الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التعليم العالي الفلسطيني والازمه الحقيقيه!

نشر بتاريخ: 05/10/2016 ( آخر تحديث: 05/10/2016 الساعة: 10:35 )

الكاتب: عقل أبو قرع

قبل عدة أيام، انعقد مؤتمر مؤسسة "مواطن" الفلسطينيه، والذي كان بعنوان " التحديات المركبه أمام الجامعات الفلسطينيه: هل من مخرج؟"، وكان واضحا من خلال العروضات التي تم تقديمها أو من خلال النقاش، الازمه العميقة التي يعيشها التعليم العالي الفلسطيني، سواء من حيث المدخلات، اي نوعية الطلبة والهوية والثقافة المجتمعيه والتفكير الاكاديمي والبحثي، أو من خلال المخرجات، أي الخريجين ومدى ملائمتهم لاحتياجات البلد والمجتمع وسوق العمل، أو من حيث نوعية وكمية الابحاث ومكان نشرها أو ملائمتها للنشر، أو من حيث مدى أنخراط مؤسسات التعليم العالي في المجتمع، من اجل حل مشاكلة أو المساهمه في توضيح اولوياتة، اسوة بمؤسسات التعليم العالي في بلدان أخرى.

وكان هناك نوعا من شبه الاجماع من خلال الاوراق المقدمة، سواء من خلال الجهات الرسمية، او الجامعات، او مؤسسات مجتمع مدني، أو من خلال باحثين وأكاديميين، على اهمية التغيير، أو ضرورة البدء في التغيير في مفهوم التعليم العالي في بلادنا، سواء من حيث الهوية، أو من ناحية النظره المجتمعية، أو الكمية أي كمية الطلبة الذين يدخلون التعليم العالي سنويا، والذين يقدرعددهم بحوالي 60 الف طالب سنويا، أو من حيث التركيز على البحث العلمي، وأهمية التوجه أكثر وأكثر نحو مفهوم الجامعه البحثيه، اي الجامعة التي تبحث قبل أن تدرس وليس العكس، أي الجامعة التي تتجه نحو العالميه، أو من ناحية التخلص من التخصصات المكرره وعديمة الجدوى، أو من ناحية تفعيل مجلس التعليم العالي، أو سن قانون جدديد عصري للتعليم العالي الفلسطيني، أو من ناحية دمج التوجه نحو التعليم المهني والتقني بشكل استراتيجي في المجتمع، أو فيما يتعلق بمفهوم الجامعة العامه والخاصه أي التجارية والجامعه الحكوميه، أو فيما يتعلق بحاجاة البلد والمجتمع الى جامعات جديده، سواء أكانت خاصة أو غيرها؟

ومن ضمن الارقام المزعجه، بل المربكه، التي تم تقديمها خلال المؤتمر، أن احدى الجامعات العريقه أو المرموقه، لم تستطع تعبئة المقاعد التي حددتها للطلبة الجدد لهذا العام، واضطرت الى خفض معدل القبول الى ال 65% من اجل قبول ال 3000 طالب جديد، ورغم ذلك لم تستطع جذب هذا العدد، والسبب الاساسي لهذا العدد الكبير هو التركيز على ألاقساط من الطلبة لحل الازمة المالية، أو لحلحلة العجز في الميزانية التي تعاني منه، وما ينطبق على هذه الجامعه، من الواضح أنه ينطبق على الجامعات الاخرى، والتي على ما يبدو أنها بدأت وقبل سنين باتباع هذه السياسه، اي بتخفيض المعدل الى ال 65% ، وزيادة اعداد الطلية في المسار الموازي، اي الذين يدفعون الضعف من الاقساط، وهذا ما يفسر دخول حوالي 60 الف طالب جديد مؤسسات التعليم العالي سنويا، وما لذلك من تبعات على النوعية والجودة وعلى الاعداد في الشعبة ومستوى البحث العلمي والعطاء الاكاديمي ونسب البطاله وما الى ذلك؟

