نشر بتاريخ: 08/08/2016 ( آخر تحديث: 08/08/2016 الساعة: 15:09 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
سألني أحد الصحافين في مقابلة لصالح صحيفة معينة: ألا تعتقد أن إسرائيل تخشى فوز حماس في الانتخابات المحلية، وإلى أي مدى سيكون هذا الفوز لو تم مؤشراً على الانتخابات التشريعية؟
السؤال هو افتراضي بطبيعة الحال، ولا أحد مسبقاً يستطيع تحديد الفائز قبل أن تجرى الانتخابات، إضافة إلى أن الانتخابات المحلية هي مزيح من مستقلين ومحسوبين على فصائل وحزبيين وعشائرين وبالتالي من الصعب تحديد نسب معينة للفوز، وبهذا بدل أن ننشغل باسئلة افتراضية، ينبغي أن نتنبه في هذه التجربة إلى مجموعة من القضايا التي هي في رأيي أهم من أية اسئلة إفتراضية:
أولاً: كيف سنجعل الانخابات المحلية مدخلاً حقيقياً لإجراء الانتخابات التشريعية؟
ثانياً: إلى أي مدى سوف يتم توظيف التجربة الديمقراطية من أجل إنهاء الانقسام، مستفيدين من أن الانتخابات المحلية تشمل الضفة والقطاع وأنها أول خطوة جماعية يشارك بها الكل الفلسطيني بعد الانقسام.
ثالثاً: إن الخطر لا يتمثل في فوز هذا الطرف أو ذاك، وإنما في استحواذ العشائرية لا سيما في الريف على المقاعد المحلية على حساب التوجهات السياسية أو الكفاءات المهنية، لتخضع الأمور لتقسيمات عشائرية لا تحتكم للكفاءة.
رابعاً: إسرائيل غير معنية بنجاح أية تجربة فلسطينية حضارية للفلسطينيين وهذا يرتبط بالصراع الدائر بين الطرفين، وكل ما يهمها أن تظهر وتعم السلبيات في التجربة الفلسطينية، مثل الانقسام، لكي تقول للعالم، بأن هؤلاء يتصارعون ويتقاتلون على سلطة ونفوذ وهم تحت الاحتلال، فكيف سيكون حالهم في المستقبل، لكي تقنع العالم أننا لا نستحق دولة، في تبرير سافر لاستمرار الاحتلال.
خامساً: قد تعطي الانتخابات المحلية دلالات على موازين القوى وحضور الفصائل ونسبها، لكنها ستكون دلالات غير ناصعة الوضوح محاطة بأسئلة لا اجابات قاطعة عنها، والسبب صعوبة تحديد النسب في ظل التداخل الذي اشرت إليه في السطور السابقة.
الانتخابات المحلية هي ذات طابع خدماتي وهي ضرورية لتثبيت العملية الديمقراطية والبناء على ما تحقق في التجارب السابقة، ومد البلديات بدماء جديدة، بخاصة وأن عدداً من البلديات والمجالس فشلت في تحقيق الحد الأدنى مما وعدت ناخبيها به، إضافة إلى أن الفترة الزمنية المحددة لهذه المجالس قد انتهت ومن العبث اعطاء فرص أخرى لمن فشل ليستمر في تكرار فشله وإعادة انتاج اخفاقاته، بعد أن انتخب لخدمة الناس وإفادتهم، فكانت النتيجة أن أضاع وقته ووقتهم، والأنكى من ذلك فإن عدداً من ذوي التجارب الفاشلة على هذا الصعيد، يفكرون في خوض غمار التجربة مجدداً، وكأنهم أدمنوا فشلاً.
بعض دول العالم المتقدمة تنظر للبلديات والمجالس المحلية نظرة أكثر أهمية من البرلمانات، لأن كثيراً من المواطنين في الدول الغربية، لا تعنيهم سياسات بلادهم الخارجية، ولا يعيرون انتباهاً لما يجري على الساحة العالمية، وإنما ينشدون لمدنهم وتجمعاتهم السكانية وما يقدم لها من خدمات، لذلك علينا عدم التقليل من أهمية الانتخابات والتركيز على الجانب الخدماتي في المدن والبلدات الفلسطينية، أما السياسي فله دوائره ومؤسساته، لأن المواطن الفلسطيني بما عاناه ويعانيه جدير بأن نحترمه ونهتم بصحته من خلال بيئة نظيفة، فيما اطفالنا بحاجة إلى ملاعب وساحات وحدائق، ومن العبث تأجيل الحياة المدنية والتذرع دائماً بأن الدولة الفلسطينية المستقلة لم تقم بعد، فمدارس ورياض وملاعب وساحات اطفالنا غير قابلة للتأجيل، وأن يتأخر الاستقلال لا يعني ذلك تأخير الحياة بكل مرافقها.
وعلينا أن نعترف أن هناك مجالس انجزت، فقد فتحت شوارع جديدة واصلحت القديمة وافتتحت بعض الحدائق ونظمت السير وخففت من الازدحام، وأن الصورة لم تكن سوداوية تماماً، بيد أن المجالس التي لم تنجز ولم تنتظم جلساتها وغابت خططها هي كثيرة أيضاً.
والحقيقة أن العشائرية بدأت تعلن عن نفسها قبل بضعة أسابيع من إجراء الانتخابات، حيث أخذت العائلات تُحضِر مرشحيها، وبما أننا نتحدث عن عشائرية وتقاسم نفوذ بين العائلات فإن ذلك في أغلب الأحيان لا يتم حسب القدرة والكفاءة وإنما استناداً إلى تقسيمات تقوم على أساس الانتماء للعائلة، وهذا يجعل الأمور تأخذ منحنى وجاهياً وليس خدماتياً.
إن إجراء الانتخابات المحلية بشفافية سيضيف تجربة ديمقراطية جديدة إلى ما سبق وانجزه الفلسطينيون من قبل، وسيفتح الباب واسعاً للانتخابات التشريعية والرئاسية، إذا رضيت الاطراف بالنتائج وتعاملت معها بروح النجاح الكلي، أما إذا راح الخاسر يتلكأ ويحسب حسابات ذاتية ويضع عراقيل أمام اجراء الانتخابات التشريعية، على اعتبار أنه قرأ المزاج الشعبي، فإن الانتخابات المحلية ستبدو خطوة منقوصة متقطعة عن الحلقات الديمقراطية الأخرى، لا سيما وأن الديمقراطية ليست انتقائية أو خاضعة لرغبة أو عدم رغبة هذا الطرف أو ذاك، انطلاقاً من ظروفه وحساباته الخاصة.