الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قنعة وداير

نشر بتاريخ: 07/09/2016 ( آخر تحديث: 07/09/2016 الساعة: 16:14 )

الكاتب: نيروز قرموط

لا أحد يستطيع إنكار كم الزخم الشعبي الذي استطاعت الفصائل الوطنية الفلسطينية شحذه ، من خلال المبادئ والأفعال النضالية التي حاولت ترسيخها منذ الستينيات والسبعينيات ، حول مفاهيم الكفاح والتحرّر والاستقلال حتى الحلم بالدولة والديمقراطية ،ونحن هنا لسنا بصدد ذكر أحسنها ، بل نريد التعريج على الأسوأ ونأخذ قطاع غزة كحالة .

أسوأ ما استخدمته في ذاك الوقت هذه الفصائل ، لتحقيق الردع الشعبي اتجاه أي من أنواع التساوق مع سياسة الاحتلال في مناطقنا ، هو الموضوع الاجتماعي وعلى رأسه موضوعة المرأة ( باعتبارها الحلقة الأضعف اذا ما تمسكنا بالبالي من الموروث ) ، وذلك بفرض الهيمنة الفصائلية والتي نستطيع فهمها كهيمنة ذكورية (على المخيمات بشكل كامل ، وبشكل نسبي القرى ، ومحاولة ضعيفة في المدن ) من خلال ردع المرأة فيها ، تحت ظل عناوين مفادها ، أنه على النساء الاحتشام أكثر في ظل الاحتلال ، خوفا من الاعتداء عليهن ، والتغرير بهن ، وحرفهن عن المسار الوطني ، واستخدامهن كورقة تهديد علما من الاحتلال بحساسية هذه الموضوعة داخل أي عائلة فلسطينية ، مما يضعف النسيج الاجتماعي الفلسطيني ، من خلال نشر آفات للفساد الأخلاقي ، الذي ترفضه وبشدة الثقافة والمنظومة الأخلاقية الفلسطينية السائدة.

حيث كانت الطالبات يمتلكن زيا من قميص وتنورة لا تغطي كامل ساقي الفتيات ، فرض في حينه ، لبس (الداير والقنعة ) على الطالبات ، حيث كن يرتدين هذا اللباس حتى باب المدرسة ، ويضطررن لخلعه من أجل الدخول إلى المدرسة ، فلم تكن إدارة المدرسة لتسمح بهذا اللباس داخل صفوفها ، في ظل ما اعتمد منذ زمن الإدارة المصرية للقطاع وثقافة المشرفين فيها (ثقافة المد اليساري والقومي وكثير من مفاهيم التنوير الحديثة ) ، ولكن يلاحظ أن اللباس الذي فرض ، لم يكن يشّكل صورة حضارية تعكس ثقافة الفتيات في ذاك الوقت ، بما يساير تطور الحقبة الزمنية التي يعشن بها ، بل إن هذا اللباس يتناقض بشكل جذري مع اللباس المدرسي الرسمي ، بشكل قد ضرب بعرض الحائط التكوين النفسي الكامل لمدى تقبل أو رفض الفتيات لذاك اللباس في حينه ، ولربما يتعلّق رجعية تصميم هذا اللباس من ناحية ذوقية وفنية ، بسوء الأحوال الاقتصادية داخل المخيمات الفلسطينية بشكل حاد وملحوظ ، واذا ما تعمّقنا أكثر بهذه الحالة الاقتصادية ، لوجدنا أيضا ردعا من نوع آخر يتعلق بمنع العمال الفلسطينيين بالعمل داخل مناطق الاحتلال ما يسمى (عمال اسرائيل) ، تحت ذات المبادئ التي ردع من أجلها النساء الفلسطينيات ، وهي الخوف من التساوق أكثر مع سياسات الاحتلال ، وفقدان حالة الرفض الشعبي ، حتى نكون أكثر دقة ، لم يكن الفدائيون الفلسطينيون أصحاب العمل العسكري ، ليسمحوا بخلو المناطق الفلسطينية من رجالها باتجاه الخط الأخضر ، مما يجعلهم كمطاردين مكشوفين أكثر لملاحقة العدو ، وفي أمر متصل ، حتى البعض من الطلاب الفلسطينيون ، الذين كانوا ينتظرون قبولا جامعيا خارج الأرض الفلسطينية سواء في مصر أو سوريا أو أي من الأقطار العربية والأجنبية ، تم منعهم في بعض الأحيان من المغادرة ، من باب جعلهم جدران إسناد في المخيمات وغيرها من المناطق التي تنطلق منها العمليات العسكرية الرافضة لوجود الاحتلال الاسرائيلي ، وأيضا مرة أخرى حتى لا تخلو المناطق من رجالها وتكشف تلك الخلايا العسكرية للعدو .

