نشر بتاريخ: 25/09/2016 ( آخر تحديث: 25/09/2016 الساعة: 15:36 )
الكاتب: حسين حماد
بعد أن أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي نتائج الثانوية العامة للعام 2016، ذهب "نضال" فرحاً بنجاحة ومعدله الذي فاق ال80% إلى خاله "صائب"، وكان خاله صحفياً بارزاً صاحب قلم سيّال يصدع بالحقيقة دوماً، قال له يا خال أريد أن أكون مثلك، فرد الخال: اذهب وتعلم مهنة أخرى، لأني أخاف عليك مما أعاني. مشهد انساني دفع فيه الخبير من أحبه للبعد عن مهنة الصحافة، يذكرني برسم الرائع ناجي ألعلي الذي يصور رجلاً يقول لكاتب: "مقالتك اليوم عن الديمقراطية عجبتني كثير، شو عم تكتب لبكرة"؟ يردّ الكاتب الذي يضع أمامه أوراق ويمسك قلماً: "عم بكتب وصيتي".
عشيّة يوم الصحفي الفلسطيني الذي يصادف السادس والعشرون من أيلول/ سبتمبر من كل عام، لن أتناول دور الصحفي الفلسطيني العظيم في النضال الوطني الفلسطيني، وإبراز معاناة الشعب المحتل، والصعوبة التي يلقاها خلال تغطيته أو عمله في الميدان، أو عن الانتهاكات التي يتعرض لها كالقتل أو الإصابة أو الاعتقال أو الإهانة أو المنع من التنقل والحركة وغيرها من الانتهاكات. ولن أتحدث عن تعريف مصطلح صحفي، وعن تخصص العاملين في مهنة الصحافة من عدمه. ولكني سوف أتحدث عن ذلك المناضل الذي لا تقف في وجهه كل العوائق، فيكتب ويحرر وينتج ويلقي وينشر ويلتقط الصور. لماذا لم يتغلب على أوجاعه الداخلية، ويعجز عن تحقيق مطالبه؟
يعاني مجتمع الصحفيين من عدة ظروف تؤثر على عملهم الصحفي، في المقدمة يأتي ضعف النضال المطلبي لهم مطالبةً بحقوقهم، وهذا الضعف يعود بالضرورة لضعف الجسم الصحفي الفلسطيني المتمثل بنقابة الصحفيين، فتحكم ذوي السلطة والنفوذ في القرار المهني منع وحدة هذا الجسم بداعي الانقسام أو بدواعي أخرى. كل منا له ميوله وانتمائه السياسي، ولكن كم عدد الذين يجعلون المهنة أعلى من تفكيرهم الفئوي؟ سؤال يجب أن يطرحه كل صحفي على نفسه، أعتقد أن الفصل بين العمل والانتماء السياسي والمهنية مشكلة يصعب حلّها في مجتمعنا الفلسطيني، ولا أقصد الموضوعية أو الحيادية، بل أقصد تغليب المصلحة. كما يضاف لدور النضال المطلبي ودور النقابة جملة من المعوقات القانونية والسياسية والاجتماعية التي تحول دون نيل الصحفيين حرياتهم الصحفية، منها:
• ضعف قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني ومطاطيته، وتشتت الصحفي بين أكثر من قانون خاصة قانون العقوبات الثنائي (المصري والأردني) المطبق في المحافظات الشمالية والجنوبية، تأخر الرئاسة الفلسطينية والمشرّع الفلسطيني في إقرار قوانين جديدة تنظم المهنة وتحمي الصحفيين وتكفل حرياتهم.
• ضعف المستوى المعرفي للصحفيين الفلسطينيين أنفسهم بحقوقهم وواجباتهم، وحرياتهم المكفولة قانوناً، وبالمواثيق الدولية التي تكفل تلك الحريات، لأسباب متعددة قد يكون هو سببها أو مؤسسته أو النظام السائد.
• الرقابة الذاتية التي يفرضها الصحفي على نفسه، فيرسم بها حدوداً أقل من تلك التي ترسمها له القوانين، لأسباب قد تعود لانتمائه السياسي أو لطمعه في نيل رضا مسئوله أو أشخاص آخرين.
• سكوت الصحفي عن المطالبة بحقه عند الاعتداء عليه، تلبية لرغبة فصيله أو عائلته أو مؤسسته، ما جعل منها عرضة دائمة للانتهاك والتعدي.
ويعود ربطي الأسباب السابقة لغياب النضال المطلبي المرتبط بهشاشة الجسم الصحفي الذي يشكل الدرع والسيف لجموع الصحفيين، لأن ذلك من وجهة نظري هو السبب الحقيقي لمواصلة التعديات على الصحفيين، الذين لو وجدوا المؤازرة والمساندة الحقيقية من أنفسهم قبل الغير، لما تجرأ أحد بالاعتداء عليهم، فكم منكم انتهكت حريته في الرأي والتعبير، أو حريته في الوصول إلى المعلومات وإشاعتها ونشرها، أو حقه في الاحتفاظ بسرّية مصادره الصحفية، أو حقه في إنشاء وتملك وسائل الإعلام، هناك الكثير، ولكن قائمة المسكوت عنه طالت وستطول.
فلا تستغربوا موقف الصحفي المرموق صائب في دفع ابن شقيقته الحبيب عن مهنة المتاعب، فهو الذي يعلم الحقيقة، فالحقيقة أيها الأعزاء أن المشكلة تكمن في الصحفي نفسه، عندما يقرر مواجهة نفسه والأوضاع الداخلية والانقسام السياسي وانهاء معاناته الظلم وقمع حرياته المكفولة قانوناً، سوف يغدو أسداً جامحاً يواجه عدوه بكل شراسة، فلن تتزايد المعوقات ولن تتكاثر التقييدات على عمله، فسوف يسنّ قلمه ويوضح صورته ويستمر بعمله بمهنية عالية، تسهم في وقف انتهاكات الاحتلال بحق أبناء شعبه من خلال فضحها، وتضع حداً للفاسدين وتكشفهم، ويحارب كل من يسيئ استغلال النفوذ والسلطة.