نشر بتاريخ: 11/10/2016 ( آخر تحديث: 11/10/2016 الساعة: 11:25 )
الكاتب: معتصم حماده
تثبت تجربة تأجيل الانتخابات وفشل اجراءها في موعدها المحدد انه لم يعد بإمكان طرفي الانقسام، فتح وحماس، أن يقدما ما هو مفيد للحالة الفلسطينية
.. وأخيراً انتهى مسار التحضير للانتخابات البلدية والمحلية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، إلى الفشل، جرت مداراته بقرار من حكومة السلطة بتأجيلها لمدة أربعة أشهر، في ظل احتمالات متباينة. منذ لحظة الإعلان عن تنظيم الانتخابات، اختلفت الآراء وتباينت. فالبعض رأى فيها خطوة مهمة على طريق تنظيم المجتمع الفلسطيني عبر توفير أدواته المحلية، بطريقة ديمقراطية ليدير شؤونه المحلية، ويعزز عناصر صموده في وجه الاحتلال.
فضلاً عن أن الانتخابات المحلية، وهي تعبير عن الحرية والديمقراطية في اختبار الشعب لممثليه، بديلاً للتعيينات الإدارية البيروقراطية والفوقية، مرشحة لأن تضع نهاية لمرحلة في حياة الشعب الفلسطيني تعطلت فيها المؤسسات وسادتها نزعات التفرد والاستقرار والقرارات الفردية. كذلك رأى البعض في الانتخابات مدخلاً يفتح الباب أمام تنظيم انتخابات شاملة، رئاسية، وتشريعية في السلطة وفي م.ت.ف، بما يعيد بناء المؤسسات المعطلة على أسس ديمقراطية بالانتخابات وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل، ويعيد توحيد هذه المؤسسات وينهي الانقسام، بعيداً عن سياسات الاستقطاب الثنائي والمحاصصة وتغليب المصالح الفئوية على حساب المصالح الوطنية العامة. كان يمكن للانتخابات البلدية والمحلية أن تعيد فتح الباب أمام الشعب الفلسطيني ليقرر مصيره بنفسه، ويساهم في إنهاء مظاهر الفساد السياسي والإداري والمالي. وإعادة التوازن للعلاقة بين المؤسسات التشريعية والرقابية البرلمانية والشعبية، وبين المؤسسات التنفيذية.
بالمقابل برزت آراء تدعو لتأجيل الانتخابات (كلمة السر البديلة لإلغاء الانتخابات) بذريعة أن ظروف حركة فتح غير مهيأة لدخول المعركة. وبالتالي غلبت هذه الآراء مصالحها الحركية على المصلحة الوطنية وتجاهلت ضرورة الالتزام بالاستحقاقات القانونية والدستورية، أما مسألة جهوزية هذه الفئة أو تلك لاستقبال هذه الاستحقاقات فليست هي العنصر المقرر في تنظيم الانتخابات.
خلف هذه الدعوة كانت تكمن عقلية الاستفراد والهيمنة، والتخوف من الآخر بديلاً لعقلية الشراكة الوطنية، وضرورة توحيد الصفوف في مواجهة الاحتلال والاستيطان.
وفي مواجهة هذه العقلية برزت عقلية أخرى لجأت إلى سياسة الكمائن والتعطيل بأساليب مختلفة كان من بينها اللجوء إلى القضاء المسيس أصلاً، إن في رام الله، أو في غزة، لتبادل الطعون في القوائم المرشحة من قبل حركتي فتح وحماس. وتبين، وفقاً لما أدت إليه الأمور، أن طرفي الانقسام، وبدلاً من استغلال الفرصة لإنجاح الانتخابات والدفع نحو استعادة الوحدة، لجأا إلى سياسات المناكفة والتعطيل والتعطيل المعاكس، مما كشف زيف تصريحات الطرفين عن استعدادهما، كل على حدة، لإنهاء الانقسام، والالتزام بما تم الاتفاق عليه في جولات الحوار، الجماعية، والثنائية، إن في القاهرة، أو في غزة، أو في الدوحة.
تعطيل الانتخابات المحلية والبلدية، يثبت مرة أخرى، لكن بشكل فاقع هذه المرة، أن طرفي الانقسام، فتح وحماس، وصلا بسياستهما إلى الطريق المسدود، وإن هذا المسار المتبع من قبل كل منهما لم يعد بإمكانه أن يقدم للشعب الفلسطيني أي شيء ايجابي، وإن كل ما يصدر عن هذين الطرفين إنما لحكمة سياسة المناكفة وسياسة تعميق الانقسام وتوسيعه، وتعميق الأزمة السياسية التي تعيشها الحالة الفلسطينية، واضعافها أكثر فأكثر، وسد الآفاق أمام الحركة الجماهيرية، وتعميق حالة اللايقين لدى شرائح واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني.
