الكاتب: شفيق التلولي
لما هبّت رياح أيلول وأخذت تتساقط أوراق الورد الجوري والغزاوي الذي يُزيّنُ شرفتي تذكرتُ وردة جورية حمراء كانت قد أهدتني إياها أختي قبيل أن يحط الصيف... وقتئذٍ همست في أذني لا تنسى يا مُنيب أن تُسقي وردات الربيع، تذكّر يا أخي بأنني أحب الشتاء لأنه يلون بالماء هذه الوردات، إليك منهن واحدة، احفظها جيدا،ً ربما تشتد حرارة الصيف، لا تتركها تجف من حزنها... أسرعتُ إلى دفتر مذكراتي أتفقد الوردة؛ لم أجدها... نسيتُ بأن الصيف قد أوشك وحلّ الخريف، ونسيتُ بأن الغارة المشؤومة سحقت مذكراتي واحترقت، نسيتُ بأن تلك الطائرة المسعورة قد أمطرتها بوابل من قنابل الموت والدمار، يوم أن اشتعل الصيف قصفاً، وامتلأت السماء بغيوم الدخان، وغطى الدم ساحة بلدتنا الرئيسية، بينما يصدح مؤذن المسجد العمري يكبّر وينادي أهالي جباليا أن حيا على الجهاد... يومها هرعتُ إلى تلك الساحة ولم أكن أحسب بأن أجد ماجدة بين شبل وزهرتين أشلاء متناثرة بعدما حصدتهم آلة الحرب المستعرة، صرختُ بملء حنجرتي لا تموتي يا أُختاه أنا مثلك أحب الورد، وأنتظر من أجله الشتاء... سقطتُ من صدمتي مغشياً... صحوتُ بعد أن رشني نمر الجزار على وجهي بقليلٍ من الماء... مضت سيارة الإسعاف مسرعة تعض الطريق، وتركت خلف عجلاتها بقعة من دم وبقايا أطراف التصقت بالأسفلت ونصر من جثث وحطام ووردة تحت الركام، ومؤذن عمره ثلاثة حروب وعقد من الظلام وثلاثين عاماً من الوهم والسراب.