نشر بتاريخ: 19/09/2016 ( آخر تحديث: 19/09/2016 الساعة: 10:44 )
الكاتب: راتب عمرو
ما من شك ان التطورات الأخيرة التي تعرضت لها القيادة الفلسطينية في الأونة الأخيرة ، وتحديدا الأنتخابات البلدية، وقرارات القمة الرباعية العربية التي تضم الدول العربية التالية ( الأردن ، مصر ، السعودية ، والأمارات العربية المتحده ) والتي عُقدت في مصر قبل عدة أيام ، هذه التطورات آزالت الأقنعة عن وجوه القيادات الفلسطينية وكشفت عن وجوهها الحقيقية وعن ضعفها وتخبطها وإرتباكها ، من خلال المواقف الفلسطينية الرسمية وتصريحات قيادات الصف الأول فيها ، حيث سادت الأوساط الفلسطينية الرسمية حالة من التخبط والأرتباك دفعت بالعلاقة الفلسطينية مع تلك الدول الى الحضيض ، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن تلك القيادات تعيش أزمة سياسية وإجتماعية يصعب عليها أن تتخلص منها ، وتجد نفسها في كل مرة أمام واقع مأساوي سينعكس سلبا على القضية الفلسطينية والأوضاع الفلسطينية بشكل خاص ، وعلى العلاقة الفلسطينية العربية بشكل عام .
فقد عكست حالة التخبط والأرتباك التي أعقبت القرار بإجراء إنتخابات المجالس البلدية في المناطق الفلسطينية ، وتحديداً في أعقاب قرار حركة " حماس " المفاجئ بالمشاركة في تلك الأنتخابات ، الخلل والأنقسام الذي تعيشه القيادة الفلسطينية ومعها حركة " فتح "، كما عكست مدى التخبط الذي تعيشه حركة " حماس " من خلال التصريحات النارية التي أطلقتها قيادات الصف الأول في الحركه ، وأوضحت مدى عمق الخلافات بين هؤلاء ( قيادات وتنظيمات ) ومدى إتساع الفجوة بينهما ، بشكل يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحديث عن إنهاء الأنقسام وإنهاء الخلاف بين حركة فتح ، ومعها القيادة الفلسطينية من جهة ، وبين حركة " حماس " من جهة أُخرى، إنما هو مجرد كلام للأستهلاك السياسي المحلي والدولي، بل بالعكس فقد عكست تلك التصريحات النارية والتصريحات المضاضدة التي أطلقتها بعض قيادات حركة " حماس "، وبعض قيادات حركة" فتح "، عن حالة العداء وحالة كسر العظم التي تسود بين تلك التنظيمات المتصارعة منذ ما يزيد عن عقد من الزمان الفلسطيني المتعثر، ودفع المواطن الفلسطيني في كلا الجانبين " الضفة والقطاع " ثمنا باهظا من كينونته ومصيره ومستقبله الأمني والسياسي والأقتصادي وحتى الأجتماعي ، وعادت القضية الفلسطينية الى الوراء كثيرا ، لدرجة ان المؤرخين والكتاب لا يروق لهم كتابة التاريخ وتدوين الأحداث الفلسطينية لما تمر به الحالة الفلسطينية من الهوان والضعف والتشرذم ، ودفع بالعرب والعالم بأسره الى الأبتعاد عن التعاطف والتواصل مع القضية الفلسطينية ، بعد أن إبتعد أهلها والقائمون على الأمر فيها عن محور القضية ومضمونها ورمزيتها التي عشناها وعاشها الفلسطينيون والعرب جميعا ، وتحولت تلك القضية الى صراع على السلطة، وتقاسم وظيفي وسلطوي وفصائلي ومصالحي بين أركان السلطة الحاكمة في جانبي الوطن المحتل والمحاصر .
