الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أهم من الانشغال بتصالح الأخوة

نشر بتاريخ: 04/09/2016 ( آخر تحديث: 04/09/2016 الساعة: 10:26 )

الكاتب: تحسين يقين

ما دام أن الخلافات كانت اجتهادات من أجل المصلحة العليا لشعبنا، فإن الاتفاق يعني التوافق على الطريقة المثلى للتحرر.
عربيا، كنت حتى اللحظة وغدا غير متفهّم للنزاعات العربية، ولا للنزاعات داخل كل بلد، وما بين سبعينيات طفولتي والعقد الثاني من هذا القرن، مرّت نزاعات وحروب صدمت رومانسيتنا الحالمة بالوحدة. فلسطينيا لا أرانا نجونا كذلك، فكان أن صدمنا في غير ذي مكان وزمان، اختبرناها مشاهدين وشاهدين، أو قارئين كتبا أو مستمعين لرويات شفوية.
كان دوما يتم تبرير الاختلافات والانقسامات أخلاقيا ونضاليا، بحثا عن السبل الفضلى للتحرر، حتى حصل أننا انقسمنا ونحن ننشد الوحدة العربية قوميا، والوحدة الفلسطينية وطنيا.

فلسطينيا حدث هذا مبكرا، أكان بين نخب القيادات ما قبل 1948، وما بين تأسيس المنظمة وفصائل العمل الوطني؛ وقد أخذت تلك الاختلافات تجليات ما بين إنشاء فصيل جديد، وما بين اشقاقات محدودة، فانبثق عن هذه الجبهة جبهات.
عودة إلى ما نتفق أو نختلف عليه فلسطينيا: طرق التسوية وشكل العمل السياسي:
كان الفلسطينيون يفاوضون الإسرائليين، فيما كانوا هم أيضا يتفاوضون على المصالحة، عام 2006، وأخيرا وجد الإسرائليون مبررا، قائلين: مع من نتصالح من الفلسطينيين؟ لقد تم توظيف الخلاف إسرائيليا للتخلص من استحقاقات مهمة لعملية السلام،
لم يكد اختلاف فتح حماس يأخذ مداه، حتى ظهر خلاف داخل فتح نفسها أيضا حتى ولو كان على شكل مجموعة أشخاص، عما هو معلن، أو غير ذلك، وليس شرطا الإعلان عن تيار، لان المضمون هو المهم لا الشكل.
ورغم ذلك سيكون ما توقعنا أن يكون، أو ما كان يجب أن يكون!

المصالحة التي بات لها تاريخ بسبب طولها، فنستطيع أن نقول: تاريخها، مراحلها، مشاكلها، امهياراتها، مباحثاتها، العواصم..
هكذا، في العادي تجري الصلحات العشائرية والسياسية. تكون أحيانا بتدخل من المحيط الاجتماعي أو العربي أو الدولي.
فلسطينيا، كثيرا ما عصفت الاختلافات العربية بفصائل العمل الوطني، للأسف حدث ذلك كثيرا رغم تكرار ألسنتنا بالقرار الوطني المستقل، فلم نستقل حقا، سوى فيما سمح لنا به.
فهل سننشغل طويلا بتصالح الأخوة، كما انشغلنا زمنا بخلافهم؟
 دع عنك ذلك وتأمل الزمان والمكان!
 لماذا؟
هل هناك فكرة تتبلور بتشجيع عربي ودولي، تحتاج لترتيبات هنا تبدأ من تحقيق إجماع فلسطيني يستوجب التصالح؟
قلنا بأنه لقد تم توظيف الخلاف إسرائيليا للتخلص من استحقاقات مهمة لعملية السلام في محادثات 2006، فهل سيتم توظيف التصالح لفرض الأمر الواقع الإسرائيلي الذي صنعته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ حزيران عام 1967؟
 الآن، لماذا الآن هناك توافق على تصالحنا الداخلي، فتح-فتح، وفتح حماس!
لنا حق التخطيط كي نوظف نحن هذا التساؤل، لنا حق الإرادة وقوة التخطيط كي توظف ذلك لمصلحة وجودنا على الأرض.
أي حل؟ وهل استطعات إسرائيل القوية تحديد ما الذي تريده؟
هل نضجت للحلول فعلا؟

