الكاتب: محمد خضر قرش
انعقد في قاعة الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة البيرة في السادس من آب /أغسطس الحالي مؤتمر مركز مسارات "نحو رؤية شاملة لإعادة بناء الوحدة الوطنية"بمشاركة جناحي الوطن عبر الفيديو كونفرنس كما شارك بعض ممثلي شعبنا في لبنان بهذا الحدث.وقد طرحت عبر الجلسات الأربع والتي امتدت من الساعة التاسعة صباحا وحتى ما بعد العصر خلاصة ما العمل وماذا بعد لتحقيق الوحدة ومواجهة الإنقسام السيء الذكر والصيت والسمعة والذي يمكن اعتباره بمثابة النكبة الثالثة أو الرابعة. لقد مضى على الإنقسام المشؤوم عقد كامل واجهة فيه قضيتنا الوطنية أعتى المؤمرات والحروب العدوانية على جناحي الوطن، أخذ طابعا عسكريا شرسا وحصارا قاسيا في قطاع غزة وهجمة إستيطانية غير مسبوقة في ضفتنا الفلسطينية الجريحة التي تئن من وطأة الاحتلال الخبيث والتي تحولت إلى كانتونات بالإضافة إلى محاولاته المتكررة لتهويد عاصمتنا الأبدية القدس.
واكاد أقول وبدون تحفظ أن حدوث الانقسام سهل للاحتلال تحقيق مبتغاة بأقل خسائر ممكنة له سواء على الصعيد المحلي او الدولي. ومن الجدير ذكره في هذا السياق،ان مؤتمرا آخر تم عقده في نفس المكان وإلى حد كبير بنفس الساعات قبل نحو أسبوع بعنوان "وطنيون لإنهاء الانقسام" والذي تمخض عن تشكيل لجنة دائمة ومسؤولة للمتابعة لم تختلف في معظم شخوصها الرئيسة – للأسف الشديد - عن اللجنة المؤقتة التي تولت الإعداد للمؤتمر آنف الذكر.
مما يعكس حالة ذهنية تقوم على "أن لا أحد قادر أو يستطيع إنهاء موضوع الإنقسام إلا نحن". فهذه الحالة المتفشية في حياتنا السياسية والنقابية والمجتمعية والمنظمات غير الحكومية والشركات ،هي سبب ربما رئيسي من حالة الكسل والخمول والصدأ والترهل الذي بات يطفو على سطح الأحداث.
فالمتتبع لأوضاع المنظمات غير الحكومية سواء الممولة اميركيا أو أوروبيا أو عربيا خليجيا بما فيها تلك التي تدعو إلى الشفافية والنزاهة والمساءلة ووضرورة عدم التمترس في المناصب،سيجد أن مجالس الإدارة والمدراء التنفيذيين كما هم لم يتغيروا منذ بداية تأسيسها وحتى تاريخه.ولكن من باب ذر الرماد في العيون فقد تفتق عقلهم بفكرة تدوير رؤساء مجالس الإدارة أو مجالس الأمناء واحيانا يغيرون الصفة من مدير تنفيذي إلى منسق إلى مستشار لنفس الشخص، لا أكثر مع بقاء أعضاء الهيئات العامة كما هي بدون إضافات إلا من رحم ربه حيث يقوم بعضهم وعلى إستحياء بالطلب لإضافة عدد من ذوي المواصفات الخاصة جدا للإنضمام إلى الهيئات العامة والكثير منهم يتبادلون العضوية على قاعدة شيلني لأشيلك. وللأسف الشديد مرة أخرى فلم نجد في اللجنة االدائمة دماء شبابية جديدة للمشاركة في صنع القرار من خلال تبوأها للمواقع والمناصب الأولى رغم ان الكل يتغنى بها .
ومما أضحكني كثيرا قبل عام استماعي لخطاب لأحد قادة الفصائل في ساحة المنارة وهو يقول بأن على الشباب أن يجهزوا ويعدوا أنفسهم لتسلم دفة القيادة بعد عشر أو خمسة عشر عاما، والمضحك في الأمر أن عمر هذا القائد قد تجاوز ال74 عاما.وبالعودة إلى بيت القصيد أوعنوان المقالة وبدون الإطالة والإسهاب، فأنه من الضروري إبداء الإستنتاجات والمواقف والمستمدة من نتائج النقاشات التي دارت في المؤتمرين المذكورين والتصريحات المتباينة لكل من حركتي حماس وفتح كما يلي:
1- الإنقسام حصل قبل 10 سنوات بالتمام والكمال ورغم عشرات الاجتماعات واللقاءات والحوارات الثنائية والجماعية في الدوحة والقاهرة وغزة وغيرها إلا أنه حتى تاريخه لم تتحقق أية نتائج إيجابية.
