نشر بتاريخ: 27/08/2016 ( آخر تحديث: 27/08/2016 الساعة: 15:21 )
الكاتب: سري سمور
لا مراء بأن أزمة البطالة تجتاح صفوف المتعلمين باطراد وتسارع، وللأزمة أسباب مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر:-
1) زيادة عدد السكان المطردة، واتجاه وثقافة عامة ترى وجوب تعليم البنين والبنات على حد سواء، وتراجع بل تقريبا تلاشي ثقافة شعبية كانت ترى بأن مكان المرأة هو البيت والمطبخ فقط أو إذا كان لا بد فلتعمل في مجالات محددة لا تتجاوزها، وهذا جعل التنافس للحصول على الوظائف المختلفة محموما لا يقتصر على الذكور.
2) بناء على ذلك صار هناك فرق شاسع بين حاجة سوق العمل وبين عدد الباحثين عن الوظائف في القطاعين العام والخاص؛ ذلك أنه لا يوجد ضبط أو تنسيق، فمثلا من يدرسون بعض التخصصات إذا أرادوا العمل في مجال التخصص الذي يدرسونه، ولنفرض أنه التدريس، فلا يوجد حساب دقيق لعدد المدرسين الذين ستحتاجهم المدارس بعد أن يصبح هؤلاء الدارسين حملة شهادات، طبعا مع مراعاة أن عددا منهم سيتجه مختارا لا مجبرا إلى العمل خارج مجال اختصاصه، أو سيكمل دراسة الماجستير والدكتوراه أو سيعمل خارج البلاد.
3) الاختراعات والتقنيات الحديثة؛ وهذه أثرت حتى في الدول الصناعية على الحاجة للعنصر البشري؛ لأن الآلة حلت مكان الإنسان، سواء كانت آلة ضخمة أو دقيقة، ولا يظنن أحد أن الأمر أضر فقط بالعمال اليدويين دون المتعلمين؛ فمثلا أجهزة الكمبيوتر أغنت المصارف عن زيادة عدد الموظفين، فالأمر لا يتعلق فقط بالصناعة والزراعة.
ما سبق ربما هو مشترك بين الدول العربية وغير العربية، ولكن الفلسطيني يضاف لأزمته وجود الاحتلال البغيض؛ فالاحتلال يمنع التطور، ويحصر خيارات الفرد الفلسطيني بإجراءاته المدروسة، وإذا كنا نتحدث ونؤكد على أن المشاريع الكبيرة كفيلة باستيعاب نسبة كبيرة من الباحثين عن عمل، وقد ضربنا مثال السد العالي ومطار دمشق الدولي سابقا، وحاليا المشاريع الكبيرة في الخليج، وخذ مثلا مشروع توسعة الحرم المكي؛ فإننا نرى الاحتلال يعيق إعمار ما دمرته آلته الحربية في قطاع غزة، ونحن نعلم أنه لو سمح بإعادة الإعمار دون تنغيصات الاحتلال، لتم استيعاب نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل، ولكن الاحتلال يقف بالمرصاد، ولنتخيل كيف أنه لو كان في كل محافظة في الضفة الغربية مشروعا مثل مشروع مدينة(روابي) في منطقة رام الله الذي يؤكد السيد(شاهر سعد) أمين عام اتحاد نقابات العمال مساهمته في تقليل البطالة.
وعليه فإن الحل الجذري يكمن في التحرر والخلاص من الاحتلال، ولا تقل –حفظك الله- بأن الاحتلال شماعة نعلق عليها فشلنا وعجزنا؛ كلا، فالاحتلال ليس شماعة بل هو واقع سيء يدخل في مسامات حياة شعبنا...ولكن هل نظل نراقب طابور البطالة المتمدد يوميا حتى نتحرر من الاحتلال؟لا بالطبع، فبالإضافة إلى ما قلته حول ضرورة تغيير الثقافة حول التعليم وأهميته وماهيته ورسالته؛ هناك حلول جزئية للحد من البطالة منها:-
1) التنسيق التام بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات التعليم العالي، وبالتعاون مع جهاز الإحصاء المركزي، للحد من أعداد الخريجين في تخصصات لا مجال أن ينخرط أصحابها في سوق العمل عند تخرجهم في مجال اختصاصهم، ولو تطلب الأمر إقفال أو تجميد بعض الأقسام في الجامعات إلى حين احتياج سوق العمل لها.
