نشر بتاريخ: 16/08/2016 ( آخر تحديث: 16/08/2016 الساعة: 14:04 )
الكاتب: هاني المصري
إذا كان تأجيل عقد مؤتمر "فتح" وعقد المجلس الوطني وتفعيل المنظمة حلًا، وأدى إلى ما فيه خير لــ"فتح" والفلسطينيين؛ فإن تأجيل عقد الانتخابات المحلية هو الحل.
أقول ما سبق بعد أن سمعنا شخصيات قيادية فتحاوية وكتّابًا يدعون علنًا إلى تأجيل الانتخابات المحلية، لأن "فتح" غير جاهزة، ولوجود فرصة كبيرة لدى "حماس" للفوز فيها، وهذا سيكون له تأثير سلبي كبير على المنظمة والمشروع الوطني .
السؤال الذي يطرح نفسه: بعد كل ما جرى من تراجعات وتنازلات، أين المنظمة، وما هو المشروع الوطني؟
إن تأجيل الاحتكام إلى الشعب في انتخابات تتعلق بمسائل خدمية سيؤدي إلى عدم عقد الانتخابات إلى أجل غير مسمى، تمامًا مثلما حصل بمؤتمر "فتح" وعقد المجلس الوطني، وهذا أضراره أكبر على المشروع الوطني.
كتبت منذ الإعلان عن موعد الانتخابات المحلية أنها يمكن أن تكون نعمة أو نقمة، أي يمكن أن تكون خطوة نحو إنهاء الانقسام والتوصل إلى وفاق وطني يسمح بإجراء الانتخابات العامة، أي لفتح مسار كفاحي جديد في مواجهة المشروع الاستيطاني العنصري الاحتلالي، أو لتعميق الانقسام وإعطائه الشرعية، بما يصبّ في خدمة أهداف إسرائيل التي تسعى للتعامل مع المجالس المحلية المنتخبة كبديل عن التعامل مع القيادة، ما يدمر وحدانية التمثيل الوطني الفلسطيني من خلال المنظمة التي تعتبر الإنجاز الوطني الأساسي للثورة الفلسطينية المعاصرة.
من دون شك، إن اجراء الانتخابات على مختلف المستويات، بما فيها المحلية، في سياق اتفاق شامل أفضل مليون مرة من القفز في المجهول من خلال خطوة منفردة، لأن إنهاء الانقسام ليس الهدف، بل مفترض أن يكون الوسيلة التي تضمن بلورة رؤية وطنية جديدة قادرة على توحيد الشعب الفلسطيني، من خلال إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتعريف وتحديد المشروع الوطني، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي على أسس وطنية، وديمقراطية توافقية، ومشاركة سياسية حقيقية .
لم يعد ينفع عزف أسطوانة أن "فتح" حارسة المشروع الوطني، فهذا كان صحيحًا حتى عقد "اتفاق أوسلو"، وبحد أقصى حتى اغتيال ياسر عرفات الذي وقع الاتفاق وارتكب هذا الخطأ الفادح، اعتقادًا منه أنه السبيل الوحيد، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتضامن العربي وضرب العراق، لإبقاء فلسطين على الخارطة التي كان يجري رسمها في المنطقة، وأنه إذا وضع قدميه على أرض فلسطين يستطيع في فترة لاحقة كسر قيود أوسلو الغليظة والمجحفة، لكنه عندما أدرك أن مسار أوسلو لم يفتح طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة قرر أن يجمع ما بين البندقية وغصن الزيتون مجددًا، ولم يقدر لأنه كان داخل القفص.
بعد تغييب ياسر عرفات، كان يتوجب على "فتح" والفلسطينيين جميعًا إغلاق المسار الذي أوصلنا إلى أوسلو وبلورة مسار جديد، فاختار أبو مازن والقيادة في عهده إعادة إنتاج أوسلو بشروط أسوأ، وهذا فتح الطريق لصعود "حماس" لأنها قدمت نفسها بوصفها طرفًا قادرًا على التحرير من خلال اعتماد "المقاومة المسلحة" و"التغيير والإصلاح".
تأسيسًا على ما سبق، إذا أرادت "فتح" أن تعود إلى دورها التاريخي كحارسة للمشروع الوطني عليها أن تعرّف المشروع الوطني من جديد، بما يعيد الاعتبار للرواية التاريخية ووحدة القضية والأرض والشعب في مختلف أماكن تواجده، وإعطاء الأولوية لتجسيد القضية وإنهاء الاحتلال، والتخلص من التنازلات التي بدأت قبل أوسلو بدلًا من التركيز على الحفاظ على القيادة وإقامة مؤسسات الدولة.
لقد أصبح هدف القيادة الفلسطينية – في مرحلة ما بعد ياسر عرفات - الحفاظ على سلطة الحكم الذاتي تحت الاحتلال، إضافة إلى الدفاع عن المصالح الفردية والفئوية والجهوية والعشائرية والفصائلية على حساب المصلحة الوطنية.
