نشر بتاريخ: 13/09/2016 ( آخر تحديث: 13/09/2016 الساعة: 21:00 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
من يتابع وسائل الاعلام العربية والفلسطينية، يكتشف بسهولة ان هناك كتابا لا يكتبون الا في اتجاهين اما مهاجمة حركة فتح او تجنيد أقلامهم ضد حماس.
واصبح لهؤلاء الكتاب مفرداتهم وكليشهاتهم الجاهزة المفتقرة للقراءة والتحليل، حيث ينطلقون من مواقف مسبقة ومن ايدولوجيات لا ترى في الاخر سوى نقيض او عد و او هدف للانقضاض عليه في كل الاحوال والاوقات والمواقف.
كتاب يتلبسهم التعميم والاحكام السريعة، وكأن قضايا الوطن والشعب الاخرى لا تعنيهم ولا تمت لهم باية صلة. فاذا تشاجر اثنان في قرية نائية، يسارع كاتب معين لمهاجمة فتح على اعتبار انها حزب السلطة، والسلطة وحزبها سجلا فشلا في ضبط الامن، وكأن واشنطن او باريس او اية مدينة او بلدة في العالم لا تحدث فيها شجارات، ولا يطلق منفلت اهوج النار في الشوارع او الحانات على الاخرين، كما تقرأ ونسمع ونشاهد حوادث متكررة على هذا الصعيد!!
في المقابل اذا قام عضو محسوب على الاخوان بأي سلوك خاطىء على بقعة من الارض في هذا العالم يستل كاتب متخصص قلمه ويوجه الاتهام لحركة حماس، على اعتبار انها جاءت من الاصول الفكرية للاخوان، متناسياً او متجاهلاً ان هذه الحركة تعمل ضمن خصوصية معينة، وانه طرأ ت متغيرات جدية على اسلوبها في العمل من مرحلة الى اخرى، نتيجة تفاعلها مع مكونات الخاص الفلسطيني.
والانكى من ذلك ان هذه الاقلام تكفّر وتخوّن وتتهم وتتوعد وتهدد وتحرض على الاجتثاث، في اطار نظرة احادية ضيقة عوراء لا ترى ولا تؤمن الا في اتجاه واحد.
هناك فرق كبير وجوهري بين النقد و الكتابة على خلفية عدائية بغيضة لا تسامح فيها، لانها كفرت بالتعددية والاختلاف المشروع تحت سماء الوطن. والمقصود هنا النقد الهادىء الموضوعي العلمي الذي يمحص ويستقرىء ويستنبط، ويقترح من اجل التصويب وتطوير المواقف وتعديل البوصله اذا تاهت وارتبكت ا.
ان الكتاب المتخصصين بالردح للحركتين، ونعني بالردح الاسلوب المناقض للنقد والتصويب، يعملان بقصد أو لنقل بحسن نيه "أو بدون قصد"، لترسيخ وتعميق الانقسام، واثارة الطرفين على بعضهما بعضا، وتخويف كل طرف من الاخر، واثارة الاحقاد ونزعات الثأر، وفي ذلك أكبر ضرر للوطن والقضية.
من أين جاءت فتح؟ انها ولدت وتطورت من روح القضية وناضلت في كل مراحلها. وهل حركة حماس سقطت على الارض من السماء؟ الصحيح انها حركة قد انتجتها تربة فلسطينية في الوطن وخلف قضبان الاسر.
الحركتان اذن هما من انتاج سياقات فلسطينية، والا ما الذي جعل حركة حماس تتمايز وتختلف في اساليبها عن حركة الاخوان العالمية، حتى وان تداخلت وتقاطعت معها فكريا؟ الجواب خصوصية القضية.
وسؤال اخر نطرحه في الاطار ذاته، كيف اصبح الرئيس ياسر عرفات شخصية اممية، معروفة على مستوى العالم وكل حركات التحرر؟ الجواب لانه انطلق من خصوصية فلسطينية، فهو ابن بيئته وقضيته وحلم شعبه.
ما ذكرناه في السياسة ينطبق على الادب، فالخصوصية المحلية الغارقة في تفاصيل بيئة معينة، تشكل جسرا للعالمية، فالحارة المصرية بكل طيبتها وتناقضتها، مكنت "نجيب محفوظ" من الوصول الى العالمية، والمجال هنا لا يتسع للاسهاب، حتى لا نغوص في الادب ونبتعد عن الموضوع الرئيس لهذه المقالة.
اننا اليوم نصطلي كشعب باسره بنار الانقسام والحركتان لاعبان رئيسان ، والكل في المجتمع الفلسطيني يلعب دور "الكومبارس" مع احترامنا لبعض المحاولات الصادقة لانهاء الانقسام، لكنها لم ترتق الى خطورة استمراره لا على الحاضر الفلسطيني فحسب بل على المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحي للشعب الفلسطيني، لان بقاء الوضع على حاله لسنوات اضافية يعني ان الانقسام والتشظي السياسي سيغدو تشظياً ثقافياً ونفسياً، الامر الذي يضرب احد اركان وحدة الشعب وأي شعب.
نحن بحاجة اليوم ليس للاقلام المتخصصة في الهجوم على الطرفين، وانما الاقلام القادرة على التوضيح للجانبيين باساليب اقناعية هادفه، بان استمرار التشبث بمصالح ضيقة يقود الى الكارثة. وباختصار الاقلام التي تتجنب الكلام المؤذي والمصطلحات المكررة الممجوجة المنفرة. من خلال اتباع النقد الجاهز للبناء لا الهدم
والحقيقة أن هذا النوع من الاقلام متوافر، لكن ما ينقص هو روح المبادرة، لان ما تنتجه الاقلام المتوازنة كفيل بتهميش اقلام السب والاساءة الساعية لتوسيع الهوة وتأجيج نار الخلاف.