كما كشفت ردود الأفعال الفلسطينية على قرارات قمة الرباعية العربية والمتعلقة بالوضع الفلسطيني والمصالحة الفتحاوية - الفتحاوية ، عن ضعف تلك القيادات وعدم قدرتها على التعاطي والتفاعل مع الجوار العربي ، وعكست تصريحات قيادات الصف الأول الفلسطيني ، سواء فيما يتعلق بدول الجوار الجغرافي " المملكة الأردنية الهاشمية " او حتى " مصر " كما فسرها البعض ، أو فيما يتعلق بالعمق العربي وتحديدا " المملكة العربية السعودية" ، " ودولة الأمارات العربية المتحدة " ، تخبطا لا محدوداً ، وتم إطلاق العنان لتصريحات تلك القيادات بشكل خرجت فيه عن كل الأعراف الدبلوماسية ، ووصلت المواقف وردود الأفعال الفلسطينية الرسمية لدرجة لا تحتمل ، ولا يمكن تقبلها أو حتى قبول التفسيرات والتأويلات التي تبعتها ، وكأن المقصود من تلك التصريحات والتأويلات والتفسيرات والمواقف الفلسطينية الرافضة للتدخل العربي في الشأن الداخلي الفلسطيني ، إبعاد القضية الفلسطينية أكثر وأكثر عن بعدها وعمقها العربي ، كما حدث عندما إنفردت القيادات الفلسطينية بالتوصل الى إتفاق " أوسلو " سيء الذكر دون التنسيق أو التشاور مع المحيط العربي ، ثم بدت المواقف الفلسطينية بعيدة كل البعد عن ما تتطلبة القضية الفلسطينية من دعم عربي ، وجاءت تلك الردود الرسمية لتكشف واقعا فلسطينيا رسميا أقل ما يُقال عنه بإنه واقع محزن ومأساوي ، وكأن قضايا القدس واللاجئين ، والقضية الفلسطينية برمتها يُراد لها أن تكون فقط في أيدي هؤلاء بعيدا عن أي بُعد إسلامي وعربي، بعد أن تم تأجيلها في إتفاق " أوسلو " المشؤوم ، ولسان حالهم يقول بأنهم هم وحدهم بأساليبهم وطرقهم الخاصة من يحددون شكل العلاقة الفلسطينية – العربية ، لتزداد الفجوة إتساعا فوق إتساعها ،وهم من يحددون مصير القدس واللاجئين الفلسطينيين في الشتات العربي والدولي ،حتى أنهم حشروا أُنوفهم في شؤون الفلسطينيين من عرب الداخل ( عرب عام 1948) فأدخلوهم في دوامة الأيدولوجيات الفلسطينية ومتاهاتها ، لتزداد تلك القضايا تراجعا فوق تراجعها وفشلا فوق فشلها ، وليصبح الفلسطيني الرابض تحت الأحتلال رهينة المزاج الفلسطيني الرسمي، الذي أثبت على مدى الأعوام الماضية بأنه مزاج يشوبه الكثير من التخبط وعدم الأستقرار. فهم فلسطينيون لهم خصوصيتهم وسيادتهم عندما يتعلق الأمر بمن هو الرئيس الفلسطيني القادم . وهم عربا لهم بعدهم العربي عندما يتعلق الأمر بالدعم المالي ، وهم التوأمة والرئة التي يتنفسون منها عندما يتعلق الأمر بالجوار العربي والأمتداد الجغرافي العربي.
بقي أن نقول أن المزاجية الفلسطينية في التعامل مع المحيط العربي لا بد أن تتوقف ، وأن التصريحات الثورية والنارية لا بد لها أن تنتهي ، فعندما كانت القيادات الفلسطينية تقيم في الشتات العربي بعيدة عن فلسطين وشعبها ، كان يمكن لتلك التصريحات أن يتحملها العرب على مضض بإعتبارهم حركة ثورية ، حيث كانت القضية الفلسطينية قضية عربية بإمتياز ، وعندما إنفرد الفلسطينيون بقراراتهم المصيرية ، وقبلوا بإرادتهم ما وجدوا فيه مصلحة فلسطينية خالصة بعيدا عن العرب ، تضائل التعاطف والدعم العربي بشكل ملحوظ ، فهم من يتحمل نتائج تلك القرارات وإنعكاساتها وإرتدادتها على المصير الفلسطيني .
وعندما شعر العرب بالقلق من إرتدادات الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية بين " فتح " و "حماس " ، والصراعات الفتحاوية – الفتحاوية وإنعكاساتها على المحيط العربي ، تدخل العرب لا لتنفيذ أجنداتهم الخاصة بل لحماية المصير والكينونة الفلسطينية ، لأن الأستقرار الفلسطيني ، يقابله إستقرار عربي ، وأن الفوضى الفلسطينية والتي لو حدثت لا قدر الله ، ستنعكس بالتأكيد على العرب وأكثر ما تكون على الجوار العربي لا محاله .