نشر بتاريخ: 20/09/2016 ( آخر تحديث: 20/09/2016 الساعة: 16:18 )
الكاتب: يونس العموري
بالتسلل او قد يكون بالمنطق المقلوب اصلا، او وفقا لمعايير ومقاييس اللحظة الحاكمة للفعل الرسمي بالاراضي الفلسطينية المحتلة، أُخرج برنامج القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية قسرا من عباءة مؤسسة المؤتمر الوطني الشعبي للقدس والذي تأسس بكينونة المؤتمر وكان لمؤسسة المؤتمر اجتهاداته وله ما له وعليه ما عليه، وفي هذا السياق لابد من ايضاح بعض الحقائق ووضع النقاط على الحروف، فهذا البرنامج الذي جاء تتويجا لجهد كبير ومتواصل بتوجيهات الأمين العام المؤسس للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس المرحوم الأخ عثمان ابو غربية رئيس اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية انما اراد ان يتصدى لإنهيار المدماميك الثقافية العروبية للقدس والتي تواجه حربا تهويدية غير مسبوقة، ومنذ البدايات جاء التشكيل الوطني جامعا غير مستثني لأي جهة عاملة بالحقل الثقافي المقدسي في محاولة لدمج ومزج الرسمي بالشعبي بالمؤسساتي، سواء أكان على صعيد اللجنة الوطنية العليا للبرنامج او فيما يخص الجهات التنفيذية وحتى تلك الاستشارية، الأمر الذي أسهم بارتياح الى حد ما بالاوساط العملية للبرنامج وعلى ضوء ذلك وفي اطار اهتمام المؤتمر بقضية القدس، تم تنفيذ العديد من المبادرات الأساسية، التي من شأنها خلق حالة جدلية ثقافية فبعد الإعلان عن مدينة القدس عاصمة العرب الثقافية بشكل دائم ، وبهدف تجسيد هذا الاعلان كحقيقة واقعة فكان لابد من جهد للتفكير والاجتهاد والتخطيط للمسار الاستراتيجي وللفعاليات والمشاريع التي ينبغي ان تجسد حقيقة ان القدس عاصمة العرب الدائمة للثقافة لتنعكس آثارها المستقبلية على صورة القدس الحضارية والثقافية.
ومن اجل البحث في هذا الاعلان ومنذ البديات وكما اسلفنا دعى المؤتمر ممثلا بأمينه العام المؤسس المغفور له الاخ عثمان ابو غربية الى العديد من ورشات العمل شارك فيها معظم الأطراف ذوي العلاقة داخل القدس، على قاعدة ان هذه اللقاءات جامعة ولا تستتثني احد وبعيدا عن فعل الاقصاء لأي أحد او مؤسسات او افراد حيث ان هذه الورشات واللقاءات جمعت من جهة كافة فعاليات القدس ومؤسساتها وقواها، ومن جهة اخرى كانت تلك اللقاءات والتجمعات فرصة للتأكيد على ان القدس هي مركز هذا الجدث.
وعلى ضوء كل هذه اللقاءت كان اصدار المرسوم الرئاسي الخاص بالقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية بمعنى ان هذا المرسوم انما جاء انعكاسا للحالة الجدلية الفكرية التفكيرية لكافة الجهات والمؤسات والفعاليات العاملة بالشأن المقدسي عموما وعلى وجه التحديد للعاملين بالشأن الثقافي المقدسي.
وبالتالي عمل البرنامج وفي اطار المؤتمر الوطني الشعبي للقدس على الأسس الأتية:
• وضع خطة وطنية شاملة لادارة هذا البرنامج الوطني وتحديد الفعاليات مع رصد الميزانيات للعمل.
• اصدار مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية .
• تشكيل لجان فرعية لمساندة المشروع، وتشكيل لجان محلية في المحافظات لتوزيع الفعاليات الثقافية والتربوية والفنية والادبية، ووضع آليات محددة لذلك لتجنب اي ارتجال.
• تأطير الفعاليات والانشطة بشكل مؤسساتي
• وضع الخطط البديلة لمواجهة آليات الاحتلال التهويدية وذلك على اساس ان البرامج انما هي برامج اشتباك مع سلطات الاحتلال بشكل او بأخر.
