الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

يوميات مواطن عادي .....كلام الاستهلاك المحلي

نشر بتاريخ: 11/10/2016 ( آخر تحديث: 11/10/2016 الساعة: 15:21 )

الكاتب: نبيل دويكات

مع كتابة هذه المقالة تكون زيارة وفد "المحكمة الجنائية الدولية" الى المنطقة قد انتهت، تلك الزيارة التي تضمنت جولة في فلسطين تخللها عدة اجتماعات ولقاءات مع وفود ومجموعات رسمية وغير رسمية، ونشطاء وأكاديميين في عدد من مدن فلسطين. وتضمنت الزيارة كذلك سلسلة من التصريحات واللقاءات الإعلامية لأعضاء وفد اللجنة. كمواطن عادي تابعت عدد كبير من ردود الفعل والتصريحات المرتبطة بتلك الزيارة. لعل القاسم المشترك الذي تمكنت من الخروج به من هذه المتابعة هو ان الزيارة كانت عبارة عن جولة "علاقات عامة" او "للتوعية والتثقيف" حول المحكمة نفسها واختصاصاتها وصلاحيتها... وغير ذلك من الأمور المرتبطة بدورها على الصعيد الدولي والأنظمة والبرتوكولات التي تحكم وتحدد طبيعة عملها.

لا شك ان جملة ما تابعته عبر وسائل الاعلام اثار في نفسي نوع من المفاجأة، ولا اريد القول الصدمة. صحيح ان جزء من المفاجأة كان يرتبط بحقيقة معرفتي ومعلوماتي، شأني في ذلك شأن كل مواطن فلسطيني، عن كل ما يتعلق بالمحكمة. غير ان الجزء الأكبر من المفاجأة كان ينصب على حقيقة معرفة ومعلومات "النخب" و"القيادات" السياسية والاجتماعية والحقوقية والأكاديمية. والمفاجأة هنا ناتجة عن أمرين، الأول: هو كون تلك "النخب" هي التي تمثل المجتمع الفلسطيني، رسمياً وشعبياً، في كل الأمور المرتبطة بالمحكمة وكيفية التعاطي معها. بدءاً من رصد وتوثيق جرائم الاحتلال المختلفة، مروراً بجمعها وتصنيفها، وانتهاءاً بتقديم الشكاوى ومتابعة التحقيقات فيها. أما الثاني: وهو الذي يرفع منسوب المفاجأة الى مستوى "الصدمة" فيرتبط بحجم وكم الحديث الإعلامي الذي يصدر يومياً من هذه "النخب"، بيانات وتصريحات مرئية ومسموعة ومكتوبة... وغيرها عن محكمة الجنايات الدولية.

المواطن الفلسطيني كان ينتابه الملل، والضيق احياناً، من كثرة الحديث الذي يسمعه حول محكمة الجنيات الدولية. منذ انضمام دولة فلسطين في نيسان عام 2015 الى محكمة الجنايات الدولية أصبح الأمر جزء لا يتجزأ من "لازمة" كل الخطاب الإعلامي "للنخب" الفلسطينية المختلفة. وكلما تعلق الامر بانتهاك وجريمة جديدة للاحتلال كالقتل أو الجرح أو الاعتقال أو هدم البيوت أو الاستيطان، الحصار والاغلاق والحواجز، المداهمات والقصف والاغتيالات، النفي والابعاد والتضييق على الاسرى، مصادرة الأرض والممتلكات واحتجاز جثامين الشهداء وغيرها من تلك الجرائم والانتهاكات فان جملة "تقديم الملف" الى محكمة الجنايات الدولية هو واحدة من الجمل التي لا يمكن الا ان تكون حاضرة، وربما هي محور ذلك الخطاب الإعلامي.

أما الأمر الثالث الذي يستدعي التوقف أمامه مطولاً، لصلته بهذا الموضوع أيضا فهو حقيقة الرصد والتوثيق الذي نقوم به. خاصة ان الواقع يشير الى عدد كبير جداً من المؤسسات، الرسمية وغير الرسمية، التي تقدم نفسها على انها تقوم بمهام ترتبط بقضية رصد وتوثيق انتهاكات وجرائم الاحتلال. هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح نفسها حول حقيقة الرصد والتوثيق وأهميته من ناحية مطابقته لمعايير وشروط ومتطلبات المؤسسات والهيئات الدولية، ومنها محكمة الجنايات الدولية.

خلاصة القول يتمثل في المقولة الشعبية المتداولة وهي "إن كنت تدري فتلك مصيبة، وان كنت لا تدري فالمصيبة أعظم". فاذا كانت "نخبنا" لا تعلم الكثير عن حقيقة محكمة الجنايات الدولية واختصاصاتها وصلاحياتها، وهذا ما كشفت عنه بعض المداخلات، فان ذلك مصيبة، وربما تتحول هنا الى "نوع" من الجريمة إذا تم التعامل مع المصيبة على طريقة "أخذ الرأي العام والمجتمع المحلي الى البحر واعادته وهو عطشان". اما المصيبة الأعظم فإنها تقع عندما يعبر أحد النشطاء الحقوقيين عن رأيه في لقاء وفد المحكمة مع الفعاليات السياسية والنقابية والحقوقية في جامعة بيت لحم قائلاً: "معظم الاسئلة والاستفسارات التي وجهت للوفد هي انشائية وعامة وكلام سياسي وتنظير أكثر من انصبابه على صلاحيات المحكمة وولايتها واختصاصاتها"، ويخلص الى النتيجة قائلاً: "نحن بحاجة الى فريق قانوني متخصص للتعامل مع المحكمة ويضم خبراء دوليين". ربما يعبر هذا الكلام عن رأي وانطباع شخصي لذلك الناشط الحقوقي، لكن هذا الكلام يحمل في طياته الكثير الكثير مما علينا ليس التفكير به فحسب، وانما تغيير جذري في أسس ومنهجيات العمل والتوجهات سواء تجاه محكمة الجنايات الدولية خاصة، او الهيئات والمؤسسات الدولية عموماً. والأهم من ذلك هو بناء كل ما نقوم به على أسس من الوضوح والشفافية مع المواطن الذي يكتوي بممارسات الاحتلال من ناحية، وبخطاب "البطولات الخيالية الزائفة" وكلام الاستهلاك المحلي من الناحية الأخرى.