نشر بتاريخ: 05/10/2016 ( آخر تحديث: 05/10/2016 الساعة: 10:42 )
الكاتب: د.اسماعيل تلاحمة
شهدت مصر خلال ما يعرف من تاريخها منذ سبعة آلاف عام تغيرات كبيرة في جغرافيتها وبنيتها الشعبية والدينية والثقافية والسياسية ، فبلغت مساحة مصر في أوج قوتها خمسة أضعاف ما هي عليه اليوم ،حيث شملت السودان وأجزاء من ليبيا وبلاد الشام وحتى أجزاء من الجزيرة العربية ، كما أنها شهدت عصورا من الاضمحلال والتراجع توجت باحتلالها عدة مرات من محتلين خارجيين كالهكسوس والرومان والاغريق قديما والفرنسيين والبريطانيين حديثا ، في مصر يعرف أسماء حكامها وعائلاتهم الحاكمة بالتفاصيل منذ ما يزيد عن 5000 عام ،منذ أن وحد الملك مينا مصر العليا والسفلى ، والدارسون لتاريخ مصر يخبرونوك بكل التفاصيل ما قبل الفتح الاسلامي لمصر عام 642 ميلادي، ويخبرونك أكثر بما كان بعد ذلك وما كان فيها من دول ودويلات اسلامية فحكمها الاموييون والعباسييون والفاطميون والمماليك والاخشيديون والعثمانييون حتى تأسيس الدولة الحديثة على يد محمد علي مع بدايات القرن التاسع عشر وصولا لمصر اليوم، وبرغم كل هذه التغيرات منذ آلاف السنين كانت وما زالت مصر ثقلا ومركزا اقليميا وعالميا في كل حقب التاريخ.
أثرى هذا التنوع في التاريخ والجغرافيا ، الحضارات المصرية المتتابعة وأنتج عجائب فاخر بها المصريون العالم ، وبقي بعضها قائما ماثلا يدل على عظيم ما أنجزه المصري عبر العصور وليس أدل على ذلك من أهرامات مصر التي تعد وما زالت من عجائب الدنيا السبع ، فهي ليست أكواما من الحجارة بل فيها من الابداع الهندسي خارجيا وداخليا ما يجعلها تستحق هذا اللقب ، وهنا سأستعرض بعجالة عجائب أخرى شاهدتها ولمستها يداي بكل اعجاب وانبهار وغبطه ، كيف لا أنبهر وأنا أقرء التاريخ حيثما ذهبت في مصر ، كيف لا وأنا أشتم عبير أرض حازت على جزء كبير من القران في ذكر انبيائها وأحداثها والأقوام الذين عاشوا على ثراها ، كيف لا أنبهر وأنا أزور مدينة الاقصر الواقعة على نهر النيل - جنوب مصر والتي فيها ما يعادل عشر أثار العالم .
في الاقصر فيها ما فيها ، معبد الكرنك الذي يعتبر الاكبر في العالم والواقع على مساحة تبلغ حوالي 250 دونم ، فهو غابة من الاعمدة الكبيرة عرضا وطولا ومن التماثيل والممرات والحجرات والرسومات كلها بنيت باتباع أسس ورموز ومعاني ومعتقدات دينية وبأجمل ابداعات الهندسة قبل ما يزيد عن 3500 عام ، لأقول بكل موضوعية أن هذا المعبد من العجائب التي لم تعطى ما تستحق من الاعلام والاشهار، ان معبد الكرنك بكل تواضع معجزة ليست على مستوى مصر فقط بل على مستوى العالم ومن يزره يوقن حقيقة ذلك ، في الاقصر ستذهب للجزء الغربي منها والذي اعتبره الفراعنه الجزء الخاص بما بعد الموت ، معتمدين في ذلك على أن اشراق الشمس حياه وغروبها موت والفاصل هنا نهر النيل ، ستجد هناك من العجائب ما تجد ، وادي الملوك هذا الوادي المحاط بالجبال على هيئة هرم باعتبارة علامة الحياة الأبدية لديهم ، فيه 62 قبرا ملكيا مكتشفا، مفتوح بعضها للزوار وأشهرها قبر توت عنخ امون والذي يعد اكتشافة عام 1922 على يد الاثري البريطاني هوارد كارتر أعظم الاكتشافات التاريخية خلال القرن العشرين، وأي ابداع ترى عند دخول تلك القبور المحفورة لمئات الأمتار تحت الارض ، تلك القبور التي عمر بعضها أكثر من 4000 عام ، وما زالت الرسومات والنقوش كما هي تقريبا زاهية بألوانها، ان ضخامة هذه القبور وحفرها في صخر صلب في ذلك الزمان لأمر عجيب ، ولتكمل في الاقصر وتزور معابدها مثل حتشبسوت وهابو والأقصر وتمثالي ممنون وكلها بنيت قبل آلاف السنوات واستغرق بناء بعضها أكثر من مئتي عام ولا زالت ماثلة ولا زالت تستحق الاعجاب والثناء .
تسير برحلتك جنوبا ليصادفك على النيل معبد كوم آمبو والذي يحتوي على جدرانه آخر ما توصل الية الفراعنه في مجال الطب ، عارضين بزخارفهم الرائعة لوحات احتوت الأدوات الطبية وطرق العلاج وميلاد المراة والكثير الكثير الدال على تقدم تلك الحضاره ليس في البناء والتحنيط فقط بل في الطب والهندسة والزراعه والنقل ، ثم تكمل جنوبا لتصادف الكثير من المعالم الاثرية أبرزها معبد ادفو وهناك للعمارة والهندسة والضخامة قصة ماثلة منذ أكثر من 3000 عام ، وما زال هناك المزيد لاكتشافة حول المعبد اذا ما علمنا أن أعمال الحفريات والاستكشاف مستمرة منذ ما يزيد عن 150 عام بداخلة وبمحيطه.
