الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

جبريل الرجوب ... كما عرفناه

نشر بتاريخ: 07/09/2016 ( آخر تحديث: 07/09/2016 الساعة: 13:52 )

الكاتب: لينا سويطي

الذين يعرفون جبريل الرجوب، يعرفون فيه الجد والصدق والإخلاص والعمل الدؤوب، وهو الذي لا ينافق ولا يجامل، ونادرا ما يمازحْ، ومن يعرفه عن قرب، يدرك مدى مودته ومحبته وقربه من المكون الثاني لمجتمعنا الفلسطيني الواحد، ويلمس علاقاته الطيبة مع نصارى العرب الذين قال الله فيهم: " ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى "، ويشهد على ذلك دائرة علاقاته من الأصدقاء المقربين جدا منه، لدرجة أنّ بعض أصدقائه المسلمين، كانت تأخذهم الغيرة من عمق العلاقة التي تربطه مع كثيرٍ من إخواننا المسيحيين، وكما عرفت الرجوب وعرفه الآخرون، فلم أذكر أنه تلا خطابا من ورقةٍ مكتوبة، ولا تلعثم في خطابٍ يتلوه من ذاكرته الخصبة بالأحداث الهامة التي عايشها على مدى سجله النضالي الطويل، فكانت خطاباته ولقاءاته ومقابلاته جميعها كلماتٌ مرتجلة، وربما يشفع له سجله الحافل بالعلاقات الطيبة مع شركاء الوطن في الأرض والدم والتاريخ، زلة لسانٍ ارتجاليةٍ، صدرت منه على سبيل التحبب والدعابة والمزاح، ليس فيها أي رائحةٍ للعنصرية أو الطائفية العصبية، أو القبلية الكريهة التي ليس لها وجودٌ في قاموسه الغني بالكفاح والعمل الجاد. 

إن الذين يعرفون الرجوب عن قرب من إخواننا المسيحيين، أدركوا تماما أنها زلة لسانٍ قُصد منها المزاح والمداعبة، وربما كانت له بعض الهفوات المشابهة في نقده لبعض الطقوس المتأصلة المحسوبة على المتدينين من المسلمين الملتزمين بدينهم، المحافظين على عاداتهم وتقاليدهم الموروثة، مما يدل على أن الرجل لم يتقمص دور الواعظ المبشر بتعاليم دينٍ على حساب دينٍ آخر، بل هو من أكثر الناس فهما وإيماناً بقوله تعالى: " لكم دينكم ولي دين " ومقولة: "الدين دين الله، والوطن لجميع خلق الله". يشهد على ذلك كل من عملوا وتعاملوا معه، لا سيما الأعضاء من الذكور والإناث في مجلس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. 

أقول لكل من قسا في رده على " مزحة " جبريل الرجوب، ومن وصف موقفه بالتكفيري، إن الرجل لا يحمل أيّ مؤهلٍ من مؤهلات التكفيريين الشكلية ولا الموضوعية، ومن وصفه بذلك هو أول من يعلم ذلك، فلم نشاهده يوما بلحيةٍ طويلة، إلا عندما كان قابعا في سجون الاحتلال التي دخلها في مقتبل شبوبيته، وخرج منها في مستهل شيخوخته، ولم يذهب في أيديولوجيته لا ميمنةً ولا ميسرة، فهو ابن الريف الفلسطيني المحافظ، وهو ابن فتحٍ ما هتف لغيرها على مر سنيِ نضاله الطويل. الإخوةُ المسيحيون ضحوا وصمدوا وذاقوا مرارة الاحتلال كما ذاقها المسلمون، وليس لأحدٍ أن يكبر على حساب الآخرين، فالكبير كبيرٌ بأفعاله النضالية التي يعترف بها العدو قبل أن يشهد بها الصديق، والمسيحيون كبارٌ بشهدائهم ومناضليهم، الذين ضحوا بأرواحهم وأنفسهم كما هو الحال مع شركائهم في الوطن.

إن ما يقوله البعض من أنّ كلمةً عابرةً تثير الفتنة، وتبث نعرات التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ما هي إلا مبالغةٌ في تفسير المفسَر، لا تقوم على أساسٍ من الصحة والواقع، فالفلسطيني المسيحي مكون أساسي من شعب فلسطين، له من الحقوق ما للمسلم، وعليه من الواجبات ما على الآخرين، وتلك حقيقة ثابتةٌ تؤكدها الوقائع الملموسة، وليست منةً أو هبةً من أحد.

أما ما يقوله آخر من أنّ مزحةً في عجالةٍ من القول، تمثل تهديدا للسلم الاجتماعي، وتفتيتا لوحدة الشعب وهدرا لطاقاته، فتلك أقوالٌ تجهل حقيقة شعبنا الفلسطيني، الذي عركته الأحداث الجسام، فأثبت على الدوام أنه شعب واحد موحد، بكل فئاته وطوائفه في السراء والضراء وحين البأس. وليس أدلُ على ذلك من أنّ كلّ أعيادنا الدينية المسيحية والإسلامية والوطنية، هي أعيادٌ مشتركة يحييها الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وكل طوائفه، وكأنها العيد الخاص لكل فئةٍ من فئاته. أما هذا الذي يزج بالعلاقة التاريخية والاخوية بين الفلسطينيين والاشقاء الاردنيين، فيؤخذ عليه ارتكابه لأخطاءٍ شكلية إملائيةٍ وأخرى موضوعية معلوماتية، في كل ما رواه من أنباءٍ مغلوطة، ربما تحركها أجنداتٌ مشبوهة، فالذي ترشح لرئاسة الفيفا هو سمو الأمير علي بن الحسين، الذي حاز على أقصى الدعم من جبريل الرجوب، وليس من ترشح هو الأمير محمد، والذي اعتقلته وسجنته قوات الاحتلال الإسرائيلية هو هيلاريون كابوتشي، أما هيلاري فهي المرشحة الديموقراطية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وأما العزل المؤقت لمحافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب، فقد كان مفخرةً له وتاجا على رؤوس كل الوطنيين من أمثاله، أما عودته لمنصبه فقد كان رجوعا إلى الحق الذي هو خيرٌ من التمادي في الباطل، وليس بفعل ضغوطٍ مارستها جهاتٌ عدوةٌ للعرب والعروبة، وربما تكون صديقةً حميمةً لكاتب المقال المغلوط من أوله إلى آخره، وفي شكله ومحتواه، فضللته بمعلوماتٍ مغلوطةٍ أيضا.

إن جبريل الرجوب لا يجهل دور المسيحيين الفلسطينيين في معركة البناء والدفاع عن الوطن، وإسهاماتهم في الحياة الوطنية والثقافية والفكرية والإبداعية والإنسانية.
وما تضحيات هيلاريون كابوتشي وعطاالله حنا وغيرهم كثيرون، إلا أمثلةً حية على أن القضية واحدة والهموم مشتركة، وما يزال الهلال والصليب يتعانقان في سماء فلسطين، وما زالت أيدي مطران الكنيسة تشد على يدي إمام المسجد الأقصى وقبة الصخرة، لتعلن للعالم كله بأننا سنظل فوق هذه الأرض المقدسة، موحدين في آمالنا وآلامنا رغم أنف الحاقدين، وكيد الكائدين إلى أن أن يرث الله الأرض وما عليها، ونصعد جميعا إلى جنة الفردوس من بوابة بيت المقدس.