الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إلى الخلف درّ

نشر بتاريخ: 02/08/2016 ( آخر تحديث: 02/08/2016 الساعة: 14:42 )

الكاتب: جميل السلحوت

من ينتبه لحال أمّتنا العربيّة، لن يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليعرف أنّنا نقف في آخر ذيل الحضارة الانسانيّة، ولا نتفوّق على الأمم الأخرى إلا بهزائمنا، وتخلّفنا على مختلف الأصعدة، وننفرد بأنّنا الأمّة الوحيدة التي تحارب نفسها تحقيقا لمصالح أعدائها، وتدمّر أوطانها لتلجأ إلى بلاد أخرى، وتهدم حضارتها لتعود قرونا إلى الوراء، والكارثة الكبرى أنّنا نبرّئ أنفسنا من الجرائم التي نرتكبها، وكلّ منّا يزعم أنّه على حقّ، وغالبيّتنا يردّون ذلك إلى القضاء والقدر، لأنّهم يعتبرون أنفسهم خلفاء الله في الأرض، ويمتلكون مفاتيح السّعادة في الدنيا والآخرة، فيفتون ويقتلون ويدمّرون ويعيثون فسادا في الأرض، ظنّا منهم أنّهم جنود الله في الأرض!


لكن لم نتساءل في غالبيّتنا عن أسباب ذلك؟ وإن شخّصنا الحالة المرضيّة التي نعيشها، فإنّنا لا نعمل على الشّفاء منها، بل إنّ من يستطيع العلاج مهمّش ومنبوذ ولا يستطيع فعل شيء أمام قطيع الرّعاع الذين يقدّسون الجهل وافرازاته.

ونظهر أمام العالم بأنّنا أمّة تعادي نفسها، من خلال تكريس الجهل وتقديسه، ومعاداة العلم وتطوّر الحضارة الانسانيّة. فمن يصدّق أنّ حوالي ثلث أبناء أمّتنا أمّيّون لا يجيدون القراءة والكتابة ونحن في نهاية العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين؟ وأنّ الثلث الثّاني هم أشباه أمّيّين؟ وأنّ مناهجنا التّعليميّة في مختلف مراحلها لا تواكب العصر؟ وأنّ وسائل اعلامنا في غالبيّتها تكرّس الجهل وتسوّق ثقافة الهزيمة، فعلى سبيل المثال هناك عشرات الفضائيّات التي تدخل كلّ بيت مخصّصة للشّعوذة والخرافات، ويتصدّرها من يدّعون "العلم من أصحاب العمائم واللحى" الذين يرون شرور الدّنيا في المرأة وجسدها، ولا يفرّقون بين علوم الدّنيا وبين المعتقد الدّيني، فيعتبرون الدّين الذي هو عقيدة علما، وأنّه أساس العلوم كلّها، بينما العالم جميعه يعتبر الرّياضيّات أساس العلوم، ولجهلنا فإنّ جهلائنا من مدّعي العلم يكفّرون من يقول عكس رأيهم، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث في علوم الدّنيا التي لا علاقة لها بالدّين والعقيدة؟ فمثلا ما الحلال؟ وما الحرام في علوم مثل الهندسة والفيزياء والكيمياء والطّب والصيدلة والزّراعة وغيرها؟ وما علاقتها بالدّين؟ وهل تساءل من يتحكّمون برقاب الشّعوب والأوطان عن مدى مساهمتنا كعرب وكمسلمين في الثورة العلميّة والتّكنولوجيّة التي شهدها ويشهدها العالم؟ وما أسباب ذلك؟

وامعانّا منّا في تقديس الجهل، فإنّنا لا نقف عند هزائمنا المتلاحقة، بل نواصلها ونتراجع إلى الخلف في حين غيرنا من "الكفّار" يتقدّمون! فمن يتصوّر مثلا أنّ دولة مثل بلجيكا عدد سكّانها ستة ملايين شخص، يعتاشون على الصّناعات الخشبيّة وصيد الأسماك يفوق دخلها القوميّ دخل السّعوديّة أكبر منتج للبترول في العالم؟ وأنّ اسبانيا التي تعدّ من أفقر الدّول الأوروبّيّة يفوق دخلها القومي مداخيل الدّول العربيّة مجتمعة؟ فهل تساءلنا عن أسباب ذلك؟ وأين مواقع الخلل عندنا؟

وهل انتبهنا لدولة ماليزيا -غالبيّة شعبها مسلم- كيف قفز بها مهاتير محمّد بالعلم من دولة ذات مديونيّة عالية، خلال عشرين عاما إلى دولة ذات احتياطي مالي بمئات المليارات؟ فهل كفر الرّجل؟

وهل انتبهنا إلى الخلل الكبير في وعينا وثقافتنا ومدارسنا وجامعاتنا؟ أوليس من العجب العجاب عندما احتفلت أمريكا بانزال أوّل سفينة فضائيّة على كوكب المرّيخ، أن احتفلت وسائل اعلام وجامعات بعض دولنا بشهادة الدّكتوراة لأحد الدّارسين بعنوان"فقه الضّراط"! وليتفاخر "علماؤنا" بأنّ لدينا حوالي مئة ألف مؤلّف في "علم الطّهارة"؟ فهل طهارة الجسد بحاجة إلى كلّ هذه الأبحاث والمؤلّفات؟ وهل انتبهنا إلى خيباتنا وهزائمنا العلميّة عندما تتصدّر بعض فضائيّاتنا ووسائل اعلامنا الأحاديث عن فوائد شرب بول البعير! في حين توصّلت مراكز البحث العلمي عند "الكفّار" لعقاقير لعلاج الكثير من أمراض السّرطان وغيرها؟

أو ليس من العار أن تخصّص فضائيّات عربيّة لتغذية الطّائفيّة، وحروب الاقتتال والتّدمير في سوريّا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها، وكلها حروب مموّلة بمال عربيّ مسلم لتحقيق مصالح معادية، أقلها إعادة تقسيم العالم العربيّ لدويلات طائفيّة متناحرة؟

أو ليس من المعيب أن يجري التّطبيع مع اسرائيل في الوقت الذي تواصل فيه احتلالها واستيطانها للأراضي العربيّة، وتستبيح المسجد الأقصى الذي هو جزء من العقيدة؟ بل إنّ الأمر تعدّى التطبيع إلى التّنسيق الأمني والتّحالفات العسكريّة معها؟ أو هكذا أمور بحاجة إلى ذكاء لادراك خطورتها على الأمّة؟ وعلى رأي أحد المفكّرين المغاربة:"لقد خلق الله للانسان عينين في مقدّمة وجهه ليرى أمامه، ولو أراد أن يرى الخلف لخلقها في مؤخّرة رأسه" وأنا أضيف بأن الله خلق للانسان دماغا ليفكر، وليتدبّر أموره، فهل نستعمل أدمغتنا أم سنبقيها محنّطة؟ والحديث يطول.