نشر بتاريخ: 27/09/2016 ( آخر تحديث: 27/09/2016 الساعة: 11:10 )
الكاتب: هاني المصري
ستعقد حركة فتح في الأيام القادمة سلسلة من الاجتماعات للجنة المركزية، وللمجلسين الثوري والاستشاري، ولأمناء سر الأقاليم؛ للبحث في الأوضاع الراهنة بعد ما عُرِف بخطة "اللجنة الرباعية العربية "، التي تضمنت الدعوة إلى وحدة "فتح" من خلال إعادة المفصولين، وعلى رأسهم محمد دحلان. وهذا ما رفضه الرئيس محمود عباس مدعومًا باللجنة المركزية. ومن المتوقع حصوله على الدعم من بقية الأُطر الحركية، لأن عودة دحلان تشعل معركة الخلافة وتسرّعها، وتزيد من مخاوف الرئيس من أن يكون مصيره مثل مصير سلفه.
وأشارت مصادر حركيّة فتحاوية في تصريحات علنية أن هناك نية لعقد مؤتمر "فتح" السابع، الذي تأخر عقده كثيرًا، في موعد أقصاه قبل نهاية العام، بهدف ترتيب أوضاع الحركة، وإغلاق الباب نهائيًا على التدخلات الخارجية، خصوصًا المتعلقة بعودة دحلان.
في المقابل، دعا دحلان إلى عقد لقاء وطني بعيدًا عن الحوارات الثنائية. وأشارت معلومات متعددة إلى أن التحضير جارٍ لعقد هذا اللقاء في القاهرة خلال الأيام القليلة القادمة، وسط أنباء متضاربة عن موافقة القاهرة من عدمها على استضافته.
أبحث في هذا الأمر لأن "فتح" ليست شأنًا خاصًا بأعضائها، فما تقرره وما لا تقرره لا يتعلق بها فقط، بل يرخي بآثاره الإيجابية أو السلبية على الوضع الفلسطيني برمته. فـ"فتح" أول الرصاص وأول الحجارة والعمود الفقري لمنظمة التحرير التي قادت الثورة الفلسطينية لعشرات السنين دون منافس، إلى أن تأسست حركة حماس وأخذت تنافس "فتح" على القيادة والتمثيل بعد اغتيال ياسر عرفات، أبو الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وتحديدًا منذ الانتخابات التشريعية الثانية العام 2006، التي حصلت فيها "حماس" على عدد من المقاعد أكبر بكثير من "فتح"، بالرغم من حصول "فتح" على عدد أكبر من المصوتين على مستوى الدوائر الفردية.
كما قادت "فتح" السلطة منذ تأسيسها، ما يضع عليها المسؤولية الأساسية عمّا انتهت إليه الأمور لجهة تأبيد سلطة الحكم الذاتي إلى إشعار آخر، بعد انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها "اتفاق أوسلو" في أيار1999 ولا تزال مفتوحة حتى الآن.
قبل الحديث عن عقد المؤتمر السابع لحركة فتح، يجب التوقف للإجابة عن سؤال: لماذا عَقْد المؤتمر، ولماذا توحيد "فتح"؟
هل من أجل إعادة إنتاج الوضع القائم وتكرار الأخطاء، أم من أجل إعادة بعث الوطنية الفلسطينية التي جسدتها حركة فتح، وضاعت في دهاليز "اتفاق أوسلو" والتزاماته المجحفة والظالمة، وفي نفق المفاوضات المظلم التي تم التعامل معها كخيار وحيد وإلى الأبد، أو الخيار الرئيسي الذي يبقى الحنين إليه حتى بعد وصوله إلى طريق مسدود منذ زمن بعيد، أم من أجل استمرار الغرق في امتيازات "السلطة" التي بلا سلطة كما يقول دائمًا صائب عريقات، والتي توظفها إسرائيل للتغطية على استمرار الاحتلال المربح، ولقطع الطريق على فتح واعتماد خيارات أخرى؟
لقد خسرت "فتح" كثيرًا عندما ذابت كليًا في السلطة و"نعيمها"، لدرجة لم نعد نعرف أين تبدأ "فتح" وأين تبدأ السلطة، ما أدى إلى فقدان "فتح" الكثير مما كان يميزها، وأصبحت الرتبة والراتب يطغيان على المناضل، وصاحب الإرادة الفاعلة والمبادرة والرؤية الواقعية. كما أصبحت السلطة بعد تضخّم دورها، وتقزّم دور المنظمة إلى ما يشبه الشلل، تقود باسم "فتح"، وتستند إلى شرعيتها التاريخية والنضالية، ووزنها الجماهيري الراهن، دون أن تكون "فتح" هي القائدة الفعلية لها.
فإذا كانت "فتح" ستعقد مؤتمرها من أجل تكريس مسار أوسلو الذي أوصلنا إلى الكارثة التي نعيشها، أو إلى الهبوط بالسقف الفلسطيني أكثر، استجابة لتدهور السقف العربي جراء ما يحدث في المنطقة العربية منذ سنوات؛ فلسنا بحاجة إليه.
