نشر بتاريخ: 13/10/2016 ( آخر تحديث: 13/10/2016 الساعة: 11:39 )
الكاتب: محمد خضر قرش
تغيير واستبدال مناهج التعليم للمراحل المختلفة
خطوة مؤذية وضارة ولن تحقق المبتغى المنشود
عكفت وزارات التربية والتعليم في معظم الدول العربية على تغيير واستبدال مناهج التعليم والتدريس لكافة المراحل الدراسية بعد تفجيرات ايلول 2001، على الرغم من قيام الخبراء وذوي الاختصاص في الهندسة المعمارية في الدول الغربية برفض مقولة ان سبب انهيار البرجين يعود إلى اصطدام الطائرات بهما. حيث يقولون بان درجة الحرارة اللازمة لانصهار المكونات الإستنادية الفولاذية التي تشكل العمود الفقري للبرجين لا يمكن توليدها من خلال عملية الاصطدام وكميات الوقود المخزنة في الطائرات لكونهما لا ينتجان درجة حرارة عالية جدا تؤدي إلى انهيار البرجين المبنيين من الفولاذ. لقد ترك انهيارهما السريع علامات استفهام كبيرة حول الجهات التي خططت لها وكانت ورائها حيث يشير العديد من الفنيين الغربيين وخاصة من الالمان بانه ناجم عن تفجير القواعد الفولاذية من أسفل، لذلك جاء الانهيار مماثل لتفجير الأبنية القديمة أو كما تفعل قوات الاحتلال الإسرائيلي عندما تذهب لهدم بيوت المناضلين الفلسطينيين. حيث تسقط عموديا بدون التأثير على الأبنية المجاورة. وهذا السبب الذي دفع واشنطن لرفض تشكيل لجنة فنية دولية محايدة لبحث كيفية انهيار البرجين بهذه السرعة الكبيرة.
لقد تم استغلال الحادث الإجرامي من قبل جهات عديدة معادية لإظهار الحقيقة، والمتغلغلة في مؤسسات الولايات المتحدة بالإضافة بالطبع لإعادة تثبيت الهيمنة الأميركية على العالم العربي والاسلامي بالدرجة الأولى من خلال الادعاء بأن الانتحاريين الذين أجبروا الطائرات على الاصطدام بالبرجين كانوا متأثرين بالمناهج التعليمية والتدريسية وخاصة في علوم الدين والشريعة والتربية الوطنية. لذلك فقد شكلت الولايات المتحدة الأميركية خبراء في المناهج والتربية والثقافة وطُلب إليهم بالانتقال إلى معظم الدول العربية للإشراف المباشر على تغيير وتعديل واستبدال المناهج بإيعاز وبضغوط وفي الكثير من الحالات بطلب رسمي من الولايات المتحدة الأميركية من الحكومات العربية بالبدء بمراجعة مناهج ومساقات التدريس على اعتبار ان جميعها تحرض على الإرهاب وخاصة في دول الخليج العربي ومصر وفلسطين والاردن ولبنان والمغرب وتونس.
ولم يكتف بذلك فحسب بل اتسعت حملة التبديل والتغيير والتعديل لتطول الثوابت الوطنية والدينية والتاريخية والقومية وبالأخص فيما يتعلق بالحركة الصهيونية والارهاب الإسرائيلي والارض السليبة في فلسطين ودور الاستعمار الغربي في تفتيت وتجزئة الوطن العربي إلى دويلات تفتقد الأغلبية الساحقة منها لمقومات وعناصر الدولة ومتطلبات الاستقرار والسيادة الحقيقية. فعلى امتداد العقد الماضي انشغل الخبراء الأميركيون أو ممن يحملون الجنسية الأميركية للتغطية والعديد منهم خبراء في اللغة العربية ومعانيها وأسس وتاريخ الثقافة العربية والدينية والوطنية في مراجعة المناهج والمساقات التعليمية السائدة حاليا بدءا من فلسطين. وقد جرى التمهيد لعملية التعديل من خلال التركيز على ضرورة مواكبة العصر والعلوم الحديثة وترافق ذلك مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واختبار دورها في الإعداد للخريف العربي (التدمير الذاتي)الذي ما زال يأكل الأخضر واليابس .ففي العديد من الدول العربية يداوم خبراء غربيون في المناهج ، أمريكيون بالأساس ، في وزارات التربية والتعليم العربية بالإضافة إلى ما تقوم به المدارس الأجنبية الخاصة الممولة غربيا في غسل أدمغة الطلبة والجيل الجديد وزرع مفاهيم ومغالطات لتزوير التاريخ ومحو ما ارتكبه الغرب في الوطن العربي ،ولعل ما نشر أخيرا حول المساقات التدريسية وضخ معلومات مغلوطة من قبل مجموعة مدارس الشويفات الدولية ليؤكد كل ما ذهبنا إليه. وفقط تحت الضغط الشعبي تم سحب هذه المواد في بعض الدول العربية وليس كلها.
