نشر بتاريخ: 04/09/2016 ( آخر تحديث: 04/09/2016 الساعة: 10:12 )
الكاتب: صادق الخضور
مع إصدار الكتب الدراسية المقررة للصفوف الأساسية الأربعة الأولى، ومع تسجيل الكثير من المختصين وتحديدا من معلمي المرحلة الأساسية الأولى إعجابهم بما تحقق، إلا أن الملاحظات الهادفة إلى تفريغ الإنجاز من محتواه تتوالى تباعا حيال كلمة هنا أو هناك، أو أبعاد صورة، أو عدم وضوح الرسومات، فقد انهالت الانتقادات، ونسيت أو تناست أن الحديث يدور عن طبعة أولى، وأن الوزارة ومنذ لحظة إصدار المقررّات أعلنت عن الترحيب بأي ملاحظات تندرج في إطار التطوير، وهنا أتحدّث كولي أمر، ومعلم سابق، ومشرف تربوي سابق للمرحلة الأساسية الأولى، وحريّ بنا طرح سؤال: أين كنّا ؟ وأين أصبحنا؟ وإلى متى تتواصل الأحكام الانطباعية التي تقف عند كلمة أو تعبير أو صورة، وتتجاهل عن قصد أحيانا- بل في معظم الأحيان-، مجمل ما أُنجِز؟
شهد هذا الأسبوع هجمتين على المناهج/ الكتب المقررة أولاهما عبر الاحتلال من خلال الأمم المتحدة، وثانيهما عبر آراء عبر الفيس لها الحق في أن تطرح لكن ليس لها الحق في أن تشكّك أو تجرح، ولعلّ الهجمة الأولى لم تأت من فراغ، فهي نتاج تحليل كشف عن روعة المضامين وآليات المعالجة ما أثار حفيظة الاحتلال ومؤسساته، في حين تتبدّى الغرابة لوقوف البعض من الأكاديميين والتربويين عند ملاحظات بالإمكان تداركها فور صدور الطبعة الثانية، بل وقبل ذلك من خلال تدارك المعلمين أيّة أخطاء مطبعية أو في الصور والرسومات.
حتى اللحظة، ومن خلال سؤالي الزملاء في المناهج، لم تصلهم أية رسالة مكتوبة من أي تربوي أو أكاديمي فلسطيني بخصوص الملاحظات، حتى من أولئك الذين وضعوا ملاحظاتهم على الفيس!!!!!!! وكلنا نعلم أن مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى صفحات الصحف ليست الوسيلة الأنسب للتعامل مع الملاحظات بشكل رسمي.
إن ما يشهده العام الدراسي الحالي من تطوير طال عديد المجالات؛ يستوجب التعاطي المدروس والمتأني مع مكونات التطوير، وبعدها لكل واحد الحقّ في إبداء وجهة نظره، فالانتقاد من أجل التطوير منهجية لا يختلف اثنان على جدواها لكن الانتقاد من أجل الانتقاد يتناقض حتى وروح الانتقاد.
قبل سنوات؛ درسّنا د.سمير شحادة أطال اله في عمره النقد القديم، وكانوا حينها أيام سوق عكاظ يبنون أحكامهم على الجزئيات، ولا يتعاطون مع الأمور بشمولية، فكانت الأحكام انطباعية، ثم تطوّر النقد، وصارت له أصوله وأدواته ومنهجياته، لكن البعض لا زال متشبثا في نقده بروح الانطباعية رغم مناداته بمواكبة الحداثة، فأي منطق في هذا؟
من يدقّق النظر في الكتب المقررة الجديدة سرعان ما يكتشف تكامل موضوعاتها، ووجود تسلسل منطقي سواء داخل الصف الواحد أو مع الصفوف الأخرى التي تسبق الصف أو تليه؛ علاوة على إفراد حيّز للطالب والانتصار فعلا لمحورة العملية التعليمية التعلميّة حول المتعلم، ويجد فيما يجد استلهام خصوصية طلبة هذه المرحلة سواء في طبيعة اللغة أو الأسلوب أو الصور، ولا بد من إتاحة المجال للطلبة أنفسهم للتعبير عن وجهات نظرهم، لكن الوقت لا يزال مبكرا.
من السهل رصد الأخطاء المطبعية، ومن الأسهل تضخيمها، فمواقع التواصل الاجتماعي توفّر هذه الميزة دون عناء، لكن من الصعب على الكثيرين إبراز التقييم الموضوعي للمناهج لأن مثل هذا النوع من التقييم يتطلب خبرة لا يمتلكها إلا من كانت تجربة سابقة
إن إسناد التطوير التربوي يتأتّى من خلال جهد مدروس وممنهج، وبدلا من الإشادة بما تحقق باعتباره خطوة على طريق تطوير شامل مذ أعلن وزير التربية والتعليم العالي عن العام الدراسي عاما للتطوير، نجد أنفسنا أمام ملاحظات يتم تضخيمها أملا في إثارة رأي عام بات الكثيرون فيه يقدرّون أن المنجز يمثّل مخرجا نوعيّا مرحليا بانتظار اكتمال العمل، ومعظم الملاحظات الواردة ممكن تداركها من خلال المعلمين إلى حين إصدار طبعة ثانية منقحة، وحينها سيكون الأخذ بأي ملاحظة نقدية موضوعية ضرورة واجبة.
في غمرة ما تختزنه الذاكرة من إرث أدبي؛ نستحضر الحوليّات، وكيف كان إنضاج قصيدة يتطلب عاما كاملا، فما بالكم بإنتاج كتاب -عفوا 34 كتابا- في زمن قصير؟
في ضوء ما سبق؛ تغدو المطالبة بعدم الاستعجال في إصدار الأحكام جزافا، والانتصار للنقد الموضوعي، وتمرير الملاحظات من خلال قنوات رسمية؛ كلها مما يجب الاهتمام به، فما أحوجنا إلى التخلّي عن منهجية" عنزة ولو طارت" في محاكمة الأمور.
هي كلمة حق، وأمل بألّا تتواصل حالة اللامنطق في التعامل مع ملف يستوجب منّا استحضار كل منطق، لكن لا غرابة في ذلك، فقد بات أي تغيير محكوما دوما بنقد سلبي، وكأنهما متلازمتان لا تنفصلان، لدى البعض على الأقل!!!!!