الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

على حق حتى ولو اخطأنا !

نشر بتاريخ: 03/10/2016 ( آخر تحديث: 03/10/2016 الساعة: 15:27 )

الكاتب: فتحي كليب

عندما تتعقد الازمات ببعديها الداخلي او الخارجي وتصل الى الامور الى طريق مسدود، يتقدم الحوار باعتباره الوسيلة الامثل لحسم الامور الخلافية والصراعية بشكل عقلاني وبلا غالب او مغلوب في غالب الاحيان.. هذا ما حدث خلال جميع الازمات التي شهدتها الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها، غير ان حل تلك الازمات لم يستغرق سوى اسابيع او اشهر على الاشهر، بينما الازمة تبدو انها تستعصي على الحل، والسبب هو ان الحل في السابق كان يتم في الاطار الوطني، اي انه كان محلي الصنع، على عكس ما يحصل اليوم، لجهة تعدد الاطراف الاقليمية والدولية سواء المسببة او المساهمة في تفاقم الازمة الداخلية الفلسطينية وقدرة هذه الاطراف، كما بينت التجارب السابقة، على تعطيل اي حل لا يخدم مصلحتها..

في حالتنا الفلسطينية الراهنة، فإن مشاكلنا ومأساتنا كثيرة ولا حصر لها، سواء على مستوى المفاوضات التي وصلت الى حائط مسدود او على مستوى العلاقات الداخلية التي باتت تؤثر سلبا ليس فقط على جميع تجمعات الشعب الفلسطيني، بل وعلى كل عناوين القضية الوطنية الفلسطينية، بحيث بات الشعور الذي يتنامى باستمرار لدى الفلسطينيين بأن الحالة السياسية الفلسطينية، سلطة ومنظمة وفصائل ومؤسسات مجتمعية، عاجزة عن توفير الحماية والغطاء السياسي لهم، ورغم ذلك فهناك من يصم اذنية عن رؤية او سماع هذا الواقع، كمن يضع رأسه في الرمال، غير آبه بكل ما يحدث. وعندما يحاول البعض، مجرد محاولة، تسليط الضوء على هذه المعضلات، وان كان من باب الانتقاد الحاد احيانا بحدة الازمة التي نعيش، عله يساهم في تصويب البوصلة، تأتي حملات الدفاع الاعمى الفارغة من اي مضمون، لا بل المشككة في صدقيته واحيانا وطنية من ينتقد، وهذا كلام ينطبق على قيادة السلطة ومنظمة التحرير وعلى قيادة حماس ايضا باعتبارهما يملكون مفتاح اي حل مفترض..

الانظمة العربية التي انهارت ومعها احزابها وبعض رموزها عاشت مثل هذه التجربة، لدرجة ان الاحزاب الحاكمة كانت دائما هي المحقة وكل فئات الشعب على خطأ، وصوت الرئيس لا يجب ان يعلوه صوت، فهو الشرعي والقانوني والذي يستمد شرعيته من حب الجماهير التي صوتت له بنسبة 99.9 ، لكن الغرابة، وهي ليست غرابة بالمعنى السياسي، ان هذه الانظمة عندما انهارت لم تجد احد من الملايين تدافع عنها وتنقذها من غضب ملايين الحناجر التي هتفت بسقوطها ..

كما في كل مفصل دقيق، عندما يعجز الحزب والزعيم عن ايجاد الحلول للمعضلات الكبرى ويتخذون من السياسات التي تتنافى ومصلحة غالبية الشعب، تستحضر جوقة الهتيفة المدافعة عن تلك السياسات التي وان لبست لبوس الاستعمار والاحتلال الداخلي والخارجي الا ان خلفيتها وطنية وهي حكما تخدم الشعب طالما الرئيس وربعه ارادا ذلك، حتى ولو كانت تلك السياسات تذبح القضية وتقتل الشعب، وحتى لو كانت تجرح الآلاف من عائلات الشهداء والجرحى والمعتقلين والثكالى والمساكين من اللاجئين والمهجرين الذين يعدون بالملايين ولا يجدون من زعامة سوى في بيانات وتصريحات ومواقف لم يعد احد يهتم لها او يعرها التفاتا.. وكم من القرارات الارتجالية والخاطئة التي اتخذت بشكل تفردي وفي غالب الاحيان من وراء ظهر المؤسسات الوطنية، بل من السياسات القاتلة والمريرة اقرت وطبقت باسمك ايتها المصلحة الوطنية!

