الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حديث المؤامرة والتطرف والحزبية في خُطب الجمعة

نشر بتاريخ: 17/08/2016 ( آخر تحديث: 17/08/2016 الساعة: 11:53 )

الكاتب: د. وليد القططي

لا شك أن التمسك بقيم الدين ومبادئه عصمةٌ للفرد من الانحراف والضلال وللمجتمع من السقوط والانهيار , ولا شك أن خُطبة الجمعة من أهم المنابر الداعية للتمسك بقيم الدين ومبادئه والاعتصام بحبل الله وسنة نبيه , وقد لا ينتبه خُطباء الجمعة إلى أهمية هذا المنبر ودوره الخطير , فيؤدوا خُطبهم – شكلاً ومضموناً – بطريقة لا تساعد على تحقيق أهدافها والوصول إلى مبتغاها , بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية أحياناً وتدخل الناس في حيص وبيص , حتى تُفاجئ بأحدهم يسأل عن فتوى تجيز له التخلّي عن خُطبة وصلاة الجمعة تذّمراً من أداء بعض خُطباء الجمعة ومضمون خطبهم وعندما تدقق في سؤاله تجد أداء بعض خُطباء الجمعة ومضمون خطبهم هو السبب , وتجد في نماذج خُطبة الجمعة عندنا الكثير مما يؤكد ذلك , ومنها هذه النماذج المتكررة من الخُطب .

خُطبة موضوعها المؤامرة على الإسلام والمسلمين التي تحيكها كل قوى الأرض الأخرى التي أخذ الخطيب يعددها من غربية صليبية ويهودية صهيونية وشيوعية ملحدة وماسونية وهندوسية ومجوسية ... وهلم جرا , وهو خطاب متكرر في خطب الجمعة وغيرها يُلقى باللوم دائماً لما أصاب المسلمين من تأخر وفشل على غيرهم , ويحمل عجزهم وضعفهم للعوامل الخارجية دون الداخلية , وكأنه تغييب مقصود للحقيقة وحجبها وانكار للواقع واستخفاف بالعقل وتبرير سهل للتأخر والفشل والعجز والضعف , وذريعة مريحة لتجنب النقد الذاتي وتصحيح أخطاء الذات ،وتجاهل متعمد لمنهج الإسلام الذي يدعو المسلمين للبحث في أنفسهم عن أسباب هزيمتهم وتأخرهم , وتفادي واضح لمنهجية التفكير العلمي الصحيحة . ورغم وجود المؤامرات فعلاً على أرض الواقع في العلاقات الدولية وأساليب السياسة الملتوية , إلا أن المبالغة فيها واستمرار تكرارها يضخم العوامل الخارجية , ويقلل من شأن العوامل الداخلية , ويغض البصر عن دور المسلمين في المصائب التي حدثت ولا زالت تحدث لهم لا سيما الصورة المشوّهة للإسلام والمسلمين التي قدمتها الجمعات المتطرفة للعالم .

وفي خُطبة أخرى تناول فيها خطيب الجمعة موضوع تبرّج النساء انكب فيها الخطيب على المجتمع توبيخاً وتقريعاً , وكانت نبرته مفرّطة في الحدة والقسوة والنقد , ونعى النخوة والغيرة والشهامة عند الرجال فظنه الناس يتحدّث عن مجتمع آخر تسيطر عليه مظاهر السفور والعُري وليس مجتمعنا الفلسطيني المحافظ , وكان بعيداً كل البعد عن الرفق واللين والسماحة والود والموعظة الحسنة التي دعا فيها الله تعالى ورسوله الكريم – عليه الصلاة والسلام – أن يتخذها منهجاً في الدعوة .

وفي خُطبة أخرى هاجم فيها خطيب الجمعة الاحتفال بعيد أو يوم الأم واتهم من يحتفل به بالبدعة والضلال والموالاة للكفار , وشرع يسوق الأدلة على حُرمة هذا الاحتفال وتشدد في التحريم كأنه لا ينطق عن الهوى , ورأى أن مذهبه في هذا الأمر حتمي الصواب لا خطأ فيه , واجتهاد علمائه قطعي الدلالة لا جدال فيها , متجاهلاً تعدد الاجتهادات والآراء الفقهية في ذات الموضوع وانهال على العلماء الذين أباحوا الاحتفال بيوم الأم نقداً وتوبيخاً وتجريحاً بعيداً عن حُرمة العلماء وأدب الاختلاف ووسطية واعتدال الاسلام .

وفي خُطبة أخرى استخدم فيها خطيب الجمعة لغة حزبية ضيقة , وكأنه يُلقي بياناً داخلياً أو تعميماً حزبياً أو تحليلاً سياسياً على أعضاء حزبه , فاختلط الأمر عليه فظن نفسه في جلسة حزبية مغلقة لأعضاء تنظيمه وحركته , متجاهلاً غالبية المصلين الذين لا ينتمون لحزبه وحركته , والكثير منهم على خصومة فكرية وسياسية مع حركته , وأخذ الخطيب يسرد رؤيته التي هي رؤية حركته للأحداث وموقفها من الآخرين , ولم يكتف بذلك بل أخذ يُهاجم بعض الحركات الأخرى المتآمرين على حركته داعياً عليهم بالهلاك في الدنيا والحشر في جهنم في الآخرة مع الضالين والمغضوب عليهم , ونسي أن يركز على القواسم المشتركة بين الناس التي توّحدهم وتجمعهم على كلمة سواء .

وهناك نماذج عديدة من خُطب الجمعة تدور في نفس الدائرة وتتجاوزها إلى أسوأ منها أحياناً غير أن هناك نماذج عديدة من خُطب الجمعة توازن بين العوامل الخارجية ومنها المؤامرات والعوامل الداخلية في ما أصاب العرب والمسلمين من ضعف وعجز وفشل وهزيمة , وتخاطب الناس بالرفق والمودة واللين والسماحة كأسلوب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتتميز بالوسطية والاعتدال في حكمها على الأمور وإطلاق الأحكام الشرعية , وتبتعد عن الحزبية الضيقة وتقترب من الرؤية الوطنية الكلية التي ترى الوطن بكافة مكوناته وتبحث عن القواسم المشتركة الموّحدة وتجمع الناس على كلمة سواء تحت راية الدين والوطن .