لقد شكلت الدعوة للانتخابات البلدية والمحلية فرصة لاستنهاض الحالة الشعبية، تمثل ذلك في إقبال الناخبين على تحديث لوائحهم الانتخابية، تحضيراً للمشاركة في العملية الديمقراطية. كما تمثل ذلك في إقبال صف واسع من الشباب، ومن الفعاليات المستقلة لتشكيل لوائح خاصة بهم للترشح في الانتخابات. وقيل في معرض تفسير ذلك إن اقبال المستقلين على الترشح إنما يعبر عن ضعف ثقة بالفصائل، لكن هذا الاقبال، يعبر في الوقت نفسه عن استعداد الحالة الشعبية للمساهمة المباشرة وإن خارج الفصائل، في تنظيم صفوفها وحل مشاكلها. وإذا كان من أسباب لضعف الثقة بالفصائل، فإن السبب الرئيس لذلك هو حالة الانقسام التي تكاد أن تدمر كل ما هو ايجابي في الحالة الفلسطينية. ولعل قرار تأجيل الانتخابات لأربعة أشهر، تحت تأثير صراع فتح وحماس، قد يكون له تأثيره السلبي، على معنويات الحالة الشعبية، مما سيعمق ضعف ثقتها في الفصائل، من مدخل ضعف ثقتها بفتح وحماس.
في هذا السياق تبدو المواقف النقدية لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس والتي يعترف بها ان الحركة أخطأت في العديد من المحطات خاصة في سياسة الاستفراد بالحكم، غير جادة، ولم تأخذ طريقها إلى التطبيق وهي – وهذا ما لا نتمناه – مجرد أقوال في الهواء. كما تبدو مواقف اللجنة المركزية لفتح ومواقف مجلسها الثوري، في البيانات الأخيرة، عن اصرار الحركة على إنجاح الانتخابات، ولم شمل الحالة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وغير ذلك من الوعود، مجرد أقوال يجري استحضارها في المناسبات لدغدغة مشاعر الشارع، وإلقاء التهمة على الآخر، واعفاء الذات من أية مسؤولية عما آلت إليه الأوضاع.
ما آلت إليه الأوضاع تتحمل مسؤوليتها فتح وحماس، فهما اللتان تتوليان السلطة، في رام الله، وفي غزة، وهما اللتان تمارسان نفوذهما على الإدارة بما في ذلك على القضاء. وما آلت إليه مسيرة الانتخابات هو نتاج سياستهما الانقسامية المدمرة.
في هذا الخضم برز دور التحالف الديمقراطي بفصائله الخمسة [الجبهتان وحزب الشعب والمبادرة وفدا] ليقدم تجربة جديدة، تنهي زمن الاستقطاب الثنائي، وتقدم اليسار والقوى الديمقراطية والتقدمية بصيغة ائتلافية، تحدث حراكاً جديداً في الشارع الفلسطيني، وتستنهض عناصر القوة في صف واسع من الشرائح الاجتماعية التي فقدت ثقتها في طرفي الانقسام.
لقد ناضل التحالف الديمقراطي، في إطار تأليف لوائحه الانتخابية للبلديات والمجالس، وحقق خطوة مهمة، في قطاع غزة، وخطوة أخرى في الضفة الفلسطينية. ويفترض بهذا التحالف أن لا يكون مجرد ائتلاف انتخابي، تهمد حرارته، في ظل تعليق الإجراءات الانتخابية، بل نعتقد أن على هذا التحالف أن يقدم نفسه إلى الرأي العام الفلسطيني في كل مجالات العمل السياسي والاجتماعي والثقافي في الضفة كما في القطاع، وأن يؤسس للقطب الثالث الذي يفترض، أن يحتل مكانته في الحالة السياسية الفلسطينية ونعتقد أن فترة الأشهر الأربعة التي فرضتها حكومة السلطة لتأجيل الانتخابات، يجب أن تشكل فصلاً من فصول عمل التحالف ونشاطه. فحاجة الحالة الفلسطينية إلى التحالف الديمقراطي كما نعتقد تتجاوز الخطة الانتخابية، وتتجاوزها نحو الحاجة السياسية الوطنية، لخلق التوازن ولتوليد رافعة سياسية شعبية وازنة لمواصلة الضغط، بكل الأساليب الديمقراطية لإنهاء الانقسام وإسقاط برامجه السياسية ولاستعادة البرنامج الوطني الموحّد والموحِّد.