الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نقد الموروث الإسلامي كفكر يُصَوّب البوصله

نشر بتاريخ: 12/10/2016 ( آخر تحديث: 12/10/2016 الساعة: 15:10 )

الكاتب: فراس ياغي

كتب المفكر الإسلامي والعربي الدكتور "أحمد يوسف" حول المراجعات في "الفكر الإسلامي وضرورات تصويب البوصله" وركز على أن التطرف والإرهاب الذي طغى على المنطقه العربيه والعالم الإسلامي له أسباب وتداعيات وركّزَ على أن أحد الأسباب الرئيسيه هي الظلم الذي تعرّض له الشباب العربي بعد قتالهم للعدو "الشيوعي" في أفغانستان، بل يقول الدكتور أحمد يوسف "أنه أستبشر خيرا بأن ما حدث في أفغانستان سيتم الإستفاده منه في تحرير فلسطين"، ويؤكد الدكتور على أهمية فصل الدعوي عن السياسي رغم أن الدعوي مهم للسياسي في فترة الإنتخابات مثلا، لأنها في الحقيقه هي المخزن الجماهيري للسياسي، كما يشير إلى أن مفهوم "الإسلاموفبيا" هو المسيطر على العقل الغربي بسبب من ظاهرة التطرف والإرهاب ووضع عنوانه "داعش" الذي تم شيطنته وفق تعبير الدكتور احمد يوسف، كما أنه وصف الشباب المتطرف هذا بقوله " إن هؤلاء الشباب الطيبين من المتدينين، الذين وفدوا بالآلاف من بلاد عربية وإسلامية للقتال في العراق وسوريا، كانوا مدفوعين بهدف تغيير الواقع السياسي القائم والتمكين للإسلام في تلك البلاد، وإن هناك الكثير من المخلصين بينهم، كما أن هناك من عمل على تضليلهم من أصحاب الأجندات الخاصة، والذي لبعضهم ارتباطات بجهات استخبارية عالمية تحركهم لخدمة مصالحها الاستعمارية في المنطقة، والتي سوف تؤدي إلى تجزئتها، وتقاسم ثرواتها، والتخلص من أبنائها، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين في ربوعه".
إن الحديث الذي طرحه الدكتور مهم جدا وضروري لبعث أفكار جديده ووضع فكر قادر عن إسترداد الإسلام من خاطفيه السلفيين من جهاديين وغيرِ جهادين، من أحزاب أسلمه تخلط بين الفكر الديني الشامل وبين القضايا الوطنيه الخاصه، فكر يَغلب عليه الدعوي المرتبط بموروث بحاجه لإعادة صياغه ليس فقط بما يتوافق مع عصرنا الحالي وإنما بنبذ كلِّ ما عَلِقَ به من شوائب خطيره عبر عقود وقرون من الزمن، فكر من يسمونه "شيخ الإسلام" الذي أصبح وكأنه أهم من كلّ المفكريين الإسلاميين وحتى أحيانا من كتاب الله عزّ وجل، فالبعض إن لم يكن الكل منهم يراك قد إنحرفت عن الدين القويم إذا إنتقدت هذا الذي يسمونه "إبن تيميه"...لقد تم التركيز ومنذ الصراع "السعودي" كسياسه وفكر مؤدلج مع الخالد القائد العربي القومي "جمال عبد الناصر" على الفكر السلفي وعلى ما يخدمه من فكر "ألإخوان المسلمين"، وفي خِضم هذا الصراع أصبح الفكر الإسلامي الذي وظفت له مئات الملايين من الدولارات مغطى بفكر وهابي وسلفي حتى لدى الفكر الدعوي الذي تزعمته حركة "الإخوان المسلمين"، هذا التوجه الأيديولوجي من الطبيعي أن ينتج التطرف والإرهاب ويصبح الخطر على العالم الإسلامي أولا قبل الغرب، كما أن إعتبار الوقوف إلى جانب الولايات المتحده في حربها البارده ضد الإتحاد السوفيتي البائد، وخاصة فيما عُرف ب "المجاهدين الأفغان" كان البداية لإستغلال المؤدلج لصالح السياسي، وأدى لظهور عملي لهذا الفكر على أرض الواقع، فمن رَعَتّه أمريكيا وتلقى دعم مالي من أصحاب الفكر الوهابي لا يمكن أن يصب في خدمة الأمة في تحررها من سطوة الغرب ولا من سطوة الديكتاتوريين الذي يدعمون الغرب، لذلك تم الإستفادة من ظاهرة "الأفغان العرب" وغيرهم في تأسيس "فوبيا" جديده وحرب جديده إسمها الحرب على "الإرهاب".
