحيان، بل وتتصارع بشكل عنيف، قائم على الإحلال والإلغاء بدلا من الشراكة والتكامل، والاستقطاب الحزبي الحاد، والتي انتقلت من النخب إلى الأفراد والقواعد، تجعل من خوض أي انتخابات تشريعية أو رئاسية، أو مجلس وطني، ولجنة تنفيذية جديدة، مغامرة غير محسوبة، قد تعيد تكرار سيناريو عام 2007، إذ أن سيطرة قطبي الانقسام الرئيسيين، ولا سيما حركة حماس في قطاع غزة، يمهد الأجواء لعدم احترام أية نتائج لا تتوافق مع مصالحها، تحت مبرر الحفاظ على الثوابت، وحماية مشروع المقاومة .
المطلوب فلسطينيا أن نذهب أولا إلى حوار وطني جاد، يجمع الكل الفلسطيني، ويشارك فيه أهلنا في الوطن والشتات، وفي مقدمتهم أهلنا في القدس، والداخل المحتل، دون إقصاء أو تهميش، وبمشاركة ضحايا الإنقسام الحقيقيين، بما في ذلك الشباب، والنساء، والقوى الحية في المجتمع، من أكاديميين، وحقوقيين، وكتاب، ومثقفين، وقادة الرأي العام، والتوافق على برنامج وطني موحد، ورؤية إستراتيجية متوافق عليها، تستند إلى الثوابت الوطنية، وحق شعبنا بالمقاومة، ومن ثم الاتفاق على شكل المقاومة الأنجع، والأكثر إثمارا، والاتفاق على خارطة طريق وطنية.
لا يحتاج صاحب البصيرة للكثير من الجهد لاستنتاج أن الأسباب التي قادت إلى الانقسام، لا تزال حاضرة، بل أضيف إليها المزيد من العوامل خلال السنوات العشر العجاف، مما يفقد الانتخابات- كخطوة منفردة- قدرتها السحرية على إعادة الاستقرار للنظام السياسي الفلسطيني، والحياة لقضيتنا الوطنية، مع ضرورة التأكيد على كونها الطريق الوحيد لمنح الشرعية، وتداول السلطة.
بكل الأحوال، هذه ليست دعوة لتعطيل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي لا تبدو قريبة أصلا، وليست انقلابا على الديمقراطية والحرية، وحق المواطنين بتقرير مستقبلهم، إنما هي رأي شخصي، يدعو إلى ترتيب الأولويات، بحيث يكون توحيد جبهتنا الداخلية وبيتنا الوطني في المقدمة، إيمانا بأنه وإن كانت الانتخابات هي إحدى ركائز العملية الديمقراطية، والحكم الرشيد، فإن وجود مجتمع حي متوافق، يتقبل الآخر، ويسير بخطى ثابتة نحو وجهة متفق عليها، إنما هو القاعدة التي تستند إليها كل ركائز بناء العملية الديمقراطية، وباختصار فإنني أرى أن أي مغامرة انتخابية دون الاتفاق على الخطوط العريضة التي تضمن احترام نتائجها، وعبورها بشعبنا نحو الأمان، قد ترتد على نفسها، وتعيد شعبنا إلى مربعات الفرقة والاحتراب، علما بان تنظيم الانتخابات المحلية في موعدها المحدد لا يزال حتى اللحظة فرضية غير مؤكدة، إذ أن الشيطان قد يقفز في أي لحظة من التفاصيل، معلنا قلب الطاولة من جديد.