فصائل يسارية هي من بدأت بهذا الفعل قبل الجميع ( رغم المفاهيم الفكرية التحررية التي تغذي عملها ) ، في ذاك الوقت كانت القوى العسكرية اللامعة شعبيا هي قوات جيش التحرير ، والجناح العسكري التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، لم تكن القرارات الرادعة هي مركزية ، وإنما قرارات فردية وتعمم إلى الأهالي والمدارس والتجمعات ، إلى أن ظهر التطّرف اليميني المقابل في الثمانينات بعد انحسار المد اليساري والقومي ، و(ظهور حركة حماس )، اليمين لم يتردد في استخدام ذات الموضوعة ، موضوعة المرأة ، من منطلق تعبوي ديني هذه المرة ، وبأسلوب أكثر عنف وضاغط على كل ما هو سائد من ثقافة اجتماعية ، ومشاركة تلك القوى الدينية بالانتفاضة الفلسطينية (الشعبية والجماهيرية ) عام 1987ضد الاحتلال ، فرض لها سطوتها الاجتماعية .
لو تمّعنا وحاولنا مراجعة تلك الأفكار والأفعال التي أصدرها فهم محدود للأفراد ، الذي يحملون في جعبتهم مبادئا ترفض وجود المحتل على الأرض الفلسطينية ، لوجدناها أفكار ومبادئ عدمية ، لم تدرس جيدا أبعاد ما تقرر وتعمم للأهالي ، نعم الاحتشام هو رقي ، لكن أشكال الفرض التعسفي الذي مورس على المرأة ، لم يعمل على حمايتها بل إضعاف دورها ، وزرع الخوف والخنوع فيها اتجاه ذكورية خضعت لها ، لا أفعال رجولية تعزز من ثقتها بنفسها كإنسان يستطيع الدفاع عن نفسه من وازع هو لديها، كما هو لدى أي رجل ، فكلاهما انسان مهما اختلف الجسد ، واذا ما انتقلنا لموقف العمال ، الذين تم منعهم من العمل داخل الخط الأخضر ، لم يتم إيجاد فرص عمل بديلة لهم ، فمن أصدر القرار هو غير قادر من الأساس على توفير البديل ، الأمر الذي قد يجعل من مواطنينا فريسة سهلة المنال لأجهزة واستخبارات العدو في حينه ، وذات الشريحة من العمال ، هم من شكلّوا مجموعات ناقمة على السلطة الفلسطينية عند تأسيسها وعدم قدرتها على إيجاد عمل بديل لهم يوازي في أجره ، الأجور التي كانوا يتلقوها داخل الخط الأخضر ، والكثير من هؤلاء العمال من انخرط في تنظيمات معارضة لسلطة أوسلو ضمن مفاهيم ناقمة عليها أولها العامل الاقتصادي ، وليس من منطلق تنظير وطني أو ما شابه ، أما عن الطلاب الذين حرموا من إكمال تعليمهم سواء بقرارات فردية تنظيمية أو أخرى عائلية رجعية لا تسمح بخروج الأبناء للخارج ، والابتعاد عن العائلة ، تحت طائلة السلطة الأبوية ، دفع بهؤلاء الطلاب بالانخراط أكثر بالعمل السياسي والعسكري ولكن أيضا بما يعارض مبادئ عمل الفصائل الوطنية ، ولربما أصبح هؤلاء الطلاب أكثر تطرفا وحدة اتجاه كل المسائل السياسية والمجتمعية ، مما يعكس حجم الحقد الذي خزّن في داخلهم في تلك الحقبة الزمنية ، لربما انتماء فصائلنا لمفهومها الوطني واستعدادها لتقديم التضحيات الكبيرة في ذلك الوقت هو لا يعكس بالضرورة مفهوم التضحية لكامل المجموعات الفلسطينية الموجودة والسكان في الداخل الفلسطيني .