ليست أفغانستان هي من أسس لهذا التطرف، وليس الظلم الذي وقع على من تم تسميتهم ب "المجاهدين" هو السبب، إنما هو فكر "الأسلمه" السياسيه الذي لا يقبل الآخر ويرى في أي منطقة يُسيطر عليها بأنه حررها من كلّ الأفكار الدخيله، بل إنه يرى في فكره ومُنطلقه وكأنه "المطلق" الذي لا يقبل من ينتقده، ولا يقبل من يعارضه، لأنه بذلك يعارض شرع الله، فهذا الفكر وضع نفسه وكيلاً لرب العزة على الأرض وأصبح وكأنه يتحدث بإسمه، رغم أن ربّ العزة قال في كتابه " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (سورة يونس99)، بل إن فكرة الأمة الواحده والفكر الواحد حتى في داخل الأمة لا يمكن أن يكون ووفقا لكتاب التنزيل الحكيم، قال تعالى "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (سورة هود118)، بل إن الله تعالى وضع القاعدة الأساس للتعامل بين الناس جميعا أساسها عدم الإكراه، فقال في كتابه المحكم "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقره256)، لكن البعض يفسرها بطريقة أن مفهوم الإكراه ليس لمن يدخل طوعا، بل لمن يستكبر ويرفض الدين الحق (هنا يعني الإكراه وارد وبالقوة أيضا)، وهذا يخالف القاعده ومفهوم الدعوة والموعظه الحسنه، وقاعدة إتمام مكارم الأخلاق...هناك مشكلة لدى المُشرّع والفقيه ولمن يُسمّون أنفسهم "علماء"، خاصة بإعتبار القصص القرآني ومنها القصص المُحمدي في المصحف الشريف جزء من التشريع، وليست للموعظه والعبره فقط وطاعتها واجبه لمن عاصر وليس لمن جاء بعد ذلك، ذلك أنهم في فكرهم المطلق الذي لا يقبل القسمه حتى على واحد، بقصد تعدد الشرائع والفكر المطلق والإدعاء بأن كل حزب يحمل في داخله الشريعه الصحيحه والدين الحق.
إن مقال الدكتور أحمد يوسف رغم أهميته وضرورة أخذه بمفهوم تعزيز الجيد والإيجابي لمواجهة السلبي، إلا أنه لا زال يخاطب الفكر المتطرف الإرهابي بمنطق الناصح وبمنطق المُضَلّل، بالرغم من أن ذلك لا يمكن أن يؤسس لفكر إسلامي ليس معتدل فحسب، لأن الإسلام بحد ذاته يُسر وإعتدال وجاء لمواجهة التعصب والتعقيد إن كان كفكر ديني أو غيره، من هنا فلا بدّ من التعامل مع هذا الفكر المتطرف بأنه خارج عن الوعي الإنساني والأسلامي، وأن من يريد أن يعيد عقارب الساعه بمفهوم الحكم وحَرّفيته هو معاند للتطور ويمارس فكر لا علاقة له او فيه لكتاب الله الذي هو صالح لكل زمان ومكان، وفق طبيعة الزمان والمكان نفسه، وليس وفقا "للدواعش" في الرقة والموصل، ولا "للنصره" في إدلب، ولا غيرها من الفصائل المسلحه التي لا تختلف عن الفكر القاعدي والداعشي.
ليست "داعش" وحدها يا دكتور من يخطف الإسلام ويشوهه، رفيقتها "النصره" وأبوهما "القاعده" ووالدتهما الفكر الوهابي والسلفي ومن يقف معهم في السياسه وفي الفكر، هم جميعا خاطفين للدين القويم، لدين ملّة محمد صلوات الله عليه وسلم، للدين الوسط، للدين الذي بدأ بكلمة "إقرأ" وليس "إسمع"، الخاطفون الذين جعلوا من ديننا السمح عنوان "الإرهاب" هم الذين يُسمّون أنفسهم العلماء أو "أهل العقد والحل" ووضعوا أنفسهم فوق البرلمانات ومجالس الشعب المنتخبين وهم ليسوا "أولوا الأمر"، ووجدوا أن "الشورى" هي بينهم وليس للكل المسلم، لكني أتفق مع الدكتور بأن السياسه تقودها الأحزاب وعلى أساس العقد الإجتماعي "الدستور" المُقر من قبل الشعب، ووفقا للقوانين المُقرّه في البرلمانات "مجالس الشعب المنتخبين"، في حين من يريد ألدعوي فعليه أن يتوجه بذلك لغير المسلمين، دعوتهم بالموعظه الحسنه، والمساجد هي بيوت الله، وليست للدعوة لأنها ستتحول بالضرورة للإستغلال في السياسه والفكر، قال تعالى "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ" (النور36)، وهنا الحديث عن البيت وليس السكن، وهذه وجدت لذكر الله والتعبد وليس لبث أي فكر دعوي أو سياسي.
إن عملية التزوير التي تمت منذ قرون خلت، وعملية الخطف بدأت بتفسيرات وأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، وسيطرت السلاطين على من يسمون أنفسهم علماء ورجال دين وهم ليسوا سوى "هامانات" هي السبب فيما نحن عليه ليس من فكر وحسب، بل من إرهاب يعقبه إرهاب، ويتم إستغلاله من قبل كل إستخبارات العالم لتوظيفه في مآربهم السياسيه وخططهم للمنطقه، نقد الموروث الإسلامي كفكر هو الأساس، والتجديد كفكر هو الأساس، وليس فصل الدعوي عن السياسي هو الأساس، فالأحزاب السياسيه المتأسلمه لا تضيف للدين سوى أفكار متطرفه وتُضيّع جهد الأمه في إتجاهات تخدم المصالح في الصراعات الدولية والأقليميه، وهذا ما حدث في "أفغانستان" بإسم محاربة "الشيوعيه".