هم ليسوا بالكثر الذين انبرو للدفاع عن خطوة رئيس السلطة ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المشاركة في جنازة الارهابي المجرم شيمعون بيريس، لكن من ادلى بدلوه من اولئك الذين حاولوا الدفاع عن الخطوة لمجرد ان الرئيس صاحبها، بدوا بمظهر المحبين الذين يقدمون ولاءهم لرئيسهم الكبير فالاكبر منه، لكنهم بمعظمهم لم يوفقوا في ردودهم الدفاعية، وجاءت الردود مجرد تعابير انشائية تتكرر بشكل دائم وخالية من اي مضمون، بحيث لم يجب احد على سبب حملات النقد والاتهامات التي ساقها البعض، خاصة تلك الاتهامات الموضوعية البعيدة عن التجريح الشخصي: ما هي حيثيات واسباب المشاركة في جنازة الارهابي المجرم شيمون بيريس؟ فلم يخبرنا احد كيف نخدم القضية بمثل هذه المشاركة ؟ بل ان بعضهم اعتبر ان الرئيس بهذه المشاركة اثبت انه من القادة الحكماء الذي عرفوا كيف يضعون اسرائيل في الزاوية، فيما اعتبر آخرون ان الابواق الداعمة لاسرائيل كانت ستنطلق محرضة ضد سيادة الرئيس لو لم يشارك، وكأن المشاركة ستخرس هذه الاصوات وستجعلها اكثر قربا من قضيتنا.. واليوم نحن ننتظر هؤلاء ليخبرونا بعد انتهاء القصة، المشكلة - السبب، هل سكتت تلك الابواق عن بث سمومها وتحريضها ضد الشعب الفلسطيني وهل احرجت بمثل هذه المشاركة لدرجة ان العالم اصبح محرجا في طريقة المعايير المزدوجة التي يتبعها حيال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي؟ اليس هو المنطق نفسه الذي نسمعه منذ العام ١٩٩٠ حول طريقة تعاطي الفلسطينيين مع العملية السياسية، اما آن الاوان لقراءة موضوعية لسياساتنا واستراتيجياتنا تجاه كل تفاصيل الموضوع الفلسطيني الاسرائيلي وما حوله من تحالفات محلية وعربية ودولية ؟

بعضهم وضع اصبعه على جرح المشكلة والمأساة التي نعيش، في لحظة دفاعه عن خطوة الرئيس بقوله ان هناك هيئات وطنية يمكن ان تناقشوا في اطارها وداخلها كل مشاكلنا وتعرضون ملاحظاتكم دون اللجوء الى الاعلام ودون ان نعري بعضنا بعضا. وهذه مسألة غاية في الاهمية، إذ ان جميع القضايا الوطنية خاصة المصيرية منها ينبغي ان تناقش في الاطر الوطنية المعنية سواء على مستوى منظمة التحرير او السلطة الفلسطينية، لكن السؤال هنا ماذا لو اتخذت هذه الاطر قرارات مخالفة لرأي الرئيس، هل سيتم الالتزام بها وتطبيقها، ام ستبقى حبرا على ورق كما حصل مع عشرات القرارات ليس آخرها قرارات المجلس المركزي، الذي يعتبر الهيئة التشريعية والقيادية الاولى على مستوى المنظمة بعد المجلس الوطني، حيث اتخذت قرارات صريحة وواضحة لا لبس فيها بوقف التنسيق الامني مع الاحتلال الاسرائيلي وباعادة النظر باتفاقية باريس الاقتصادية، فأين هي هذه القرارات ولماذا لم تطبق حتى هذه اللحظة..؟

عندما هتفت الجماهير الفلسطينية مستقبلة الرئيس الراحل ياسر عرفات امام مقر المقاطعة في رام الله بعد عودته من مفاوضات كامب ديفيد " بالروح بالدم نفديك يا بو عمار" قاطعها الرئيس ليهتف :" بالروح بالدم نفديكي يا فلسطين"، كم نحن بحاجة الى قادة حكماء يقرأون جيدا طبيعة المرحلة ومخاطرها، وهي مخاطر لا يمكن لزعيم او رئيس او حزب مواجهتها بمفرده، بل تتطلب اكتاف الجميع ومشاركة الكل الفلسطيني في تحمل اعباء وتبعات قرارات مصيرية تجمع شمل الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله وهيئاته وشرائحه الاجتماعية، فهذا ما يجب ان نتوافق عليه وندير نقاشنا بشأنه لنصل الى قرارات وتوجهات تعكس الشراكة الوطنية الحقيقية بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني على اننا حركة تحرر وطني لا تنفعنا قوانين الاكثرية والاقلية ولا تعنينا توجهات اللجان العربي والدولية ولا تحمينا وعود الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي، على اهمية ان نسعى لبناء اوسع مروحة ممكنة من التحالفات العربية والدولية، وعلى اهمية اجراء الانتخابات ايضا، واعتماد قوانين حركات التحرر العالمية التي انتصرت قبلنا على ارضية التوافقات والتقاطعات بين جميع المكونات الوطنية وليس التفرد والاحتكار والإقصاء والغاء الآخر من منطلق " من ليس معي فهو ضدي".