وبالفعل كانت انطلاقة البرنامج وتم اعداد المطلوب وفقا لإمكانيات الواقع والمرحلة، وكان الاجتهاد في مواجهة الواقع الراهن، بصرف النظر عن النجاح ونسبته وثمة الكثير من العوامل التي أثرت في فعل برنامج القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية منها الموضوعي ومنها الذاتي ولعل الأسباب الذاتية تحتل المساحة الأكبر.
وفي سياق محاولة النيل من مؤسسة المؤتمر الوطني الشعبي للقدس تم تهريب برنامج القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية وسلخه عن حاضنة مؤسسة المؤتمر وبكثير من الانزعاج تلقينا هذا الفعل وهذه القرصنة، (والذي لا يمكننا الاعتراض عليه كون السيد الرئيس صاحب الحق الحصري بتشكيل اللجنة الوطنية او اعادة التشكيل والتأطير ) الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات والاستفسارات حول مغزى هذه الخطوة وتوقيتها حيث محاولة شرذمة مؤسسة المؤتمر ما بعد رحيل الامين العام المؤسس، وهل هذا التوقيت بريء ..؟؟ وما هو الهدف الفعلي ..؟؟ وهل استثناء مؤسسة المؤتمر من التشكيل الجديد للجنة الوطنية للقدس عاصمة الثقافة العربية أمرأ مقصودا ..؟؟ ام انه قد سقط سهوا ..؟؟ ولماذا لم يتم التشاور مع المؤتمر بهذا الخصوص على طريق التحضير لإستصدار مرسوما جديدا من السيد الرئيس باعادة التشكيل ..؟؟ ام ان ما وراء الآكمة ما وراءها ..؟؟ ومن هو عراب اعادة التشكيل وبأي هدف ..؟؟ والسؤال الأهم ما الذي تغيرحتى يكون المرسوم الجديد ..؟؟ لنجدنا بالنتيجة نستنتج ان ثمة أمرأ قد دُبر بليل فقط لا غير الأمر الذي حكمته المصلحة الخاصة وشخصنة الأمور ليس اكثر ...
وهنا اجدني لابد من اوضح جملية من الأمور لعل اهمها ان مؤسسة المؤتمر الوطني الشعبي للقدس لا تهدف الى استدراك الخطأ او تصحيح ما حدث بالمطلق ... ولكنها الحقيقة التي لابد من ادراكها ان تسلل برنامج القدس عاصمة دائمة من مؤسسة المؤتمر يطرح الكثير من الاسئلة والاستفسارت ..
وحيث ان القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية قد اصبح لديها لجنة وطنية جديدة وبقيادة جديدة، اجد انه لابد تعي هذه اللجنة حقيقة الواقع الثقافي في القدس التي باتت فيها المسألة الثقافية اخر ما يمكن ان تذكر بل ان الفعل الثقافي العروبي الوطني غائب تماما عن القدس وعن مشهدها العام وهذا عائد للكثير من الأسباب لعل اهمها غياب المؤسسات الثقافية المقدسية وهجرتها عن المدينة... وتوقف الفعل الثقافي المقدسي نتيجة طبيعية وفعلية لغياب الإهتمام بالقدس كما يجب ان يكون الاهتمام لا كما يتم التعاطي معها بالظرف الراهن من الناحية السياسية الخطابية الكلامية.
