نشر بتاريخ: 04/09/2016 ( آخر تحديث: 04/09/2016 الساعة: 15:39 )
الكاتب: د. هاني العقاد
تعج المنطقة بجملة من التحركات على مستوى رفيع لمحاولة اطلاق مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جديد , ليس دول الاقليم وانما تعدى الامر هذا ,روسيا تسعى بكل ثقلها الدبلوماسي وعلاقاتها السياسية مع الفلسطينيين لترتيب لقاء ثلاثي في موسكو يجمع ابو مازن ونتنياهو على طاولة الدب الروسي لم يتضح مداه ولا اسسه ومرجعياته , مصر الاردن والسعودية والامارات تحاول بعلاقاتها القوية مع ابو مازن واطراف فلسطينية اخري ان تطرح خطة تبدا بإصلاح المتخاصمين الفلسطينيين وجمعهم على قلب رجل واحد, وهذا مدخل جيد لكن مخاطرها تكمن في انها قد كون على حساب العمل من اجل الحضور الفلسطيني في المؤتمر الدولي الذي تعده فرنسا ,ومع ان هذا المدخل مليء بالمعيقات والاشواك ليس بسبب قضايا فتح وحدها وانما بسبب صعوبة المسار الذي قرر العرب الانطلاق منه لتحقيق المصالحة والشراكة بين فتح وحماس لان الجميع يدرك ان المصالحة الفلسطينية اصبحت بعيدة المنال ومن المستحيلات لان الارادة غير متوفرة بالمطلق في ظل عدم تحييد التدخلات الاقليمية وعزل البرامج الخارجية التي طغت على البرامج الوطنية .
صحيفة الجمهورية اللبنانية افادت الاسبوع الماضي ان اسرائيل تسعي لمفاوضات جديدة مع الفلسطينيين يشارك فيها دول عربية واوروبية قبل انتهاء ولاية اوباما او بالأحرى قبل انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في باريس , وقالت الصحيفة ان اسرائيل تحاول اطلاق مفاوضات على اساس المبادرة العربية المعدلة برعاية كل من السعودية ومصر والاردن والامارات على ان تضمن تلك الدول القيادة الفلسطينية وبالمقابل تضمن قطر وتركيا حماس , الرباعية العربية خرجت بوثيقة تتحدث عن اصلاح الواقع الفلسطيني الداخلي وتحقيق الشراكة بين فتح وحماس وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية دون ان تتحدث عن دور الرباعية في حشد ما يلزم للتواجد على الساحة الدولية من اجل استعادة الحقوق الفلسطينية ودون التحدث عن تنسيق المواقف بين الرباعية وفرنسا تهيئة للمؤتمر الدولي في ديسمبر القادم .
لم تكن هذه التحركات والخطط والافكار التي تتزاحم اليوم على الساحة السياسية لإعادة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات لولا الجهد الفرنسي الذي يعمل بصمت ودون بروبغندا كبيرة لعقد مؤتمر دولي للسلام وهذا ما يفسر الصمت الفرنسي الكبير تجاه تلك التحركات الواسعة , والواقع يقول ان فرنسا لا تستطيع الاعتراض على اي تحركات يسعى العرب من خلالها لتحسين الواقع السياسي الفلسطيني الداخلي لكن المسعى جاء متأخرا وقد يعيق الجهد الفرنسي ويضعف الحضور العربي كحضور قوي وموحد ولا اعتقد ان فرنسا قد تعترض ايضا على اي محاولة لبعض الاطراف لحل الصراع او بحث قضايا الصراع على اساس ان هذه التحركات والافكار التي قد تزيل كومة الحجارة امام قبول اسرائيل لأفكار التي سيخرج بها المؤمر الدولي للسلام او حتى قبول اسرائيل حضور المؤتمر والتعاطي مع الرغبة الدولية ,لكن فرنسا تخشي ان يعطل الحراك الحالي في الاقليم وحراك روسيا مساعيها لعقد المؤتمر الدولي , هذا يفسر معنى تصريح وزير الخارجية الفرنس جان مارك ايرو في اجتماع سفراء فرنسا المعتمدين بالعالم عندما قال "ان فرنسا لن تتخلي عن خطتها لحل الصراع وانها ستبذل كل جهد مستطاع لعقد مؤتمر دولي للسلام" , منسق مؤتمر السلام بيير فيموند في مصر بعد ايام لذات الموضوع وبحث دور عربي اقوى لإنجاح مؤتمر السلام نهاية هذا العام , لعل اسرائيل كانت تنتظر هذا الحراك بمعزل عن فرنسا بهدف العمل خارج الاطار الدولي والتملص من اي ضغوط دولية قد تفرض عليها , لان بقاء اسرائيل في دائرة الرفض سيقودها الى ضغط دولي كبير في نهاية المطاف وستجد نفسها امام خيار وحيد اما القبول بما يتمخض عنه المؤتمر الدولي او العمل عبر علاقاتها العلنية والسرية مع دول الاقليم والدول الصديقة لإعادة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات بمرجعيات معدلة تساهم هي في وضع تعديلاتها وتقديم حلول لبعض القضايا بما يضمن استحالة قيام كيان فلسطيني مستقل وقابل للحياة .
يبدو ان العرب اتفقوا مع اسرائيل لتحقيق فرصة لها لتعمل على فرض سلام اسرائيلي بالمفهوم والشكل وبالتالي فرض حلول للصراع بطريقتها وتعمل وكأن هناك نظام اقليمي جديد هي طرف هام فيه مستغلة حالة الفوضى في بعض الدول العربية والرغبة العربية بالتطبيع الكامل معها قبل حل الصراع و بذلك توحي بانها مرنه الى درجة كبيرة في حل الصراع واتجاه قضايا الحل النهائي , لكن اتمنى ان تكون قيادة كل من مصر والسعودية والاردن وحتى الامارات تعمل ضمن خطة الاجتماع التشاوري في باريس مارس وتجهيز كل ما يلزم لحضور الاجتماع التشاوري الثاني بملف يحتوي بعض التقدم عبر توظيف العلاقات الدولية والاقليمية بهدف تهيئة الظروف لإنجاح المؤتمر الدولي للسلام وفي نفس الوقت اقناع اسرائيل بحضور هذا المؤتمر دون فرض اجندتها الخاصة بالحل , واتمنى لو كانت الرباعية العربية تعمل في اتجاهين تحسين الوضع الداخلي للفلسطينيين وتحقيق المصالحات المطلوبة وتجهز نفسها مع الفلسطينيين لحضور فلسطيني وعربي قوي استعدادا للمؤتمر الدولي للسلام وبالتالي تحقيق فرض مبادرة السلام العربية والمرجعيات الدولية الشرعية على طاولة المؤتمر واتمنى على العرب الا ينخدعوا في قوة اسرائيل ولا يهروا الى التطبيع معها على حساب الاحتضان الدولي لحل قضايا الصراع .