نشر بتاريخ: 28/07/2016 ( آخر تحديث: 28/07/2016 الساعة: 10:14 )
الكاتب: نيروز قرموط
كثير من الشباب من سألني حول رأيي بالمشاركة في انتخابات البلدية سواء بالترشح أو بالانتخاب ، سأحاول معكم أن نستعرض بشكل مبسّط مجمل الحالة العامة التي ستمر بها هذه الانتخابات ، عندما نتحدث عن انتخابات ، اذا نحن في صدد عملية ديمقراطية أساسها صوت الشعب ، والشعب بدوره يمتلك صوته في حال امتلك اكتفاء ذاتيا وكيانية حرة واستقلالية يستطيع الانطلاق منها ، في حالتنا الفلسطينية نفتقد الدواعم الأساسية لمفهوم الديمقراطية وهي الحرية والاستقلال والاكتفاء الذاتي .
نحن نعيش في بيئة محتلة منقسمة وفقيرة ، وإذا ما عدنا للوراء كانت الانتخابات ونتائجها لا تكرس إلا حكم الحزب الواحد ، وما بعد ذلك من سيطرة كاملة على مكونات الحكم من أدوات مما يعمق التفرّد والبعد عن انتهاج الطريق الديمقراطي للحكم والبناء ، سواء في الانتخابات الأولى عام ١٩٩٦ من خلال مقاطعة أغلبية التنظيمات وتفرّد فتح بالحكم ، أو بالانتخابات الأخيرة التي قبلت حماس وفصائل أخرى بدخولها سواء في انتخابات البلدية التي اعتبرتها عملا خدماتيا انسانيا ، أو بالموافقة على الترشح في الانتخابات التشريعية (مما يعكس موافقة على دخول اللعبة السياسية بغطاء أوسلو ) ونجاحها بالأغلبية ، مما أفضى الى صراع مسلّح عصف بمؤسسات الحكم وأدى الى انقسامها في كيانين ضعيفين في الضفة وغزة .
مهم أن نذكر أن عددا من الفصائل الفلسطينية خارج وداخل أُطر منظمة التحرير الفلسطينية رفضت منذ البداية الانخراط في انتخابات تحت ظل الاحتلال ، وهذا ما سيتغير في هذه المرة من خلال موافقة حركة الجهاد الاسلامي على المنافسة في انتخابات البلدية ، رفض الانتخابات هو امتداد لرفض إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي( اتفاقية أوسلو) واعتبار سلطة الحكم الذاتي سلطة منقوصة الاعتراف وذات كيانية ضعيفة وعنونة هذا الرفض بعنوان مفاده نحن في ثورة حتى النصر والدولة .
لا ننسى أن الانتخابات الأخيرة كانت حاجة للمجتمع الدولي ، فرضت على الفلسطينيين في عهد الرئيس ابو مازن بعد ضعف حركة فتح باستشهاد الرئيس ياسر عرفات، اضافة الى ضرب البنية التحتية للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام ٢٠٠٠ بعد فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وبدء انتفاضة الأقصى التي أودت إلى خارطة الطريق التي طالبت بضرب البنية التحتية للإرهاب ومنه نزع سلاح الأجنحة المسلحة للفصائل لكن حماس مازالت حتى الآن تحتفظ بسلاحها في غزة ، وهنا لم تعد البرامج الانتخابية واضحة الأهداف بين مفاوضات فلسطينية إسرائيلية لم تحقق أهدافها ، وبين مقاومة لا يتفق كافة الفصائل على أدواتها النضالية وتوقيت استخدامها ، وحلفاء إقليميين في معسكرات متناقضة التكتيك لكني أعتقد أنها تتفق في المصلحة الاستراتيجية لكيانات دولها.
