نشر بتاريخ: 07/08/2016 ( آخر تحديث: 07/08/2016 الساعة: 17:38 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
يبدو المشهد السياسي العربي هذه الأيام مثل غرفة الطوارئ في المستشفى . إصابات سير هنا ، وصراخ وأطباء يركضون لإيقاف النزيف هناك ، أو لمعالجة الجرح المفتوح في تلك الزاوية ، إعطاء مهدئات لهذا الملف أو تنشيط القلب لذلك الملف الذي فقد الوعي .
وهنا لن يستطيع غير الطبيب معرفة أي الجروح أخطر ، وأي المصابين يجب أن ينقل إلى غرفة الجراحة فورا ، ومن الذي يجب نقله الى غرفة الأشعة للتشخيص الأدق . والأمر لن يخضع لاستفتاءات ولن يعتمد على انتخابات وتصويت وتصفيق ولقاءات صحافية . وإنما على تقدير موقف ثابت وواضح من الطبيب في تلك اللحظة . ومن أجل هذه اللحظة تربّي الأمم قادتها ومثقفيها وأطباءها ، ليتخذوا القرار المناسب في اللحظة المناسبة وليكونوا قادرين ومؤهلين على تنفيذ تقدير موقف واضح في اللحظات التي يصعب فيها ذلك .
أما الذين يهربون من غرفة الطوارئ إلى عيادات الغربة وعيادات التجارة بانتظار الزبون " المريض " الذي سيدفع لهم أكثر فهؤلاء مجرد باحثين عن السلامة الفردية ، لن يستطيعوا اجتراح الموقف ولا اتخاذ القرار الوطني المناسب . وسيبقى دورهم في النميمة وإظهار العيوب في عمل الأطباء الذين صمدوا في غرفة الطوارئ وأنقذوا حياة المصابين . وسيحاولون التباهي بنظرية ( لو أنهم كانوا في غرفة الطوارئ فأنهم سيعملون أفضل ) وهي نظرية تافهة لا تستحق معاينتها . فمن أراد التطوع والعمل فلن يمنعه أحد . ولن ننسى أبدا اؤلئك الأطباء العرب والأفارقة والأوروبيين ومن داخل الخط الأخضر ومن الضفة الذين تطوعوا للذهاب إلى غزة فترة الحرب لإنقاذ الجرحى . ونقارنهم مع اؤلئك الذين قعدوا أمام كمبيوتراتهم يتبجّحون ويظهرون العيوب في عمل الذين تطوعوا ويعطون الوعظ وشهادات الصلاحية .
الأمر سيان في السياسة . هناك وطن تحت الاحتلال ، وهناك قطاع محاصر منذ عشر سنوات لدرجة انه تحوّل إلى أكبر سجن في العالم . وهناك استباحة عسكرية للضفة الغربية ، وهناك حرب تهويد ضد القدس . والوطن بحاجة إلى عقول ، وبحاجة إلى طاقات ، وبحاجة إلى قادة وأطباء وصحفيين يعملون تحت الضغط ولا يهربون من المسؤولية .
مئات المعارك الجانبية مفتوحة على مصراعيها أمامنا ، ولكن قضية واحدة فقط يجوز أن نصب كل الجهود فيها . وهي تحرير فلسطين ورفع الظلم عن القدس ورفع الحصار عن غزة والوقوف في وجه المستوطنين في الضفة الغربية .
وهناك مائة سبب لنهرب من المسؤولية ، ومائة ألف ذريعة لنغادر غرفة الطوارئ ، وهناك مليون فرصة لنهرب من قضية عادلة . وهناك سبب واحد فقط لنبقى ونقاوم ونتشرف بالبقاء على هذه الأرض . وهو شرف الموقف .
وكلما ضعفت إرادتي وضاقت أنفاسي علي . انظر حولي فأجد أصدقاء الشعب الفلسطيني المتضامنين الأجانب قادمون ليتظاهروا ضد الجدار في بيت لحم ونعلين وبلعين وبيت جالا ، وأقول : هؤلاء أطباء ومحامون ومثقفون وطلبة جامعات ومهندسات تركوا عواصم أوروبا ومدن أمريكا وطاروا آلاف الأميال يبحثون عن شرف النضال ضد الاحتلال . ونحن أولى وأحق بهذا الشرف .