ومن ضمن الارقام المزعجه التي تمت الاشاره اليها كذلك، ان نسبة البطالة عند خريجي العلوم الانسانيه والتربويه والاجتماعية من جامعاتنا تصل الى حوالي 70% من الخريجين، وأن مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني تقوم سنويا بزج حوالي 40 ألف خريج متنوع الى سوق العمل، يجد منهم فقط وكحد أقصى 9 الاف خريج العمل، في القطاعين العام والخاص، وأن ربع الطلبة الجدد يتوجهون الى التخصصات التجاريه والادارية، بعيدا عن التخصصات العلميه، التي بعضها في الطريق الى الاغلاق، وأن نسبة الاناث تتجاوز ال 20% نسبة الذكور في مؤسسات التعليم العالي، مع العلم ان نسبة الاناث أو النساء الخريجات في سوق العمل لم تتجاوز ال 16% من النسبة الكلية للعاملين؟

وهذا يعكس الازمة أو الشرخ الكبير الموجود بين مخرجات التعليم العالي والمجتمع، حيث في كل عام أو فصل دراسي، يلتحق الالاف من الطلبة في تخصصات مكررة في الجامعات الفلسطينية، وهم يعرفون ان فرص ايجاد عمل في هذه التخصصات، هي فرص ضئيلة أو معدومة، وتعرف كذلك الجامعات والوزارة ان المجتمع الفلسطيني قد اصبح مشبع أو وصل الى درجة فوق الاشباع في هذه التخصصات وبالتالي لا حاجة اليها، أو على الاقل لا حاجة اليها في كل الجامعات، وان بقاؤها قد اصبح عالة على المجتمع ويعكس سؤ التخطيط او الادارة من قبل الجامعات والجهات المسؤولة وكذلك يظهر عدم الاهتمام بمستقبل الخريجين وبحاجات المجتمع، حيث اضحى الاهتمام فقط بالكمية، اي أعداد الطلبة وبالتالي الاقساط والامور المالية، والتي تهدف الى حل ازمة الجامعات المالية.

ويعكس الازمه في نظرة المجتمع المتجذرة نحو التعليم ألاكاديمي ونحو التعليم المهني والتقني، أو التعليم غير الاكاديمي، الذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر من مصادرها وتخطيطها، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول، ورغم الحديث الكثير عنة في بلادنا، الا ان القليل قد تم من اجل تشجيع الاقبال علية، أو من اجل خلق الفرص والامكانيات من اجل توجة الطلبة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي وبعيد المدى، سواء من حيث الكم اوالنوع مع احتياجات المجتمع، حيث في بعض دول العالم ، يقبل غالبية الطلبة على التعليم المهني والتقني، وبدون حساسية او الشعور بأنة تعليم من الدرجة الثانية، وتستثمر الدولة والقطاع الخاص فية، وتتسابق الصناعة والشركات على خريجية، ويجد الخريجين فرص عمل، ولا تبلغ نسب البطالة عند الخريجيين تلك النسب التي تنطبق على خريجي الجامعات في بلادنا.

وكان واضحا كذلك ألازمه فيما يتعلق بالنظرة الى " مجلس ألتعليم العالي" الفلسطيني، أو الى دوره وأهميته، حيث أصبحنا نسمع عن أسم " مجلس ألتعليم ألعالي ألفلسطيني"، فقط حين يكون هناك أجتماع ما لهذا ألمجلس، والذي أصبح يتم كأجراء روتيني، بدون أي تدخل أو وجود حقيقي على ألارض، أو وجود فيما يتعلق بإحداث التغيير ألجذري ألمطلوب، والذي ينادي به ألجميع، ألتغيير في ألاستراتيجيات وفي ألسياسات وفي ألمسارات وفي ألتطبيق لذلك، فيما يتعلق ب ألتعليم ألعالي ألفلسطيني، وفيما يتعلق بأحتياجات المجتمع من هذا ألتعليم، وفيما يتعلق بمسارات ألتنمية ألخاصة بنا وبأقتصادنا، والذي يعتبر ألتعليم ألعالي وأفرازاتة، أهم ألدعائم لها.