ماذا يريد المواطن الفلسطيني من كل هذا التخبط السياسي والعسكري في وقت تضعف به التنمية المجتمعية ولا يكف الاسرائيلي عن الاستيطان واحتلال مزيد من الأراضي وتهويد القدس وبناء الجدار العازل وتجريف الأراضي والقتل العمد والإذلال والتهديد والحصار وثلاثة حروب على غزة ، تفرَّد بالحكم في الضفة وكذلك في غزة والسيطرة الأمنية هي عامل القوة الذي يحمي استمرار الحكمين ، ممارسات غير ديمقراطية ، انهيار سياسي ومعنوي في الفكر الفلسطيني النهضوي ، ضعف عميق في الحركات اليسارية والتقدمية واختلافات سياسية بين الجبهات ، مجتمع مدني لا يمتلك حتى الآن رؤية وطنية ذات فعل مؤثر ، تراجع أخلاقي وثقافي وقيمي ، وتفشي لكثير من الظواهر السلبية وعودة للعشائرية والقبلية والعائلية ، أعداد مهولة من الخريجين وفرص عمل نادرة مما أدى الى ارتفاع نسب البطالة الى أعلى المستويات ، انحسار الطبقة الوسطى ، تغول القطاع الخاص ، ارتفاعا للأسعار والتضخم المالي ، زيادة الضريبة ، ضعف قطاعي الصحة والتعليم ، ضياع ، بؤس ، يأس ، لا هدف ، لا عنوان ، لا أمل ، مجتمع منهك ، لا دافع من أجل الابتعاد بالشباب عن التفكير بالهجرة ، هؤلاء من يبحثون عن فرصة أفضل بالحياة عندما فقدوا الأمل بكل مكونات النسيج السياسي الفلسطيني ، يبحثون عن بديل ديمقراطي لا يوجد ، الموجودون حتى الآن هم فتح وحماس ومن سينتخب هو جمهور فتح وحماس وهنا نخاف أن تكرس هذه الانتخابات حالة الانقسام الموجودة .
فتح تحاول أن تخرج بقائمة واحدة من خلال ما صرح به السيد سمير المشهراوي وبذات الوقت نسمع عن رفض الرئيس أبو مازن المجنحين أي أتباع محمد دحلان القيادي في فتح في قوائمه ، مما قد يشتت الأصوات كما السابق ، حماس قد ترشح كفاءات موالين لها في قوائمها ، اليسار غير موحد ، المستقلين لا نعلم كيف هو شكل ونسبة حضورهم بعد ، ولا يوجد حركة ليبرالية في نسيجنا السياسي ، أي أن الخيارات أمام الجمهور لم تتغير بعد ، لذا أعتقد أن حزب الكنبة سيتسع أكثر وأكثر ، أي الممتنعين عن التصويت لضعف البدائل الديمقراطية المتاحة ، كانوا قد رفضوا انتخابات في ظل الاحتلال فما بالنا في انتخابات في ظل انقسام داخلي أيضا.
مجتمعنا الفلسطيني هو مجتمع فتي أكثره شاب ، هؤلاء الشباب في سن الثامنة عشر ، لا أريد أن أكون عدمية الطرح ، هؤلاء من حقهم أن يعلموا أن لديهم صوت ، صوت الشعب ، مجتمعنا الفلسطيني لم يسمح له أن يتمرس على العملية الديمقراطية ، حزينة أنا إن كبر هؤلاء الشباب ولم يمتلكوا مرة واحدة صوتا ينادي بالتغيير رغم كل البؤس الذي نعيش فيه ، ولا يهمني أن نفشل ، لا يهمني غياب البدائل الديمقراطية ، ما يهمني أن يعلم شبابنا أنهم يستطيعون في المرة القادمة صناعة خيارهم ، لست عدمية ولا أستطيع أن أعود للوراء وأن أطلب من الاحتلال القدوم من أجل إدارة مناطقنا بعد انسحابه الصوري ، وتحمل تكلفة احتلاله ، هذه الأراضي هي في أيدينا ، ولدينا جواز فلسطيني يحمل عنوان دولة فلسطين وهذا إنجاز وطني ، نحن الوطنيون نقاطع و نرفض ونترك المجتمع فريسة سائغة للمتطرفين وسياساتهم وانظروا أين وصل المجتمع ؟