ألم تعد "فتح" وبقية الفصائل رغم التفاوت أقرب ما يكون إلى رتبة وراتب؟ ألم تغرق "حماس" بعد استيلائها على السلطة بغزة في الدفاع عن هذه السلطة، لدرجة جعلت المقاومة وسيلة لبقاء السلطة وليس إستراتيجية للتحرير؟
إذا أرادت "فتح" أن تعود إلى دورها التاريخي عليها أن تراجع كل المسيرة السابقة، وخاصة الاعتراف بـ"حق" إسرائيل في الوجود على 78% من أرض فلسطين دون اعترافها بالدولة الفلسطينية على 22%، مقابل الاعتراف بالمنظمة ومن دون الاعتراف بأي حق من الحقوق الفلسطينية، وعليها أن تفصل ما بينها كتنظيم وبين السلطة، وتعيد النظر في شكل السلطة وطبيعتها والتزاماتها ووظائفها لتصبح أداة لتجسيد المشروع الوطني. فقد غرقت "فتح" بالسلطة لدرجة لم يعد أحد يميز بين "فتح" والسلطة، بدليل أن "فتح" التي تحكم السلطة باسمها، وبالاستناد إلى شرعيتها التاريخية والنضالية، لم تعد فعليًا تقود السلطة التي انتقلت إلى أيادي مجموعة أفراد ينتمي بعضها إلى "فتح" وبعضها الآخر لا ينتمي إليها.
أكتفي بإيراد ما يتردد الآن بأن الحكومة ورّطت "فتح" بقرار إجراء الانتخابات على أساس رهان ثبتت خسارته بأن "حماس" لن تشارك فيها، والآن "فتح" بين خيارين أحلاهما مر، الأول أن تمضي بإجراء الانتخابات وتواجه الاحتمال الأكبر بالخسارة، والثاني أن تؤجل الانتخابات وتبدو مثل الخائف من الاحتكام إلى الشعب رغم أنها تحدت طوال السنوات السابقة خصمها السياسي باللجوء إلى خيار الانتخابات، لدرجة أن الرئيس اشترط تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد التوقيع على "إعلان الدوحة" في شباط 2012 بموافقة "حماس" على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد ثلاثة أشهر، ويكرر دائمًا بأن تشكيل أي حكومة وفاق أو وحدة وطنية يجب أن يتبعه إجراء الانتخابات العامة بعد ستة أشهر كحد أقصى.
كنا ولا نزال من أصحاب الرأي الذي يضع إجراء الانتخابات في سياق الشرط الاستعماري الاحتلالي الذي تعيشه فلسطين، إذ يجب دائمًا الانشغال بوظيفة الانتخابات وتحديدها قبل إجرائها، وخصوصًا أن إجراءها ليس قرارًا فلسطينيًا بحتًا، بل تتدخل فيه إسرائيل أساسا بوصفها الدولة المحتلة. كما تتدخل فيه أطراف عربية ودولية، أهمها الولايات المتحدة الأميركية. فلا نريد انتخابات لتكريس "اتفاق أوسلو"، أو بالأحرى سقف أدنى منه، بل انتخابات تساعد على التخلص منه.
أمامنا خيار ثالث ينطلق من عدم المبالغة ولا التقليل من البعد السياسي للانتخابات المحلية، لأنها في ظل الاحتلال والانقسام لها بعد سياسي واضح لا يمكن إنكاره، ولكن المبالغة به وطمس البعد المحلي والخدمي الأساسي ليس صحيحًا بالمرة، وكذلك عدم المبالغة بقدرة طرف واحد أن يحقق انتصارًا كاسحًا، خصوصًا أنها تجري ضمن نظام التمثيل النسبي، واعتبارها خطوة لا يمكن أن تعطي أكلها ما لم تتبعها خطوات أخرى، وأن تعمل "فتح" قدر الإمكان على تنظيم صفوفها للخروج بأقل الخسائر وأكبر المكاسب من الانتخابات القادمة، بما في ذلك الانفتاح الحقيقي وليس الشكلي على القوى الأخرى والشخصيات والمؤسسات الوطنية لتشكيل قوائم مهنية وطنية فصائلية، فالبعد الفصائلي مهم جدًا، ولا يجب إضعافه، لأن ذلك يؤدي، لا سيما بعد كل ما جرى في السنوات العشر الماضية، إلى إعطاء الفردية والعائلية اليد العليا.
إن الاتفاق على موسم الحج بين السلطتين المتنازعتين يعكس تعايشًا مع واقع الانقسام ولكنه أفضل من عدم الاتفاق، وكذلك فإن اعتماد نظام وشهادة موحدة لنظام التوجيهي أفضل من شهادتين لا يُعترف بهما أو بإحداهما. وفي هذا السياق، يمكن أن تكون فوائد الانتخابات المحلية أكثر من ضررها، أما إذا جرى التفكير بإحداث الفوضى والفلتان الأمني، أو الإمعان في الاعتقالات والقمع والتهديد ضد الأطراف الأخرى، أو اللجوء إلى التكفير أو التخوين أو تزوير الانتخابات فعلى الفلسطينيين السلام، ففي هذة الحالة تعم الفوضى ويتعمم النموذج السوري.
هناك احتمال بأن تكون نتيجة الانتخابات "لا غالب ولا مغلوب"، أو أن يخرج الكل منتصرًا أو قادرًا على ادعاء الانتصار، وهناك احتمال أيضًا لا يمكن إسقاطه من الحساب يتمثل بحدوث مفاجآت، مثل نتائج غير متوقعة لقوائم جديدة، أو قوائم التيار الديمقراطي إذا لم يتعامل مع نفسه كقطب يساري فقط، وإنما بوصفه رافعة للقضية الفلسطينية المهددة بالتصفية.
بدلًا من تأجيل الانتخابات، لا بد من العمل على تقليل المخاطر التي تتهددها، من خلال مواصلة وتكثيف الجهود الرامية إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، في سياق إنقاذ القضية والوطن والشعب، وليس إنجاز وحدة محاصصة فصائلية ثنائية أو عامة.