الأحد: 15/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانقلابات العسكرية... لا تصنع ثورة ولا تحدث تنمية

نشر بتاريخ: 26/07/2016 ( آخر تحديث: 26/07/2016 الساعة: 14:35 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

تجربة الانقلابات العسكرية في العالمين العربي والاسلامي كانت تطال السطح وتغير ديكور الأشخاص، وتبقي على البنية الاجتماعية الاقتصادية كما هي، ولم نشهد بعد أي انقلاب تنمية ورفاهية، واستثني هنا ثورة الضباط الأحرار في مصر، لأنها وإنْ حملت شكل حركة عسكرية، فإن مضمونها كان في الأساس ثورة اجتماعية اقتصادية استندت إلى سلسلة من التأميمات وإحداث تنمية شاملة طالت جميع مرافق الحياة في مصر، قبل أن يتم الانقلاب عليها والانقضاض على ما حققه عبد الناصر بعد وفاته.
أقدم لمقالتي بهذه الحقيقة، قبل الشروع في تحليل الانقلاب العسكري الأخير في تركيا، الذي كتب حوله الكثير إما ضده بحماس أو مقالات خيبة بأقلام معارضين للسياسة التركية تمنى كاتبوها لو أن الانقلاب قد نجح.

الأمور في السياسة لا تقاس بالأمنيات وإنما بالوقائع و المعطيات والنتائج، ولعلي هنا أكتب بشكل مختلف عمَا قرأت. فأنا لي ملاحظات على السياسة التركية تجاه سورية واعتبرها خاطئة، لكن ليس هذا كل ما في الموضوع، فنجاح اوردوغان في سياسته الداخلية طغى بالنسبة لمؤيديه على أية اخفاقات خارجية، فالمواطن من أجل أن يتحمس لنظام حكم معين،فإنه لا بد أن يقتنع لسياساته وانجازاته، وأردوغان حقق داخلياً سلسلة كبيرة من الانجازات ما جعل تركيا تلحق بصفوف الدول الكبار على مستوى الاقتصاد والتنمية.

فاز اردوغان في انتخابات ديمقراطية عندما تأكد الشعب التركي أنه في مأمن اقتصادي من سياساته وبرامجه الاقتصادية، وعندما أدرك المواطن أن الانقلاب سيغتال صوته الديمقراطي الذي أودعه الصندوق الانتخابي، هب إلى الشارع لنجدة ونصرة رئيسه ونجح ليسجل التاريخ أن انقلاباً عسكرياً أفشلته الجماهير بنزولها إلى الشوارع والساحات ملبية نداء الرئيس.
لم يشعر المواطن التركي أن صعود قيادة ذات توجه إسلامي بالانتخاب، قد أثر على التعددية والحرية الفردية والوجه العلماني السائد في كل مفاصل الحياة في تركيا، لذلك لم يخش على خياراته الحياتية الفردية، فالمتدين يجد أبواب المساجد مفتوحة، فيما غير المتدين يستطيع التعبير عن حريته الفردية الاجتماعية والفكرية بالطريقة التي يريد وهذا لا يستطيع تطبيقه الإسلام السياسي في العالم العربي الذي يسير في اتجاه ويجد من الصعوبة بمكان رؤية الاتجاه الثاني، لذلك يسود التشدد والتكفير ضد الآخر الفكري أو الديني أو الاجتماعي. أوردوغان فهم العالم الخارجي واستوعب الحياة ومتطلباتها في أوروبا وعلم أن التعددية لا يمكن الانقضاض عليها بقرار أو بسلسلة من الاجراءات، مع أننا شاهدنا بعد الانقلاب مجموعة من ردود الأفعال المبالغ فيها التي من شأنها أن تخرج القطار عن السكة، إذا لم تكن هذه الاجراءات وقتية ويتم تجاوزها في القريب العاجل.

أحزاب تركية معارضة وعلمانية رفضت الانقلاب لأنها لا تريد العودة إلى العسكرة والدكتاتورية ولا تريد إجهاض التجربة الديمقراطية حتى ولو كانت الديمقراطية أبعدت هذه الأحزاب عن الحكم في المقابل صفق إعلاميون ومثقفون في دول عربية للانقلاب وهللوا له مع أن الانقلابيين يتبعون لاتجاه يندرج في إطار الخلفية الدينية ذاتها، لكنه الاتجاه الذي لقي عناية وتدجيناً من قِبل جهات غربية على أمل أن يقدم لها خدمات مباشرة أوسع وأكبر من تلك التي يقدمها الحكم الحالي، وكان الأحرى بدل التصفيق للانقلابيين، توجيه أقلامهم وكاميراتهم داخل دولهم التي من المفروض أن تتعلم من التنمية التركية.
وبدل أن تسقط اخفاقاتنا الاقتصادية على الآخرين، لماذا لا يتم تسليط الضوْء على عجزنا وانكسارنا وكسلنا وتخبطنا وتبعيتنا، ولماذا لم نسأل أنفسنا من باب الغيرة حول أولئك الذين يتقدمون وينجزون فيما نحن عدنا لنتحدث عن رغيف الخبز وأساسيات الحياة، الآخرون كتركيا والصين واليابان وروسيا إلى جانب أوروبا وأمريكا يتسابقون في الانجاز والاختراعات ويتنافسون في الأسواق المحلية والعالمية، بينما نحن ننافس في الكسل.

وأعتقد كخلاصة أنه لا يتم معالجة آثار أي انقلاب باجراءات ثأرية بل بمزيد من الاصلاحات والتسويات الداخلية، وبتصويب في العلاقات الخارجية، فعندما تقطع دولة ما شوطاً في التربية الديمقراطية قطع شوط في التجربة الديمقراطية ممنوع العودة إلى نقطة الصفر، لأن ذلك يعني الانقلاب على الديمقراطية، فتركيا دولة محورية في المنطقة واستقرارها مهم للعرب والمسلمين وتجربتها الاقتصادية التنموية تصلح للدراسة واستخلاص العبر منها، بهدف الاستفادة مما أُنجز وتحقق، فالانتكاسات التي نعاني من آثارها وتداعياتها في العالم العربي، تتطلب أن ندقق ونمحص التجارب العالمية وفي مقدمتها التجربة التركية، كما يتوجب علينا أن نتعلم من تجارب الدول في صياغة علاقاتها واتفاقاتها مع المجتمع الدولي، وعلى سبيل المثال التجربة الايرانية في مفاوضات الملف النووي، وكيف أن ايران استثمرت الاقتصاد والدور والثقل السياسي الاقليمي في انهاء الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ولو لم تكن ايران قوية وذات ثقل لما تسنى لها ذلك. فالمجتمع الدولي يضطر إلى احترام القوي، ولا يلتفت للضعفاء، لأن العلاقات تقام على أساس المصالح الاقتصادية، وليس على العدالة، ولو كان المجتمع الدولي عادلاً، لما قبِل على نفسه أن يرقب عن بعد معاناة الشعب الفلطسيني ويغض الطرف عن ممارسات وانتهاكات الاحتلال.