لربما حاولت فصائل مقاومة كحماس وغيرها من التنظيمات الدينية المجاهدة ،استقطاب كل هذه الفئات والشرائح التي ردعت من الفصائل الوطنية سابقا ، واستخدمتها كجدران إسناد لتعرية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من مضمونها النضالي ، وهو فعل غير محمود ، لأنه ورغم ذكر هذه السلبيات ، إلى أن الفصائل قدمت وفعلت الكثير الكثير من أجل القرار الفلسطيني المستقل والحلم بالعودة والتحرير ، لكن لربما هي المنافسة السياسية تغيب عنها كثير من نزاهة المنطلقات ولا يعود أمامها إلا الانقضاض على الخصم السياسي ، بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة ، حتى ولو كانت على حساب المصلحة الجمعية للوجود الفلسطيني ، وها هي أيضا حماس الآن بعد سيطرتها على القطاع لأكثر من عشر سنوات ، ومصادرتها لكثير من أحلام الشباب الطامحة علميا وعمليا ، انصياعا لرؤيتها السياسية للمقاومة والتحرير ، الذي أدى إلى فرض حصار سياسي واقتصادي، دفع الشعب فاتورته ثمنا غاليا جدا ، إضافة إلى تعريض الشعب لعنجهية آلة الحرب الاسرائيلية لفترات أطول مما قد كان يحتمل (لابد من الإشارة ، هؤلاء الشباب يعايشون واقعا محاصرا من كل الأبعاد والاتجاهات ، وبذات الوقت ينفتحون بشكل غير محدود على كل العالم خارج بيئة الحصار التي يعرفها ، من خلال شبكة الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي ، وتسارع أخبارها وبرامجها المطروحة ، مما يخلق وعيا وتناقضا داخليا حاد وغير مفهوم لدى الشباب أنفسهم ، ورفضا تلقائيا لسوء الحال الموجود ، ولا تستطيع أي سلطة مسيطرة منع هذا التواصل لدوافع قد تكون ربحية أو أمنية أو هي ضرورات تفاعل مجتمعي أصبح من الصعب إلغائها ، كل ما يستطيعون فعله هو تحجيمها وإغلاق بعض نوافذها لفترات مؤقتة خوفا من اتهامات عدة ، قد تطال السلطات من المؤسسات الحقوقية فيما ويتعلق وبند الحريات العامة ) وأيضا فهم حماس الاجتماعي المحدود في توصيف المكونات الاجتماعية الفلسطينية بما يعطيها حقها ، ربى كثيرا من ذات الحقد لدى العديد من الشرائح المجتمعية ، التي لم تتردد حماس في استخدامها سابقا ، والذي نتوقع أن تواجهه هي هذه المرة ، كما واجهته من قبل الفصائل الوطنية .

أمهات ذاك الجيل جيل الستينيات ربين منهم جيل الثورة ، أما الأجيال فيما بعد ، أين هي الآن ، هي تقود عناوين الانقسام وشقاء هذا البلد ، لا تستخفوا بحرية امرأة وتركها قادرة على اختيار خياراتها ، في كل ما يتعلق بالحياة والمجابهة ، لن تنهض مجتمعاتنا العربية حتى تعي المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية ، لا عيب في ممارسة المزيد والمزيد من المراجعات والنقد الذاتي والتقييم لكل ممارساتنا الفلسطينية داخل عمل التنظيمات أو خارجها ، من أجل معالجة الأمور العالقة في صميم المجتمع الفلسطيني وبين أهاليه ، المكاشفة الداخلية هي ضرورية ومهمة لنبذ وطرد العديد من الأحقاد ، التي قد توارث جيلا بعد جيل ، من خلال سرد الرواية المنقوصة دون الدراية الكاملة ، بكافة أبعاد وموجودات مرحلة زمنية عايشها أهلنا ولم نعايشها نحن ..
لدينا العميق أكثر مما هو موجود على سطح الانقسام الظاهر للعيان ..