نشر بتاريخ: 25/07/2016 ( آخر تحديث: 25/07/2016 الساعة: 11:09 )
الكاتب: جبريل عودة
التطبيع العربي من قبل شخصيات وأحزاب ودول مع الكيان الصهيوني, والتي كان آخر صورها زيارة اللواء المتقاعد أنور عشقي مسؤول سعودي سابق , وما سبقه من زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري للقدس المحتلة , وعودة العلاقات التركية الصهيونية مؤخراً والعلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الكيان ودول عربية متعددة , تسقط معه كل شعارات الدعم والمساندة للقضية والشعب الفلسطيني, وللأسف لم يجرأ أحد على التطبيع العلني المتزايد مع كيان الإحتلال , الا بعد أن صافحت الأيدي الفلسطينية أيادي الإرهابيين من مجرمي الصهاينة في مؤتمر مدريد عام 1991م, وما أعقبه من مفاوضات أوسلو السرية ,وما أنتجته من سلطة حكم ذاتي ذات وظيفة أمنية ,عملت على الأرض على قاعدة إنتهاء المواجهة الوطنية مع الإحتلال الغاشم , والقبول بـالكيان الصهيوني كجار وشريك على الأرض الفلسطينية , تمثل ذلك بإعتراف منظمة التحرير بشرعية "إسرائيل" ووجودها الإحتلالي على مساحة 78% من فلسطين , ولقد توافق الأداء السياسي والإداري والأمني لمؤسسات السلطة مع قناعات قاصرة لأشخاص متنفذين في الهرم القيادي , شعارهم بأن طريق التسوية مع الإحتلال هو ما يقربنا إلى تقرير المصير والإستقلال الوطني, وهذا التفكير بمثابة هرطقات لا يقبلها العقل ولا سند لها في التاريخ ولا مقومات لها في الواقع , ومضت تلك القيادة تحت عنوان أن التسوية هي الخيار الإستراتيجي , بعيداً عن الإيمان الشعبي الفلسطيني العارم بحتمية زوال الإحتلال, ورفض الإعتراف ولو بشبر واحد للصهاينة على أرض فلسطين .
وبذلك دُق المسمار الأول في نعش الرفض لوجود الكيان الصهيوني , بإعتباره خنجر في خاصرة الوطن العربي , وسقطت شعارات أن "إسرائيل" غدة سرطانية يجب إقتلاعها , لصالح شعارات قبول الأخر وضرورة التعايش والقبول بواقع الإحتلال والتسليم به , وتهاوى الجدار الأخير الذي منع الأنظمة الرسمية من الولوج في عملية التطبيع الرسمية والعلنية مع الكيان الصهيوني , حيث أن في زمن إتفاقية أوسلو وإفرازاتها النكدة وثقافتها الخبيثة , لم يعد مستغرباً أن يتجول رابين وبيرس في عواصم العرب في الخليج أو المغرب العربي , وإنفرض العقد بتوقيع إتفاقية وادي عربا بين الكيان الصهيوني والأردن , وسارعت بعض الأنظمة العربية إلى تبادل السفراء والقنصليات والمكاتب التجارية ,وبذلك إنهارت المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني سياسيا وإقتصادياً ثقافياً ورياضياً , التي كان عمادها الدول الصديقة للشعب الفلسطيني والمساندة لمشروعه التحرري , وخاصة من دول أسيا وأفريقيا التي كانت تقاطع الإحتلال ولا تعترف بكيانه .
لقد إستغل الكيان الصهيوني دخول منظمة التحرير في نفق التسوية المشؤمة , وإستطاع من خلال ذلك إنهاء عزلته وإنتزاع إعترافاً رسمياً بشرعية إحتلاله , وتمكن قادة الصهاينة من إيجاد فريق فلسطيني يروج لفكرة قبول الإحتلال , بل يتباهى هذا الفريق بأن التسوية معه , تفتح باب التطبيع على مصراعيه مع كيان الإحتلال , وأن الإعتراف بدولة للفلسطينيين في حدود 67 , سيجلب أكثر من 52 دولة إسلامية - عدد دول منظمة التعاون الإسلامي - للإعتراف بـ "إسرائيل" ! .
وبعد أن فشل مسار التسوية , وأصبح جلياً بأن هذا الإحتلال ينفذ مشروع إستئصالي للهوية الفلسطينية , وأن الفلسطيني لكي يعيش على هذه الأرض , وفقاً للأجندة الصهيونية يجب أن يكون خادماً أو حارساً أو جاسوساً أو سمسماراً , في خدمة المشروع الإستيطاني الصهيوني في فلسطين, أمام هذه الحقيقة المرة , ومن أجل علاج العطب الذي أصاب مسيرتنا الوطنية , لا مجال الا النهوض فوراً من هذه الكبوة بلا تأخير , وأن ندخل سريعاً في مرحلة الإفاقة الوطنية وإستعادة الوعي الفلسطيني والعربي معاً , لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها قضيتنا , وتراجع عملية الإسناد والدعم عربيا وإسلاميا وعالميا لحقوق شعبنا , بعد أن نخدع كثيراً من الأحرار بأن الفلسطيني قد أكتفى بسلطة هزيلة تابعة للإحتلال , وتخلي عن راية مقارعة الإحتلال وكنسه من فلسطين .
ولعلاج أمر التطبيع بشكل عاجل ,يجب أن يصدر بياناً رسمياً من منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية مجتمعة , بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني , والمطالبة من الدول العربية والإسلامية عبر قنوات الإتصال الرسمي والشعبي , بمنع أي تواصل مهما كان نوعه ومستواه مع الكيان الصهيوني , لما يشكله من ضرر كبير على القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا , ويساهم في الترويج للإحتلال على حساب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية .
ويقع لزاماً على الكل الفلسطيني المساهمة في إعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية القائمة على أساس إسترداد الوطن وتحريره , وعدم القبول بالإحتلال رغم قسوته وقمعه وإجرامه , فلقد أصبح من الضرورات الوطنية ترتيب البيت الفلسطيني ومؤسساته وخاصة منظمة التحرير والحرص على تمثيل كافة فصائل وقوى شعبنا الحية للمشاركة في صنع القرار الوطني , وتوجيه البوصلة نحو مسارها الحقيقي , عبر إقرار برنامج سياسي وطني تحرري , يرفض الإعتراف بالكيان الصهيوني ويسعى إلى تجنيد كافة الطاقات الفلسطينية و العربية والإسلامية لدحره عن أرضنا.