نشر بتاريخ: 26/07/2016 ( آخر تحديث: 26/07/2016 الساعة: 15:25 )
الكاتب: فتحي كليب
منذ اعلان ما سمي "مبادرة السلام الفلسطينية" عام ١٩٨٨ والتي اقرت الحد الادنى مما يمكن ان يشكل قاعدة انطلاق لعملية سياسية فعلية، والحالة الرسمية الفلسطينية تعيش سياسيا على صدى المبادرات ومشاريع الحلول التي تطرح من الخارج،
اتفاق اوسلو وكل ما طرح سابقا ويطرح اليوم هو من نسل هذا الاتفاق او يدور في فلكه، بل ان جميع الاتفاقات والمعاهدات التي تم التوقيع عليها مع اسرائيل منذ العام 1993 اخذت مسارا انحداريا لجهة المكاسب التي كانت ولا زالت تحققها اسرائيل، وكل اتفاق كان يأكل من الاتفاق الذي سبقه، بحيث ان جميع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة سعت ونجحت في تعديل الكثير من الاتفاقات حتى بتنا نتحدث عن اتفاق اوسلو وعائلته..
هذا الاسلوب في التعامل مع الاتفاقات قاد عمليا الى ان الحكومات الاسرائيلية كانت تتبارى في تعديل الاتفاقات وكل اتفاق ينزع عن اسرائيل بعض الالتزامات ويضيف على السلطة التزامات جديدة تحت عناوين الامن وغير ذلك من الهواجس التي دائما ما كانت تستخدم لتعرية السلطة وابقاءها تحت سيف التهديد الدائم حتى وصلنا الى ان السلطة الفلسطينية لم يعد لها موقف تقوله وشعارات ترفعها الا ان تلتزم اسرائيل بما عليها من التزامات..
لقد اصبحت وظيفة الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل هي اثارة المزيد من الانقسامات نظرا لالتزام السلطة الكامل بنصوصها خاصة في شقها الامني، رغم علم السلطة علم اليقين ان اسرائيل ليست بوارد تطبيق ما عليها من التزامات، لان هدفها الاساس ليس الوصول الى اتفاق بل استخدام هذه الاتفاقات وسيلة لتحقيق اهدافها وجسرا تصعد عليه للانطلاق نحو تطبيع علاقاتها مع العالم العربي دون ان تقدم ولو تنازل واحد..
تتقدم اسرائيل ويزداد الوضع الفلسطيني تأزما وشرذمة، في تعاكس تام مع نظرية الخطر الخارجي الذي يفترض انه يوحد الشعوب ويضع الخلافات جانبا ريثما يزول هذا الخطر.. هذا ما يحدث مع عدونا.. إذ امام اي رائحة خطر (وليس خطر حقيقي وفعلي) نجد الاحزاب الاسرائيلية (بل كل اطياف المجتمع) من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وقد توحد خلف قيادته وخلف جيشه ..وهذا ما حدث مع بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية ومع فرنسا الديغولية والمانيا الهتلرية وهو ما حصل مع الولايات المتحدة بعد حادثة 11 ايلول وهو ما حدث ايضا مع تركيا عندما رفضت كل الاحزاب منطق الانقلابات وتوحدت حول تركيا الدولة والشعب والجيش والكرامة الوطنية.. فأين نحن من كل هذه الشعوب ؟
الحالة الفلسطينية كسرت ما كان متعارف عليه علميا: وباتت حالتنا انه بمقدار ما تزداد المخاطر وتتقدم، بمقدار ما نزداد انقسامنا وتفرقا.. رغم اننا من اكثر الشعوب في العالم حاجة للوحدة والتوحد:
■ فلا العدوان على غزة وحدنا
■ ولا سقوط ما يزيد عن الفي شهيد وحدنا
■ ولا القدس وما تتعرض له من هجمة استيطانية محمومة ايضا وحدتنا
■ لا الاعتقالات الاسرائيلية في الضفة وحدتنا
■ لا السياسة الاستيطانية التي تنذر بضياع الارض
■ ولا تزايد المخاطر على اهم ركن من اركان القضية الفلسطينية (قضية اللاجئين وحق العودة)، بعد الضربات التي وجهت للوجود الفلسطيني في سوريا ولبنان .. ايضا ليست يبدو كافية لتوحدنا
■ حرق ابناءنا واهلنا وقتلنا بدم بارد والعالم لا يسمع ولا ير ولا يتكلم .. ايضا هذا ليس كافيا ليوحدنا
نحن كفلسطينيين اختلفنا ولا زلنا نختلف على كل شيء. وكل ازمات المنطقة هناك مع وهناك ضد.. والخاسر الاكبر تكون المصلحة الوطنية.. اختلفنا على الازمة في سوريا واليمن واختلفنا على مسألة محاربة الارهاب .. اختلفنا على ما حدث في مصر وايضا حول النظرة الى ما حصل في تركيا.. وما زلنا نختلف على طريقة التعاطي مع الازمات العالمية والاقليمية .. ونكاد نختلف على كل شيء حتى على البديهيات التي يفترض اننا متفقون في النظرة اليها وفي كيفية التعاطي معها..