تصل في رحلتك جنوبا لمدينة أسوان ولها من اسمها نصيب ، لانها مشهورة بالبازيلت الوردي والحجر الصلب (سوان) وما زالت صناعة البازلت أبرز صناعات المدينة حتى الان ،هذه المدينة التي تحتوي السد العالي ، تلك المنشاة العمرانية التي لا تقل ضخامة وابداعا وعظمة عن باقي عجائب مصر ، كيف لا اذا ما عرفنا أن بناء السد العالي استغرق 11 عاما(1960-1971) ، هذا السد العملاق يحجز خلفة بحيرة من المياه تمتد لاكثر من 500 كيلومتر وبارتفاع حوالي111 متر من المياه ، وبعرض حوالي 3600 متر وبقاعده عرضها 980 متر وبقمه عرضها 40 متر باجمالي 43 مليون متر مكعب من الاسمنت والحديد ومواد أخرى، كل هذه الارقام ستقرئها وتعرفها اذا ما زرت أعلى السد العالي ، وستوقن كما انا بأن هذا السد من عجائب مصر ، ونبقى في أسوان والتي شهدت فيها المناطق التي غمرتها المياه بعد انشاء السد والمعروفة بحيرة ناصر حاليا أو أرض النوبا سابقا أكبر عملية انقاذ ونقل للآثار من تلك المنطقة تشهدها البشرية اشتركت فيها عشرات الدول لسنوات ، كان أهمها نقل معبد فيله من مكانه الأصلي لمكان قريب بعد تفكيكه لحوالي 40 ألف قطعة واعادة انشائة من جديد خلال 9 سنوات من العمل ليكون عجيبة من عجائب مصر القديمة الحديثة. في مصر وأنت تتجول بين اثارها تسال نفسك كيف كان لهم بنقل مسلات وأحجار وزن بعضها يزيد عن 100 طن ، في ذلك الزمن الذي لم تكن فيه آلات ومعدات كما اليوم ، في مصر تسأل نفسك الكثير وبعض أسالتك تبقى بلا اجابة غير رد ويقين في داخلك يقول نعم انها من العجائب.
ليست الاثار والمعابد والمقابر والمسلات والمومياء المحنطة منذ آلاف السنوات هي عجائب مصر الوحيدة ، فنهر النيل قصة لها ما لها ، كيف لا وهو هبة الله لمصر ، على طول مئات الكيلومترات من الاسكندرية شمالا حتى أبو سمبل جنوبا لا تمل عيناك مناظر المياه الزرقاء العذبة وهي منسابة وكان بين طياتها لمعان الفضة والذهب ، على أطراف النيل خيرات الأرض مما تشتهي الأنفس ثمرا وخضرة ومحاصيل تتماوج فيها ألوان الجمال ما بين خضرة الزرع والشجر ولون الأرض البني الخصيب تحفها الصحراء بلونها الأصفر الفاقع ، فكل جزء منها لوحة فنية تريح النفس وتخبرك كأنما تنطق الخير والخير انا ، لتقع فيما تقع عليه عيناك مخازن الغلال والقمح التي استعملت ابان سيدنا يوسف ، والتي أطعمت مصر وجوار مصر خلال 7 سنوات عندما حل القحط والجذب .
لم تتوقف عجائب مصر بانتهاء عصور الفراعنه ، بل استمرت بعدها درة للدنيا بحضارة متراكمه ، وما زال عطر اللوتس يبث عبيره ليومنا هذا ، وما زال في مصر مسجد عمرو بن العاص وآلاف المساجد التي تصدح بذكر الله منذ مئات السنوات، وما زال فيها أسواق وأحياء ومصانع بعضها قديم كقدم التاريخ ، وما زال في مصر الكثير الكثير ، مصر التي كان لها القول الفصل في مفاصل التاريخ في حطين وعين جالوت، مصر التي كانت وما زالت تصدر العلم والانسان لكل العالم ، اليس في مصر الازهر الذي منذ ما يزيد عن الف عام يخرج ويبث العلوم لكل أسقاع الأرض ، في مصر وأنت تسير في وسط القاهرة وبين أزقتها القديمة ستعرف أن أمتنا لها حضارة وتاريخ ورجال سابقوا الدنيا فنا وحضارة وعلما وابداعا ،مصر التي تربط الشرق بالغرب ، مصر السويس واكتوبر وسيناء ، مصر التي صنفت عاصمتها وعروس بحرها بداية القرن العشرين من ضمن أجمل مدن الدنيا وأنظفها ، مصر التي انشأت بها ثاني سكة حديد في العالم بعد بريطانيا ، وما زال المصري رغم ما به من كرب وضيق سعة في الرزق باسما متفائلا مرحبا بالضيف مقبلا على الحياه ، يشعرك بلطف قوله وابتسامته أنه قريب اليك عزيزا عليه، وما زال في مصر من رجالها ونسائها ماهم فخر واعتزاز لكل من أحب مصر تاريخا وجغرافيا ، وما زال فيها من العجائب ما لا تنتهي .