2- قيادة منظمة التحرير والسلطة الوطنية والفصائل تتجه كلها نحو مأسسة الإنقسام وإدارته كما تمأسس قبله الفساد ومافيا المنظمات غير الحكومية.
3- ليس هناك مصلحة للطرفين الرئيسيين في إنهاء الإنقسام ،فلكل منهما باتت له منافع ومصالح ومزايا لا يمكن أن يتخلى أو يتنازل عنها بسهولة تحت أي مسمى أو عنوان.
4- من المتتبع للأوضاع الفلسطينية أنه كلما تم تشكيل جسم أو هيئة أو لجنة للحوار بغرض إنهاء الإنقسام تعمق اكثر واتسعت الفجوة بين الطرفين ،تماما مثل تشكيل اللجنة الوطنية لمواجهة الإستيطان واللجنة الوطنية لمقاومة الجدار ،فالاستيطان تضاعف عشرات منذ تشكيل اللجنة وكذلك الجدار.
5- التصريحات الملفتة للنظر، التي اطلقها محمود الزهار يوم 8/8 لصحيفة كيهان الإيرانية " ان حماس لن تسمح لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالعودة إلى غزة عبر الانتخابات البلدية والمحلية مهما كلفها الأمر".يلقي ظلالا كبيرا من الشك والريبة وعدم الجدية لموقف حماس من الانتخابات.
6- الاتهامات الحادة والمتواصلة بين حركتي فتح وحماس حول الاعتقالات المتبادلة بين الطرفين في غزة والضفة، لا تؤشر إلى وجود الرغبة لديهما في إنهاء الإنقسام.
7- الانتخابات المحلية المزمع عقدها في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول القادم ستزيد حدة الانقسام ولن تخفف منه .وذلك بسبب أن حركة فتح ستحقق نتائج إيجابية في أكثر من محافظة في القطاع وخاصة غزة وأن حركة حماس ستحقق نتائج إيجابية في أكثر من محافظة كبيرة في الضفة وخاصة نابلس والخليل والبيرة ،ووفقا للسيناريو القريب من الواقع بل ومن المحتمل جدا حدوثه هو ،أن سلطات الاحتلال ستقوم باعتقال رؤساء البلديات الذين فازوا من حركة حماس كما حصل في المرات السابقة مما سيحدث ردات فعل لديها بالقطاع وستلجأ إلى عرقلة عمل رؤساء البلديات الذين نجحوا من فتح بحكم سيطرتها الأمنية على الوضع هناك. وبالنتيجة ستزداد الاتهامات وتسوء العلاقة بين الطرفين ويتعمق الإنقسام.
8- النقاشات التي دارت في المؤتمرين آنفي الذكر وخاصة من قبل المتحدثين أو المدافعين من الطرفين الرئيسيين كانت واضحة فكل طرف حمل المسؤولية للأخر،مما لا يوحي باستعدادهما التخلي الطوعي عن الانقسام.
9- يتضح تماما ان كل الجهود التي بذلت من كل القوى والفصائل وحتى بعض الدول العربية والأجنبية لوضع حد للإنقسام باءت جميعها بالفشل وبالتالي لا جدوى من الحوارات بين الطرفين او لتدخل فصائل منظمة التحرير.
وكنتيجة هامة فإن الإنقسام باق ولن يتم وضع حد له وإنهاءه ضمن الطريق والأسلوب الذي يتبع حاليا ،إلا إذا قام الشعب بتحرك سلمي واسع ومؤثر في القطاع والضفة بما في ذلك اقتحام كافة مقرات ومكاتب ومؤسسات الطرفين الرئيسيين في جناحي الوطن والاعتكاف بهما وعدم مغادرتهما ابدا، إلا بعد إلتزامهما امام الشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام .فكل الاجتماعات التي تمت في الداخل والخارج وكلفت الخزينة الفلسطينية الرسمية وخزينة الفصائل مبالغ كبيرة ذهبت سدى كأدراج الرياح .ولو بذلنا الوقت والجهد والمال الذي خصصناه لإنهاء الإنقسام ، لدعم الهبة الجماهيرية،التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لأمكننا تحويلها إلى انتفاضة كبرى، ولساهمت في تقصير عمر الاحتلال البغيض .