الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتخابات المحلية خطوة يجب أن تنجح على طريق الوحدة والتحرير

نشر بتاريخ: 28/08/2016 ( آخر تحديث: 28/08/2016 الساعة: 15:12 )

الكاتب: حسين حماد

في زقاق منزله الصغير القديم، وأمام باب الصفيح، وفي ليلة صيفية حارة، جلس أبو محمد السبعيني مع أنجاله وأحفاده وجيرانه يتسامرون، هروباً من انقطاع التيار الكهربائي، ونفاذ مياه الشرب، حول مستقبل الأبناء وطموحات الأحفاد، وحالة العسر التي تعصف بقطاع غزة، وشقاق الإخوة بالانقسام، وجبروت الاحتلال، وهل ستفي الانتخابات المحلية باحتياجات الجمهور، مع مشاركة دموية من البعوض لجلستهم التي تفوح برائحة العرق والعطر مختلطتين.
وبالرغم من حاجة المواطن الفلسطيني الماسّة لممارسة حقه الديمقراطي في الترشح والانتخاب، وتصحيح أوضاع المدن والقرى والسكان، وإدارة المجالس البلدية والقروية بشكل سليم يحقق رضاهم ويوفر لهم الخدمات كافة، فإنه يستقبل الانتخابات المحلية بنوع من اللامبالاة، وحتى بعد انتهاء فترة الترشح للانتخابات، فلا يزال البعض لا يأبه بها، رغم أن آخر انتخابات محلية أجريت في مناطق السلطة الفلسطينية كانت في العام 2012م، ويضعه في هذه الظروف عدم الثقة في استكمال مراحل الانتخابات، بسبب المعطيات التي يفرزها الانقسام الفلسطيني، والتي جعلت من الفلسطيني محبطاً فاقداً لأمل الوحدة وطموح التحرير.

وقبيل موعد الاقتراع المحدد له في الثامن من شهر أكتوبر/ تشرين أول من العام الجاري 2016م، ومع انتهاء مرحلتي التسجيل والترشح، بلغ عدد الناخبين الفلسطينيين في كافة محافظات الوطن (2,051,598) ناخب، بنسبة (51,21%) من الذكور، و(48,79%) من الإناث. وبلغ عدد الناخبين في محافظات غزة (862,334) ناخب. فيما بلغ عدد القوائم التي سجلت في هذه الانتخابات بعد انتهاء فترة الترشح (860) قائمة حزبية أو مدعومة من الفصائل أو تضم شخصيات مستقلة، لخوض غمار المعركة الانتخابية في (416) مجلس بلدي وقروي في محافظات الوطن، (25) منها في محافظات غزة. وذلك بحسب إحصاءات اللجنة المركزية للانتخابات.

وما بين الحاجة للخدمات وتحقيق الذات، وعوائق نجاح عملية الانتخابات، واستمرار البعوض في اللدغات، يدلي السبعيني برأيه من واقع خبرته، فيقول أن الفصائل الفلسطينية لم تأت لنا بما يضمن حياة رغيدة، فلما الذهاب إلى صناديق الاقتراع، سأبقى في بيتي ولن أشارك. يقاطعه نجله الأوسط: الوطن يحتاج لمن يبنيه، وخبرتكم تساعد السواعد في التوجيه والبناء، والدهن في العتاقي يا أبي. فيتدخل الحفيد بحماسة: الوطن يحتاج الشباب، وفكر التجديد، شارك جدي وانتخب الفتي الجديد. وأمام هذا الحوار الجاد يقول الجار: الكفتان متساويتان، فالمقاطعة تدعم طرف تعارضه على حساب من تؤيد والذي سيحرم صوتك، والمشاركة بانتخاب القوي لن يفرز لنا طرف ثالث لكي يضع حد للطرفين الأقوياء.

إذاً فالمتوقع من الانتخابات يلقي بحالة من الخوف لدى جميع الأطراف، فالتمثيل النسبي لن يظلم أحد في ميزان القوى، ولكل سيحظى بثقله الحقيقي في الشارع، ولكن تدني النسبة المتوقعة لطرف مشارك هي المشكلة، فمن سيتحمل فاتورة الإخفاق والفشل؟!
لا أخفي عليكم أن الانتخابات حركت المياه الراكدة، وإن كان الهدف من إعلانها غير معلن أو غير مؤكد، فهناك من يعتبرها لعبة شيقة، وهناك من يعتبرها وسيلة إنزاله عن الشجرة، وهناك من يعتبرها فرصة للمشاركة، وأنا أعتبرها حجر في بركة نتنة. ورغم أن الجو العام الذي بدأ بالدعاية في غير موعدها غير مبشر، والأنباء المسربة عن المطالبات بالتأجيل أو الإلغاء، أو الرغبة الدولية الداعمة لإنجازها، فأنا أعتبر أن أي مغامرة ديمقراطية في فلسطين لها الإيجابيات والسلبيات وإن كانت الإيجابيات أكثر، وأدعو إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة والروح الوطنية خلال مرحلة الدعاية الانتخابية، وأن توضع مصلحة الوطن نصب الأعين.

وبعد أن تثاءب عدد من الجالسين، وأرخى الليل بسدوله، ولفحت وجوههم نسمة عليلة، قال أبو محمد: يبدو أن علينا جميعاً المشاركة في الاقتراع، وعلى جميع الأطراف المعنية أن تستمر في المشاركة في مراحل العملية كاملة، لكي تجبر الرئيس: محمود عباس، والحكومة برئاسة: الدكتور رامي الحمد لله، على عدم التراجع، لعلها تكون فرصة للوصول للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وانتهاء حالة الشقاق والانقسام، والعودة للوحدة وصولاً للتحرير، ثم تثاءب، وطلب السماح له بالمغادرة، ودخل غرفته العتيقة المغطاة بالصفيح، وتمدد أرضاً، وغط في نوم عميق حالم.