أوجه السلبيات والمخاطر
من المؤكد ان تبديل وتعديل المناهج الذي قامت به الدول العربية لم يكن وليد رغبة وطنية ولا حاجة موضوعية ولا من باب الحرص على مواكبة العصر وإنما كان ناجما بالأساس عن طلب أميركي وغربي رسمي ومن وراء الستار إسرائيلي، للبدء بتلقين الاجيال الجديدة من التنشئة والطلبة بمعلومات مشوه ومغلوطة عن التاريخ العربي والإسلامي. فقد أظهرت التعديلات والتبديلات سذاجة الذين قاموا بها واتضحت خلفية التبديل وأسبابه المباشرة. فشطب و/أو الغاء عبارة "العمليات الإرهابية الإسرائيلية" واستبدالها بالممارسات الإسرائيلية!!! يحمل في طياته الكثير من الأهداف والاغراض الخبيثة فهذا الاستبدال ليس له علاقة بتطوير المناهج وتعديلها لتواكب العصر كما يُدعي في وسائل الإعلام وانما لتجميل الوجه القبيح للإرهاب الإسرائيلي. وحتى لا نطيل في تأكيد المؤكد وتثبيت البديهيات من وراء التعديلات لا بد من توضيح الحقائق التالية:
1- موافقة الحكومات العربية على إجراء التعديلات يعني إقرارها بأنها كانت تشكل البيئة الحاضنة للإرهاب والمصدرة له علما بان جزءا كبيرا تم بعلم الدول الغربية وتخطيطها وإشرافها حينما مولت وساندت ودربت حركة طالبان الأفغانية. لذا فنشأة الإرهاب والممولين له معروفة جيدا وعلى صلة وثيقة بالولايات المتحدة الأميركية والكثير الكثير منهم كان من شباب ومواطني جمهوريات آسيا الإسلامية التي كانت منضوية تحت راية الاتحاد السوفيتي.
2- فإجراء التعديل يتضمن تبرئة الاحتلال الإسرائيلي تماما وهنا مكمن الخطورة. فالإرهاب الإسرائيلي بدأ منذ قرن تقريبا وما زال مستمرا عموديا وافقيا ليشمل كل المرافق والقطاعات المدنية ولاقتصادية عدا العسكرية. وإذا بدأنا بذكر سلسلة العمليات الإرهابية الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط فسنحتاج إلى مجلدات كثيرة. فالعديد من الدول العربية كان لها نصيب من الإرهاب الإسرائيلي الرسمي (فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والأردن والسودان وتونس والعراق باستثناء عمليات التخريب والتجسس وتدمير المنشآت وقتل الخبراء والعلماء).
3- الإرهاب الأساسي والحقيقي كان مصدره الاستعمار الغربي وبالأخص بريطانيا في فلسطين ومصر واليمن الجنوبية والعراق وفرنسا في الجزائر وإيطاليا في ليبيا والإرهاب العثماني في سوريا ولبنان، ولاحقا أنيطت مهمة قيادة الإرهاب بالولايات المتحدة الأميركية ولعل ما حصل في فيتنام وكمبوديا ولاوس وكوريا وتشيلي ومحاصرة كوبا وقبلها إلقاء القنابل النووية الأميركية على هيروشيما ونكازاكي وبعد ذلك ما قامت فيه بالعراق والصومال وليبيا ومصانع الأدوية في السودان وفي العديد من بلدان العالم خير دليل على ذلك. فما حصل في سجن ابوغريب وملجأ العامرية وفنادق بغداد يندى له جبين الإنسانية.
