نشر بتاريخ: 31/08/2016 ( آخر تحديث: 31/08/2016 الساعة: 15:17 )
الكاتب: د. وليد القططي
مع ازدياد سطوة الإرهاب الفكري الذي يمارسه أحد التيارات الإسلامية القادمة من عمق الصحراء القاحلة في المجتمعات العربية والإسلامية ، تزداد معه انتشار ثقافة التحريم والتكفير ، وتنتشر معهما الثقافة التي تنظر للمرأة كعورة ، كلها : شكلها وصورتها ووجهها واسمها ، فيُفرض عليها النقاب لتغطية وجهها ، وتُمنع من الكلام خوفاً من الفتنة ، ويحظر تداول اسمها حرجاً من ذكره في المجالس .... فأرسلت بطاقات دعوات الأفراح خالية من اسم العروس التي أصبحت رمزاً أو حرفاً يُترك للمدعويينتخمينه ، وأخر ابداعات هذه الثقافة في فلسطين هي نزول بعض القوائم مرشحي الانتخابات البلدية في الضفة والقطاع بدون أسماء نساء واستبدالها بكلمة (أخت) أو (أم فلان) أو غيرها من الطرق الفنية في إخفاء الأسماء النسوية.
وكأنه نوع جديد من وأد البنات ، ففي الجاهلية كان يتم وأدها بدفنها تحت التراب حية ، أما الأن فيتم دفنها بوأدها حية أيضاً ولكن فوق التراب من خلال وأد شخصيتها كإنسانة أولاً وكامرأة ثانياً ، لها ذات مستقلة ولها اسم خاص بها ، هذا الاسم جزء مركزي من شخصيتها المتميزة ، لا ينبغي للمرأة أن تفرّط به أو تتنازل عنه حتى لو مؤقتاً ، ولا ينبغي للرجل أن يحرمها منه ليجعلها ذاتاً مبهمة وشخصية مجهولة لاسيما وأن ذلك يخالف جوهر وروح الإسلام الذي يُعطي لكل ذي حق حقه ، ومن ذلك حق المرأة من أن يكون لها اسم تُعرف به وتُنادى به .
ووأد المرأة معنوياً لا يقتصر على هذا التيار الفكري، فلا زالت صورة المرأة في الأعمال الفنية المُختلفة تقدم إجمالاً بطريقة نمطية كما يريدها الرجل ويتصورها في مخيلته : مصدراً للفتنة ،وعنواناً للغواية ، ومنبعاً للشر ، ودافعاً للجريمة ، وجسدا ً لإفراغ شهواته ، ومكاناً لقضاء غرائزه ....وقد يرتقي بها ليقدمها : زوجة له ، وأم لأبنائه وطاهية لطعامه ، وراعية لبيته ......وقليلاً ما تُقدم المرأة كذات مستقلة ، وشخصية متميزة ، ونموذج للنجاح ، ومؤثرة في مجتمعها ،وفاعلة في واقعها ....
ورغم أهمية وظيفة المرأة كزوجة وأم وأخت وغيرها للأسرة والمجتمع، إلا أن قيمة المرأة في ذاتها كإنسان قبل كل شيء ، فهي قيمة في حد ذاتها كإنسان له ذات مستقلة تتساوى مع الرجل في القيمة والكرامة الإنسانية ، كما تتساوى معه في المسؤولية والتكاليف الشرعية والجزاء والعقاب ، وتعارض الرجل في الجنس الذي يفرض بعض الوظائف المختلفة على كلا الجنسين.
والخلاصة كي لا تُوأد المرأة من جديد لا خيار أمامنا سوى التصدي لنمطي الثقافة المتقابلين: ثقافة أن المرأة عورة كلها ينبغي سترها وحجبها ، فتُدفن حية فوق التراب بعد أن كانت تُدفن تحت التراب في الجاهلية ، وثقافة مقابلة لا ترى في المرأة أي عورة ينبغي سترها وحجبها ، فتُدفن حية أيضاً فوق التراب ، ولكنه تراب الحضارة المتقدمة وغبار التحرر الراقي.