في ظل هذه الحالة تصبح مسؤولية السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارهما الهيئتين والاطارين اللذين بامكانهما المبادرة لفعل شيء ما اكثر ملحاحية. اين هي السياسة الفلسطينية الجامعة التي يأتلف ويلتف حولها جميع الفلسطينيين وتكون هي الحكم وهي البوصلة فمن اقترب منها من الاشقاء والحلفاء والاصدقاء كان حليفا وصديقا لشعبنا ومن عادى هذه السياسة وابتعد عنها نناصره الجفاء والعداء، تماما كما فعل رئيس وزراء بريطانيا تشرشل عندما قال: "كل من يصادق هتلر فهو عدو لنا".
نحتاج كفلسطينيين الى عنوان وطني يجمعنا كمنظمة تحرير وسلطة وطنية وكفصائل ومؤسسات وتيارات وشخصيات سياسية وفكرية مستقلة وحالة شعبية تنتظر اشارة ما للانتفاض على المحتل وعلى واقع اريد له ان يكون نهائيا وابديا. خاصة ان صيغة العمل السياسي المؤطرة باتفاقات اوسلو وبعملية تفاوضية هي الاطول في التاريخ لم تعد تجدي نفعا، بحيث باتت بنظر الكثيرين عنوانا لتصفية القضية الفلسطينية بشكل تدريجي. وبالتالي فان الواقع السياسي الراهن اصبح يلعب دورا معرقلا امام امكانية اي عملية نهوض مستقبلية تسعى الى التغيير، وإذا لم يأت التغيير من داخل الحالة السياسية، سلطة ومنظمة وفصائل، فان ثقل المعاناة سيفرض تغييرا من خارجها.. لأن النظام السياسي الحالي غير قادر على استيعاب اية تغييرات، لأنه مصمم على مقاس عملية تفاوضية استنفذت اغراضها وانتهت مفاعيلها السياسية..
اليوم الحركة الوطنية الفلسطينية تعيش ازمة فعلية نتيجة عدم قدرتها على مجاراة التغييرات الحاصلة من حولها سواء على المستوى الداخلي او لجهة مواجهة ما تتعرض له الارض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس من تصاعد عمليات الاستيطان والتهويد ومواصلة عمليات القتل والاعتقال، مضافا اليها الواقع الاقتصادي الصعب نتيجة القيود التي كرستها اتفاقية باريس الاقتصادية لجهة تكريس التبعية للاقتصاد الاسرائيلي وتداعيات التنسيق الامني مع الاحتلال.. كل هذا يؤشر الى أن عوامل اندلاع انتفاضة شعبية ضد الاحتلال والاستيطان باتت قريبة جدا وباتت عواملها الموضوعية ناضجة وهي لا تنتظر سوى القرار السياسي، ما يعني ضرورة الاستعداد الجدي لهذا الاستحقاق..
ان الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني، وبين القوى الفلسطينية المناضلة ليست مجرد خيار من جملة خيارات يمكن المفاضلة بينها، بل ضرورة وطنية لازمة لا غنى عنها، ولا يمكن دونها أن تتكلل العملية الوطنية التحررية بالظفر، وهذا الأمر تفرضه قوانين مرحلة التحرر الوطني، وتجارب كل الشعوب التي سبقتنا في انتزاع حريتها واستقلالها تثبت أن شرط انتزاع النصر هو وحدة أبناء الشعب على مختلف مشاربهم الطبقية والفكرية والإيديولوجية في مواجهة العدو المحتل والمغتصب، وتحت سقف برنامج وطني موحد وموحد.
لنعد الى السياسات الوطنية الجامعة.. لنحتمي بوطنيتنا الفلسطينية فهي تتسع للجميع وفي اطارها فليتصارع وليتنافس المتنافسون..