نشر بتاريخ: 10/08/2016 ( آخر تحديث: 10/08/2016 الساعة: 12:32 )
الكاتب: غسان مصطفى الشامي
منذ بدايات ثورات الربيع العربي قبل خمسة أعوام تقريبًا استبشر المواطن العربي خيرًا بهذه الثورات أن تزيل العروش والأنظمة الدكتاتورية التي حكمت الشعوب عقودًا من الزمن، فخرجت الجماهير العربية في الشوارع أيامًا فرحة بالربيع العربي وانتهاء الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة، ليصبح الحكم للشعب وصندوق الانتخابات، ولكن ما هي إلا أشهر حتى استوعب الأمريكان والغرب الأحداث العربية، وبدءوا بالتدخل العاجل لتشكيل مسارها حسب الرؤية الأمريكية الإسرائيلية للعالم العربي، وتغيرت المعالم والأحوال والأوضاع في وطننا العربي، وجاءت هذه الثورات بما لا تشتهيه السفن، وخسر الوطن العربي الكثير من أراضيه، خسرنا العراق بلاد الرافدين وحضارتها الشامخة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003م، وخسرنا سوريا منذ عام 2011م بداية الثورات فيها، وخسرنا اليمن وليبيا، فماذا تبقي لنا؟!، حتى إن القمة العربية الأخيرة التي أجلت أكثر من مرة عقدت في ظروف غاية بالصعوبة، وكانت باهتة وسط غياب عدد من الحكام والزعماء العرب.
إن الوطن العربي لم يعد موحدًا، ولم تعد هناك جامعة تجمع شتاته، وأصبح وطننا العربي كالجسد الضعيف مهترئًا، ويتدخل الأغراب في أرضنا يسرحون فيها ويمرحون، وإن القواعد العسكرية الغربية في بلادنا تخطط وتفكر كيف توغل في تدمير الوطن العربي، وتبقيه مفرقًا دون أية رابطة تربط بين إخوة الدم والدين والعرق، واليوم حقق الغرب أحلامه بقوة أكبر، وفي السابق استطاع تقسيم الوطن العربي وتفتتيه بعدما زرع الكيان السرطاني (الكيان العبري) في قلب الوطن العربي، لمنع أي تواصل أو وحدة جغرافية أو دينية بين بلاد وشعوب الوطني العربي.
إن الأحداث والمجريات الميدانية في ساحات الوطن العربي بالأساس تخدم الكيان الصهيوني، وتطيل عمر هذا الكيان، لأن انقسام الوطن العربي وأبنائه لا يدع مجالًا للتفكير في العدو الأوحد للعرب والمسلمين (الكيان العبري)، ولا تحرير أرض فلسطين من دنس الغاصبين المحتلين.
إن الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والكيان الصهيوني يتدخلون اليوم بقوة في الصراع الدائر في عدد من الدول العربية؛ فأمريكا تمتلك قواعد عسكرية ثابتة في عدد من الدول العربية، والروس الذين تدخلوا حديثًا في بلادنا العربية، باستغلال الحرب الدائرة في سوريا، بحجة دعم نظام بشار الأسد؛ حققوا أحلامهم في تقاسم كعكة الوطن العربي، والتدخل في شؤونه لحماية مصالحهم، والمشاركة في نهب ثروات الوطن العربي، وربما الأمريكان من مصلحتهم التدخل الروسي في بلاد العرب حتى لا يكونوا وحدهم في الميدان ويشعروا بالحرج أمام المجتمع الدولي، وهناك الكثير من الدول الغربية تتدخل في الوطن العربي باستغلال السيطرة الاقتصادية والاتفاقيات الاستثمارية، وخاصة عمل الشركات الأجنبية في مشاريع النفط واستخراج الغاز، والبحث عن ثروات الوطن العربي من معادن نفيسة في أرضه.
أما البلدان الأخرى مثل تونس والجزائر ومصر فهي كذلك تعيش في أوضاع سياسية واقتصادية صعبة، لها تأثيرات كبيرة على حياة المجتمع وعلى الاقتصاد والأسواق في هذه البلاد، واليوم تشهد مصر أكبر بلد عربي تدهورًا في الأوضاع الاقتصادية، ونقصًا في العملة الأجنبية (الدولار)، وانخفاض قيمة الجنيه المصري بالنسبة إلى الدولار الأمريكي لمستويات متدنية جدًّا لم يسبق لها مثيل، ورجال الاقتصاد يتحدثون عن عمق أزمة اقتصادية تعيش فيها الدولة المصرية، أما دول الخليج العربي فهي كذلك تعيش في واقع اقتصادي مرير، وهناك دول خليجية كبرى اتجهت إلى الاقتراض من الصندوق الدولي لمواجهة أزماتها الاقتصادية، أما لبنان الشقيق فهو يحيا اضطرابات سياسية منذ أعوام قليلة، وصراعات بين الأحزاب السياسية، ولا يزال منصب رئيس الجمهورية شاغرًا منذ 3 أعوام.
أمام هذه الأوضاع الصعبة التي يحياها عالمنا العربي نشرت حديثًا صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية خريطة جديدة للعالم العربي، تظهر تقسيمًا جديدًا لعدد الدول العربية، وهي سوريا وليبيا واليمن والسعودية، ووفق الخريطة الأمريكية تنشأ دولة "كردستان" في شمال العراق وشمال سوريا، وتنشأ الدولة العلوية (علوي ستان)، وتدمج المناطق السنية في العراق وسوريا بدولة واحدة تدعى "سنة ستان"، وفي جنوب العراق تنشأ دولة "شيعة ستان"، وتنشأ دولة جديدة غرب جنوب سوريا تسمى "جبل الدروز"، ويمكن تقسيم اليمن إلى قسمين _حسب الخريطة_ وليبيا إلى ثلاثة أجزاء، والسعودية إلى خمس دويلات.
إن الحديث الأمريكي والإسرائيلي والغربي عن خرائط جديدة لأراضي وحدود الوطن العربي، وتغير معالم خطوط (سايكس بيكو) الجائرة ليس جديدًا، بل إن الإسرائيليين تحدثوا عن خرائط تقسيم الوطن العربي منذ عشرات السنين، وأعلنت الوزيرة الأمريكية السابقة كونداليزا رايس الأفكار الأمريكية لمفهوم "الشرق الأوسط الجديد" وتقسيم الوطن العربي، واليوم بعد التدخل الأمريكي والروسي والغربي في وطننا العربي يبدو لي أن هذه الخرائط الجديدة للوطن العربي قد ترى النور على الأرض، وقد تبدأ بالعراق وسوريا، وربما اليمن، الأمر الذي يلقي بتأثيراته السلبية الكبيرة على وحدة الوطن العربي، ومقدراته وثرواته الطبيعة التي أهدرتها الحروب والانقسامات الداخلية الطائفية.