حيث صحيح ان المجتمع الفلسطيني يمتلئ بمؤسسات التعليم العالي وبكل الانواع من العامه والخاصه والحكوميه، ولكن صحيح كذلك اننا لم نواكب التقدم النوعي في التعليم العالي الذي حصل ويحصل في العالم، من حيث التركيز اكثر على الاولويات والاحتياجات، التي تتغير بسرعة، ومن حيث ادراك اهمية الابحاث أو الصبغه البحثيه للجامعه، وتطبيقات الابحاث في المجتمع، وبالتالي العلاقة مع القطاع الخاص، ومع المجتمع المدني، ولكن ورغم مواصلة الاقبال على التعليم العالي عندنا، الا ان السؤال الاهم والاكبر والذي يدور في تفكير كل فلسطيني او فلسطينية تدخل التعليم العالي هو هل ما الذي سوف يتم اكتسابه خلال سنوات التعليم والذي يمكن ان يؤهلة أو يؤهلها الى دخول سوق العمل، والمنافسه بجدارة، سواء في السوق المحلي أو على مستوى العالميه؟

وكان من الواضح كذلك، انه ورغم المناشدات والتصريحات والوعود باصلاح أو على الاقل بمراجعة فلسفة واهداف التعليم العالي في بلادنا، الا ان ذلك لم يحدث، سواء من خلال المستوى الرسمي او غيرة، وبات النمط التقليدي، او المسار الذي اعتدنا علية، سواء من حيث التخصصات او المعايير او توفير المصادر والامكانيات للبحث العلمي، او من حيث ربط التعليم العالي مع احتياجات المجتمع، او على الاقل مع تطلعات القطاع الخاص في بلادنا، بات هذا النمط هو السائد، وما زالت النظرة الى التعليم العالي على انة فقط لقضاء اربع سنوات او اقل او اكثر، ومن ثم الحصول على شهادة وعلى وظيفة أو مكانه أجتماعية ما اذا امكن.

ورغم مواصلة افتخار المجتمع الفلسطيني بأنة مجتمع متعلم ويملك الكثير من مؤسسات التعليم العالي في بقعة صغيرة ولعدد قليل من السكان، الا ان عدم التطورفي مفهوم التعليم العالي ونوعيتة، وبالاخص من خلال المعايير العالمية التي يتم تصنيف الجامعات علي اساسها، وهي البيئة الاكاديمية التي تشمل نوعية الطلبة والعاملين والمنهاج والاسلوب، وكذلك نوعية الابحاث والدراسات، وكذلك مدى استفادة المجتمع او استخدام الناس للابحاث، ومستويات الابتكار و الابداع او التجديد، اذا لم يتم اخذ هذه المعايير بعين الاعتبار، سوف يبقى التعليم العالي الفلسطيني بعيدا عن ما يتم من تطور في العالم، وسوف تبقى الجامعات الفلسطينية تعمل لايجاد حلول سطحية لازماتها المالية وغير المالية.

وفي ظل هذه الصور القاتمة، والازمه الحقيقيه التي يواجهها التعليم العالي الفلسطيني، والتي أجمع عليها المتحدثون في المؤتمر، لم تبرز او تم تقديم اطروحات عملية واقعيه، أو خطط محددة للبدء بالتغيير، سواء من خلال الوزاره أو مجلس التعليم العالي، أو من خلال الجامعات، أو من خلال المؤسسات المدنيه والبحثيه ألاخرى، وكان من الواضح أن الجميع يدور في دوامة الواقع الحالي، والقاء اللوم هنا أو هناك، والتباكي على الماضي، والامل أو التمني بأن نصل الى ما يتم في بلدان أخرى فيما يتعلق بالجامعات والطلبه والابحاث والعلاقة مع القطاع الخاص والتمويل والازمات المالية، والتعليم العام وامتداداته الى التعليم العالي، والتعليم المهني والتقني وأهميتة، والثقافة المجتمعية، التي ما زالت تنظر الى التعليم بمنظار اجتماعي اسري فردي ضيق، وكان من الواضح من خلال هذا المؤتمر ضرورة البدء وفورا بوضع الخطط العملية الواقعية التي تناسبنا، من أجل الخروج من مستنقع يتفق الجميع على تعمقه وتجذره بشكل بات يهدد الانجاز الاكبر للمجتمع الفلسطيني ألمتمثل في التعليم العالي.