2) السعي الحثيث للتغلب أو حتى التحايل على الاحتلال لتنفيذ مشروعات كبيرة تستوعب أكبر عدد من العاملين، وهنا أتوجه بنوع من اللوم الممزوج بالأمل في تغيير التفكير، إلى أصحاب الثروات الذين غالبا ما يفضلون الربح السريع والاقتصاد الريعي مثل افتتاح المجمعات التجارية والاستهلاكية، على مشروعات تأخذ في الحسبان استيعابا دائما لأكبر عدد ممكن من الباحثين عن عمل.
3) زيادة نوعية في موازنة التعليم وتخصيص جزء كبير منها لزيادة عدد المدارس؛ وهذا يعني بالضرورة تقليل عبء الحصص الدراسية المكلف بها المعلم بحيث لا تتجاوز 18 حصة في الأسبوع، مما يترتب عليه الحاجة إلى مزيد من المدارس التي ستحتاج معلمين ومعلمات جدد يتم توظيفهم، وأيضا للأمر انعكاس إيجابي على العملية التدريسية برمتها، خاصة إذا تم تحديد العدد الأقصى للصف الدراسي بحيث لا يتجاوز 25 تلميذا/ة.
4) من يذهبون إلى العمل في الخليج كثير منهم عبر علاقات شخصية، أو بجهود ومراسلات ذاتية، ويا حبذا لو صار الأمر-ولو جزئيا- منسقا ورسميا خاصة ما يتعلق بقطاعات التعليم، ولو تم أيضا اللجوء إلى نظام الإعارة في الخارج بحيث يحل معلمين بدلاء مكان المعارين وهذا سيخفف من عدد الخريجين العاطلين عن العمل.
5) الإعلان مؤخرا عن تأسيس (مركز خالد الحسن لعلاج أمراض السرطان وزراعة النخاع في فلسطين) خطوة نوعية لاستقطاب الأطباء الأكفاء والاستغناء بقدر كبير عن تحويل الحالات المرضية إلى خارج البلاد، وهذا سيسهم في استيعاب عدد لا بأس به من المتخصصين في المهن الطبية(تمريض ومختبرات وأشعة)، وحبذا لو تم توسيع المنهجية لإنشاء مراكز متخصصة بأمراض أخرى مثل أمراض القلب والعظام وغيرها، وتوزيعها جغرافيا لأن النتيجة في مجالي الصحة واستيعاب عدد لا بأس به من الباحثين عن عمل إيجابية بلا شك.
لا أزعم أن الاقتراحات أعلاه ستجتث مشكلة متشابكة ومعقدة ومتراكمة، ولكن أرى أنها ستسهم لو طبقت في الحدّ من تغوّل البطالة وتبعاتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية عندنا، وأعلم أن هناك أفكارا أخرى قد تكون أفضل مما ذكرت، ولكن هذا ما هداني الله إليه.
،،،،،
وبعد فإن العبد الفقير كان يريد في هذه المرحلة الاكتفاء بالحديث عن التعليم والمتعلمين والبطالة في صفوفهم، ولكن قرّاء أشكر تفاعلهم، بأسئلتهم أو بما اختمر في الذهن عند التباحث شفويا معهم ومع من لم يقرأ المقالين السابقين، وغير ذلك من تفاعلات الكتابة المعروفة قادتني إلى وجوب الحديث عن جانب من ثقافتنا الشعبية حول التعليم وماهيته ونوعيته، ولا أدري هل سيكون الأخير أم لا، ولكن لا بد في المرة القادمة من التطرق للأمر في مقال منفصل بمشيئة الله تعالى وتوفيقه.