الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تخصصات الدبلوم المهني والتقني.. ضرورة تنموية ورافعة بناء

نشر بتاريخ: 14/08/2016 ( آخر تحديث: 14/08/2016 الساعة: 15:17 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

تولي المجتمعات البشرية اهتماماً متزايداً بالتعليم، وتتعدد وتتنوع الفلسفة التعليمية في العالم، لكنها تتفق على هدف واحد يتمثل في بناء المجتمعات وتجديدها وتطويرها.
ولكل مستوى تعليمي دوره وأهميته، فلا انتظام ولا تناسق ولا معرفة بمعزل عن التخصصات المجتمعية الانسانية ولا استمرار لأي مجتمع بمنأى عن الخدمات الطبية، فالانسان المعافى هو أساس التنمية المستدامة، فلا تنمية ولا رفاهية بدون إنسان يتمتع بصحة جسدية ونفسية معنوية.

أما التخصصات العلمية ، الأخرى كالفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات، فإنها وإن كانت تشكل حاضنة علمية لضمان حياة أفضل للانسان، فإنها تسهم في نقلة إلى مستقبل يستجيب للتطور في محاولة حثيثة لاستكشاف الجديد الملائم لحياة أفضل.

وهذا لا يعني أن التطور يقتصر فقط على تخريج الأطباء والمهندسين وحملة الدكتوراة في التخصصات المختلفة، بل وإلى جانب ذلك توجد حلقة وسيطة ضرورية وربما مركزية تربط بين المجتمع والدرجات العلمية العليا، انهم حملة شهادات الدبلوم المهني والتقني "ماكينة الخدمات والعمل والانتاج"، لأنهم يتواصلون ميدانياً مع الجمهور في المرافق كافة، فالطبيب في المشفى، بحاجة ماسة إلى ممرضين يحملون درجتي البكالوريوس والدبلوم ولكل من المستويين مهماته ودوره، في حين أن ما يقوم به ممرض الدبلوم مكمل ومساعد لما يقوم به ممرض البكالوريوس وبالتالي الطبيب، لتتكامل الخدمات الصحية في المستويات الثلاثة، وهذا ينسحب على الهندسة، إذْ يحتاج المهندس إلى مؤهلين تنفيذين من حملة الدبلوم في المساحة والأراضي وإدارة المنشآت وهكذا - بينما الصيدلي بحاجة إلى متخصصين في دبلوم الصيدلة وكذلك الحال في باقي التخصصات.

لقد ركزت مجتمعات شقت طريقها إلى الصف الأول أممياً على الدبلوم المهني والتقني كمستوى انتاجي وخدماتي كما هو الحال في اليابان والمانيا والصين واستراليا، حتى أن الولايات المتحدة ذاتها، تنبهت مبكراً للمهني والتقني واطلقت له العنان ليعبر عن نفسه في الميدان خدمة وتطويراً وإبداعاً. في المقابل فإن مجتمعات بشرية أخرى تحاول اللحاق بعجلة التطور تحشر نفسها في مربع الأكاديمي، ظانة أنه وحده الذي ينقلها من مستوى إلى مستوى أكثر تطوراً، مهملة الوسيط أو الذراع التنفيذي "الدبلوم المهني والتقني"، لتكتشف أن الأكاديمي بقي معلقاً في السماء بلا أذرع تنفيذية تنموية.

لكن طرح هذه التخصصات في مجتمع له ظروفه وخصوصيته كمجتمعنا الفلسطيني يتطلب دراسة دقيقة لحاجة السوق والبحث عن مجالات جديدة، لضمان عدم التكرار وتجنباً للنسخ الكربوني لتخصصات معمول بها منذ سنوات،وهناك أمثلة يمكن الاستشهاد بها، فتخصص تسوية وتسجيل الأراضي مستوى الدبلوم الذي طرح حديثاً في إحدى المؤسسات التعليمية، هو جديد بل الأول من نوعه في فلسطين، حيث يوفر للمهندس والمحامي والمواطنين عامة ً، حلقة كانت مفقودة على هذا الصعيد، نظراً للاشكالية القديمة الجديدة الملازمة لخصوصية الأراضي في فلسطين من واقع وقانون ومساحة وتصنيف.

إن العملية التطويرية التي يشهدها التعليم في بلادنا، في ظل الاصلاحات التي يرعاها وزير التربية والتعليم العالي الدكتور صبري صيدم، من المأمول أن تطال التعليم المهني والتقني والتعليم مستوى الدبلوم المتوسط، على اعتبار أن هذا النوع من التعليم، يتصل مباشرة بتقديم خدمات للمواطن، فيما المهني والتقني يشكل شرياناً تنموياً، ينبغي أن يظل يعمل بنشاط وحيوية، بالتناغم مع مستويات التعليم الأخرى، لأن النظري يحتاج إلى أذرع عملية تنفيذية، ليعمل وفق آلية تجمع بين المعرفي والتطبيقي المستند إلى فهم ودراية بالتطورات والتقنيات الحديثة، التي يجب أن تغذي وتعمق المهارات.

ويتوقع من المؤسسات التعليمية التي تحتضن هذا النوع من التعليم أن توفر المختبرات المجهّزة الحديثة، ليتعلم طالب الدبلوم في بيئة تزاوج بين النظري والعملي، وتلائم بين شقي المعادلة التعليمية في إطار علاقة جدلية تكاملية، فلا عمل مبدع بلا خلفية نظرية، ولا فائدة من التحصيل النظري إذا بقي في قوالبه اللفظية والمعرفية دون أن يتحول إلى فعل، يحدث تنمية وتقدماً، بحيث يغدو الدبلوم المهني ليس اضافياً أو زائداً وإنما يضطلع بدور أساسي، وما دام نظام التجسير قد اتاح امكانية الالتحاق بمستويات تعليمية أعلى، فذلك يعني أن خريج الدبلوم لا يعيش في حلقة مفرغة، لا سيما وأن باب التطور أصبح متاحاً بالنسبة إليه.

ومن خبرتي التي تمتد إلى ثلاثين عاماً في الإعلام، وجدت أن الساحة متسعة الآن ليس لحملة شهادات حافلة بالنظري غارقة فيه، فمجال التوظيف مفتوح لمن يتقنون التصوير التلفزيوني والفوتوغرافي وكذلك للمتخصصين التقنيين في الاضاءة والصوت وإدارة البرامج والمونتاج والبث والنقل الخارجي ومصممي الصفحات والمواقع الالكترونية، وكل ذلك يستطيع القيام به خريج دبلوم الإعلام المتخصص في الجوانب والمجالات سالفة الذكر.

في حفل تخريج طلبة الكلية العصرية الجامعية لفت انتباهي، أن من القت كلمة الخريجين طالبة متفوقة من قسم الصيدلة، ومما قالته في كلمتها انها التحقت بقسم الصيدلة بعد أن كانت حصلت على بكالوريوس من إحدى الجامعات الفلسطينية في تخصص آخر، وانها انتظرت بضع سنوات للحصول على فرصة عمل، لكن هذه الفرصة تأخرت ولم تأت، فقررت تغيير مسار تخصصها، والتحقت بتخصص الصيدلة مستوى الدبلوم، مؤكدة أن فرصة العمل باتت الآن متاحة.

إن ما قالته هذه الطلبة الخريجة المتفوقة، يحمل كثيراً من المعاني والدلالات، ويكثف ما رميت لتأكيده من خلال هذه المقالة.