لم تكد النيران تهدأ قليلا في اليوم السادس، حتى بدأت تلوح في الأفق نوايا مبيتة للاحتفاظ بأجزاء من الضفة المحتلة. كان دوما هناك مجال للانسحاب من شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، أما الضفة فلا.
كان شارون صريحا أكثر من غيره عندما تحدث عن ال42% من الضفة، وليس له شرط عن نتسمية هذا الكيان، لذلك طلب شارون عام 2004 من الرئيس بوش الأب بعد 37 عاما على احتلال عام 1967 إبطال القرار 242، بسبب ما أحدثته المستوطنات من تغييرات ديموغرافية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فكان ما كان من الجدار غربا وشمالا، وما يمكن أن يكون جنوبا وشرقا..
القديم-الجديد: "تواجد الجيش الإسرائيلي مع قوات أجنبية أخرى، على طول نهر الأردن، مع "فتحة عنق زجاجة بين ما يتبقى من الضفة والأردن الشقيق، حل شبه رمزي للقدس، يقوم على السيادة على السكان لا الأرض، حل طويل لباقي القضايا.
وهذا ما خططت له الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، فليس لديها النية بأن تعطي أكثر من ذلك، لم يكن ذلك بعد حرب حزيران ولا الآن.

أمران فقط يمكن أن يدفعا إسرائيل للاعتراف بقرار رقم 242:
حرب حقيقية موجعة، أو سلام ينبع من القلب والفكر يؤمن بحل الدولتين، وكرامة شعبين.
وكما نرى ونشعر، الأمران بعيدان عن التحقق، فلا حرب حقيقية ولا نوايا سلام حقيقة أيضا، فقط ما بينهما يمكن التحرك الحذر.
فما الذي سنفعله موحدين داخل حركة فتح والمنظمة، وفصائل العمل الوطني والإسلامي، حركة حماس تحديدا؟ نسأل ذلك بعد أن اختبرت حماس عالم السياسة، وبعد أن جربت النجاح والفشل، وكيف وصلت لطريق شبه مسدود، كالآخرين.
إن الطريق المسدودة ليست أمام أشخاص مهما علت مواقعهم، وليست أم فصائل مهما كبرت، بل أم شعبنا وحقوقه المشروعة، في ظل عدم رغبة إسرائيل للانصياع للقانون الدولي.

وبالرغم من أن هناك من نصحنا: بمتابعة انتصارنا القانوني الذي تمثل في فتوى لاهاي، في مناهضة الجدار، والمستوطنات، بل حرب 1967 نفسها، باعتبار أن القانون يوفر اجابات ومعظمها لصالح العرب، إلا أنه يبدو أن إسرائيل سترفض القوانين، مؤثرة حل الأمر الواقع.
الملف السياسي-النضالي صعب، بل صار صعبا جدا، فما الذي سنفعله معا؟
هل من إجابات فلسطينية (منظمة التحرير والفصائل خارجها) حول هذا الملف الشائك؟ هل من تجهيز عدة صالحة للاستعمال للاشتباك السياسي القانوني التفاوضي مع دولة إسرائيل التي لا تكتفي بالإعلان عن خططها، بل وتنفذها!
هل من إجابات اقتصادية تنهض بالمواطنين، وتقوي وجودهم على الأرض؟
هل من إجابات اجتماعية وفكرية لا تقف عند حدّ الانشغال بصورة في الكتب المدرسية؟

فكل من يسعى للمساهمة في قيادة الشعب سياسيا، وإدارة وحكما للوزارات والمؤسسات، عليه أن يختبر نفسه، ورفاقه، وتنظيمه، وفصيله: ما الذي يمكن أن نقدمه حتى نحدث اختراقا لهذه الجدر الصعبة!؟
هل اختلفنا فعلا! هل سنتصالح ونتفق؟
أرجو أن يكون مصدر الاختلاف والاتفاق صدق النوايا باتجاه تحقيق هدفنا الحقيقي، لا أن يكون خلاصا فرديا أو خلاصة لفئة.
من حقنا الخلاص الوطني وسعينا نحوه مواطنين وقادة واجب.
لأجل ذلك لا أرى أن هناك ضرورة لننشغل بتصالح الأخوة كما انشغلنا في خلافهم، فالأجدى أن نقود الحلول نحو الحل الإبداعي، الذي ينظر للحلول السياسية في سياق حلول فكرية وإنسانية ووجودية لتواجدنا هنا معا.