4- لماذا لم تطلب الدول العربية وبالتوازي والتساوي، تعديل المناهج الإسرائيلية المليئة بالتحريض والعنصرية وإلغاء الأخر. فالمناهج الإسرائيلية هي الأولى في التعديل.
5- التعديل لم ينل أو يقترب من المساقات العلمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الحاسوب والهندسة ...الخ، فالدول العربية محظور عليها ولوج ميدان علوم الذرة بعكس حال إسرائيل. فالتعديلات تركزت في علوم ومناهج التاريخ والدين واللغة العربية والثقافة الوطنية ودور الاستعمار الغربي في تجزئة الوطن العربي والتمهيد لإلغاء الصراع مع إسرائيل بل والتطبيع معها واعتبارها حقيقة قائمة لا مجال لمحاربتها بما في ذلك مقاومتها والقبول بمشاريعها الاستيطانية وحقها بقصف وتدمير المؤسسات العلمية العربية.
الخلاصة
واهم وساذج من يعتقد بأن التعديلات التي تمت وتتم على المساقات التدريسية سوف تحقق الأغراض المنشودة والمبتغاة التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية لصالح الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى. فالآباء والاستاذة سيلغون كل ما هو مكتوب ومدون في المناهج وسيزرعون في عقول الجيل الجديد الحقيقة كما هي. ففلسطين أرض عربية ستعود إلى أصحابها عاجلا أم آجلا ومقاومة الاحتلال والإرهاب الإسرائيلي حق وواجب على كل عربي ومسلم. وحتى لا اطيل في هذا المجال سأقدم نموذجين، الأول لو ذهب أي أجنبي إلى أي مخيم فلسطيني منتشر في الوطن العربي وسأل طفل لا يتجاوز السنوات العشر من عمره من أين انت، لأجابه على الفور أنا من ترشيحا أو مجل الكروم أو الكويكات أو عكا أو يافا علما بأنه لم يزرها أبدا وهذا ما تتأذى منه إسرائيل. فكل الآباء يزرعون في عقول أطفالهم حقهم غير القابل للطعن في فلسطين.
والنموذج الثاني ما زال حيا أمامنا، فالذي ولد في جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية في آسيا عام 1917 نشأ وترعرع في بيئة غير إسلامية ومع انهياره عام 1989- 1990، بات المواطن مسلما أكثر مني ومن الكثير غيري ممن درسنا العلوم الإسلامية كلها بل وأصبح متطرفا إلى حد غير معقول. الحكومات العربية التي وافقت على تغيير واستبدال المناهج لن تنجح في تحقيق ما تبتغيه، فالقاعدة الواسعة من المجتمع العربي سترفض كليا إلغاء صفة الإرهاب عن إسرائيل لأنه يرى يوميا وبالعين المجردة الإرهاب الإسرائيلي في كل مكان ضد أبناء شعب فلسطين والأردن ولبنان وسوريا ومصر وهدم البيوت والقتل بدم بارد من المسافة صفر. فمن سوف يصدق أو يبلع أو يهضم بأن ما تقوم به قوات الاحتلال في المسجد الأقصى وفلسطين هو ممارسات وليست عمليات إرهابية!!! ومن صدق بأن ما قامت به قوات الاحتلال الأميركي في ملجأ العامرية وسجن ابوغريب ممارسات خاطئة فحسب غير مقصودة وخاصة حينما تكررت في ليبيا والصومال واليمن. الحكومات العربية واهمة إذا اعتقدت للحظة واحدة بأن تغيير أو تعديل بعض المساقات التدريسية كفيل بوضع حد للإرهاب كما تدعي!!