"فتح" والشعب الفلسطيني بحاجة إلى مؤتمر "فتح" ومؤتمرات مماثلة لكل الفصائل والأحزاب، وعقد مؤتمرات وطنية وشعبية، تصل في النهاية إلى عقد المجلس الوطني بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، لإقرار البرنامج السياسي الجديد، وانتخاب القيادة الوطنية الجامعة. وتهدف هذه العملية إلى مراجعة التجارب الماضية، واستخلاص الدروس والعبر، وتغلق الأبواب جميعها على الخيارات والإستراتيجيات التي اعتمدت سابقًا ولم تحقق الأهداف المتوخاة، وتجيب عن سؤال: لماذا لم ينتصر الشعب الفلسطيني بالرغم من النضالات المستمرة والتضحيات الغالية منذ أكثر من مائة عام؟
صحيح أن الشعب الفلسطيني لم ينتصر، ويعاني من الانقسام وفقدان الخيارات والبدائل لدى القيادة الفلسطينية الحالية والقوى الأساسية، لدرجة باتت تهدد هذه الحالة القضية والوطن والشعب بمخاطر بصورة لم يسبق لها مثيل، ولكن قضيته لا تزال حية بالرغم من تراجع حضورها في الأعوام السابقة، ولا يزال نصفه على أرض وطنه، ولا يزال بمختلف أطيافه وتجمعاته مصممًا على رفض الاستسلام، وعلى الكفاح من أجل إنجاز حقوقه وأهدافه مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
ومن يشكك في ذلك، عليه أن ينظر إلى بعث الهوية الوطنية كما يظهر النهوض الثقافي والفني في الأغنية، والشعر، والرواية، والرسم، والرواية، والفنون الشعبية، والمراكز البحثية، والإبداعات والإنجازات الفردية، والصمود الأسطوري في الأرض المحتلة، وإلى المقاومة الباسلة بكل أشكالها الشعبية السلمية والمسلحة، الفردية والجماعية، إضافة إلى المقاطعة بكل أشكالها لإسرائيل التي تقض مضاجعها، ومفتوحة على مستقبل واعد إذا اعتمدت كخط إستراتيجي تُسخّر له كل الإمكانيات الرسمية والشعبية، وليس التعامل معها بوصفها تكتيكًا، أو من خلال التمييز بين مقاطعة إسرائيل ومقاطعة المستوطنات، وكأن إسرائيل ليست الدولة الاستعمارية العنصرية التي تحتل الأرض الفلسطينية وتجسد الاستيطان.
تأسيسًا على ما سبق، الوحدة الفتحاوية ضرورية وخطوة إلى الأمام إذا جاءت لاعتماد برنامج جديد قادر على توحيد "فتح" والشعب الفلسطيني، بصورة تستجيب لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، وقادرة على توظيف الفرص المتاحة.
ما عطّل مؤتمر "فتح" حتى الآن، وما يعطل عقد المجلس الوطني بصيغته الحالية أو الجديدة، هو الحرص على تفصيل النتائج على مقاس أشخاص أو مصالح فردية بدلًا من الانفتاح على مختلف الآراء والتيارات، والحرص على التجديد والتغيير، وأن تتسع مروحتها لتستجيب لمصالح الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وأفراده وتجمعاته. وعندما يتم الانشغال ببلورة الرؤية الوطنية الشاملة القادرة على فتح مسار جديد، وعلى كيفية التقدم على طريق تحقيق الأهداف الوطنية التي لم تحقق حتى الآن؛ عندها تُبعث "فتح" من جديد، أو من يتقدم لحمل راية الوطنية الفلسطينية في المرحلة الراهنة.
ففي ظل اعتماد القيادة الفلسطينية الحالية على سياسة البقاء والانتظار، والرهان على المتغيرات القادمة والمجهول الذي لن يأتي أبدًا وحده ومن تلقاء نفسه، فسنسير من السيئ إلى الأسوأ، فهناك دائمًا ما هو أسوأ، ولم نصل إلى القاع كما يتبين من التدهور المستمر؛ لن يكون التغيير الحقيقي والبديل المطلوب التحرك في الاتجاه المعاكس، وكأن في مجرد الحركة بركة. لا أبدًا، فليس هذا هو الذي يحتاجه شعبنا، وإنما هو بحاجة إلى التحرك للأمام مسلحًا بعدالة القضية وتفوقها الأخلاقي، وتصميم الشعب على تجسيدها، وعلى المكاسب والإنجازات المتبقية، وعلى قدرة الشعب الفلسطيني على صنع المستحيل.
فعلى الرغم من تفوق قوة إسرائيل وقدرتها وتحالفاتها الدولية، خصوصًا مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن هناك عناصر ضعف كبيرة داخلها ظهرت مؤخرًا، رغم البيئة الخارجية الذهبية لإسرائيل، ويمكن أن تظهر بصورة أفضل إن تسلح الفلسطينيون بالرؤية الوطنية والواقعية والبرنامج المناسب، وأعادوا بناء مؤسساتهم في السلطة و"الدولة" والمنظمة بما يناسب الخبرات المستفادة والحقائق الماثلة والمتغيرات المحتملة.