ان المشهد المؤسساتي في القدس اليوم في حالة تراجع متواصل واندحار حيث لا فعلا مؤسساتيا بمعنى الكلمة ولا حقيقة وجودية للمؤسسة الوطنية المقدسية الجامعة وقد يكون الاحتلال وتواصله وممارسته احد اهم اسباب هذا الغياب ولكن التقصير الفلسطيني واضح المعالم هنا سواء أكان هذا التقصير ناتج عن غياب الاهتمام الفلسطيني الرسمي بالقدس او نتيجة للتقصير غير الحكومي والشعبي اتجاه القدس وقضاياها هو احد اهم اسباب تراجع قضايا القدس وتقهقرها في اجندات اهتمامات المسؤولين الفلسطينين بالعموم وكواحدة من هذه القضايا المسألة الثقافية التي لا تلقي الحد الأدنى من الرعاية والاهتمام في القدس. فكم من صالون سياسي ادبي نملك في القدس..؟؟ وكم من ملتقى ثقافي نملك في القدس..؟؟ واين هي المؤسسات التي من شأنها ان ترعى ثقافيات القدس..؟؟ واين هم اليوم كُتاب وادباء القدس..؟؟ وما هي اخر المطبوعات والإصدرات السياسية والثقافية حول القدس..؟؟ وكم من مهرجان ثقافي تم تنظيمه في القدس..؟؟ واين هي الفنون والفلكلور المقدسي..؟؟ وما هي الخطط الموضوعة لحماية العمارة العربية الاسلامية في القدس..؟؟ ومن يسيطر على الشارع الوطني في القدس اليوم .. ويتحكم بالمسار الثقافي فيها... ؟؟ بإختصار اين نحن كفلسطينين من الحياة الثقافية في القدس..؟؟ بل هل نملك بالقدس بالفعل حياة ثقافية..؟؟ وعودة على بدء ان قرار اختيار القدس كعاصمة دائمة للثقافة العربية، قد جاء برأيي ليقرع ناقوس الخطر حول واقعنا الثقافي في القدس.. وهنا لابد من طرح سؤال لطالما ارقتني الإجابة عليه وطاردني دائما بشكل او بأخر وهو هل نملك حياة ثقافية بالقدس..؟؟ وهل هناك اي شكل من اشكال التواصل الثقافي مع واحدة من اعرق المدن الثقافية والحضارية في المنطقة..؟؟ وهل لدينا صناعة ثقافية وطنية تحافظ على هذا الموروث الحضاري الإنساني بالقدس..؟؟ اسئلة اضعها برسم من يدعي انه يقوم على الشؤون الثقافية الفلسطينية بشكل عام.
ان المسألة الثقافية في القدس وكغيرها من المسائل المقدسية تواجه حربا تهويدية لإقتلاعها من جذورها وللأسف فإن الحرب الفلسطينية المضادة بهذا السياق لا نجدها ولا نلمسها حتى بحدودها الدنيا... وقد اختصرنا قضية القدس بالمقدسات الدينية مع اهمية مقدساتنا الا اننا قد غيبنا عن الصورة الموورث الثقافي والحضاري للقدس التي لطالما لعبته القدس واسهمت ثقافيا وحضاريا بالحضارة الإنسانية بالمجمل.
ان اختيار القدس لتكون عاصمة دائمة للثقافة العربية، قد جاء ليضع جميع المؤسسات الثقافية الفلسطينية والعربية على المحك، فالقدس ليست عاصمة للفلسطينيين وحدهم، وبالتالي فإن الحفاظ على هويتها وتاريخها وتراثها هو مسؤولية العرب بل والانسانية جمعاء.
ولأن الحديث هنا عن الثقافة تحديدا فيمكن أن نقول بكل واقعية إننا بحاجة إلى أن ينهض هذا المشروع بأمتنا وثقافتها ويؤسس لمرحلة ثقافية تنتمي إلى تاريخها وحضارتها وتراثها ودينها، وأرى أن يكون أول هذه الخطوات هو إنهاء حالة القطيعة بين الثقافة والجمهور باختيار وسائل وبرامج تمكن الفرد الفلسطيني والعربي من المشاركة في إحياء هذا المشروع في كل مكان يتواجد فيه.
وعلى المؤسسات الثقافية الفلسطينية في الداخل والخارج وعلى امتداد التواجد الفلسطيني الجغرافي في فلسطين المحتلة عام 48 و 67 أن تنسق الجهود وتقترب من الهم الثقافي الواحد، وعلى وزارة الثقافة الفلسطينية أن تأخذ بعين الاعتبار التنسيق مع الجهات الثقافية الفلسطينية خارج الوطن المحتل، كما تنسق بكل فاعلية مع الوزارات الثقافية العربية، التي ستكون مفتاحا لتفعيل ثقافي في بلدانها.
وحتى يكون النجاح حليفا للبرنامج فلابد ان نبدأ من الأن وعلى وزارة الثقافة الفلسطينية وكافة الجهات المعنية وذات الاختصاص ان تباشر فعلها وعملها بهذا الاتجاه واولى هذه الخطوات برأيي يجب ان يكون من القدس ذاتها وذلك بعودة المشهد الثقافي اليها والى حواريها ومسارحها ومؤسساتها وشوارعها... فلا يعقل ان تكون القدس عاصمة للثقافة، والثقافة غائبة عنها وعن شوارعها ووبشرها وحجرها....