الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر

نشر بتاريخ: 16/10/2016 ( آخر تحديث: 16/10/2016 الساعة: 15:16 )

الكاتب: أيمن هشام عزريل

إن الاستراتيجية تجاه الشرق الأوسط لم تكن وليدة أحداث 11 سبتمبر 2001م، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية لها استراتيجية محكمة اتجاه المنطقة، وبالرغم من ارتكاز الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على مجموعة من الثوابت تتمثل بالتحكم بالنفط والسيطرة عليه والحفاظ على أمن إسرائيل وحماية المصالح الأمريكية الأخرى، إلا أن عالم ما بعد 11 سبتمبر قد أفرز أهداف أمريكية جديدة في المنطقة، ما أدى إلى تغيير وسائل تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط نحو الاستخدام المباشر للقوة العسكرية لحماية هذه الأهداف والحفاظ عليها أو لتحقيق أهداف جديدة أصبحت من صميم هذه الاستراتيجية في المنطقة.
تعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، نقطة حاسمة في إعادة صيغة الاستراتيجية الأمريكية في العالم الإسلامي بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، حيث عدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنها محطة عبور بين نظاميين دوليين مختلفين، عبور نظام ما بعد الحرب الباردة إلى النظام الجديد، نظام ما يسمى (بالحرب على الإرهاب).

وعلى هذا الأساس كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، متغيراً مؤثر على الاستراتيجية الأمريكية العالمية بشكل عام والاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل خاص، بحيث أفرزت هذه الأحداث واقع القوة العسكرية كقوة تضبط الأوضاع وإيقاعها على النغمة الأمريكية. وبفعل ما يسمى الحرب على الإرهاب صارت الولايات المتحدة الأمريكية تسوق يومياً للجغرافية السياسية الجديدة التي تنوي فرضها على العالم بالقوة العسكرية لتحقيق أهدافها وهيمنتها، إذ جاء السعي الأمريكي الحثيث لوضع استراتيجية تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من ترتيب الأوضاع الدولية لصالحها، فأصدر بوش الابن إعلان الحرب على ما يسمى "بالحرب على الإرهاب"، حيث كانت نقطة بداية الاستراتيجية الأمريكية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لتوسيع رقعة الهيمنة الأمريكية.

فمنطقة الشرق الأوسط ليست الميدان الذي تظهر فيه الولايات المتحدة الأمريكية قوتها وتجرب أسلحتها فقط لكنها الموقع الذي تعمم منه الولايات المتحدة الأمريكية لصيغة جديدة للنظام العالمي الجديد. وما يسمى "بالحرب على الإرهاب" ليست إلا ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية للجوء إلى القوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط في هذا الصدد يقول (دانيال بأبيس) إن الأصوليين الإسلاميين يتحدون الغرب بقوة وعمق أكبر مما فعله الشيوعيون فهؤلاء يخالفون سياساتنا، ويقول (إدوارد ديجريجيان) مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى "الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة الباقية والتي تبحث عن إيديولوجية لمحاربتها يجب أن تتجه نحو قيادة حملة صليبية ضد الإسلام"، وهو التعبير نفسه الذي استخدمه بوش الابن في بداية الحملة الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي والتي بدأت بأفغانستان والعراق. حيث باتت دول الشرق الأوسط بنظر أمريكا البيئة التي تنمو فيها من يسمونه أمريكياً "بالجماعات الإرهابية" وملاحقة هذه الجماعات ومن يحاولون مساعدتها سواء عن قصد أو غير قصد وسواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

إذا هذه الرؤية كانت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهو ما يؤكد أن التطورات كانت معدة والأفكار جاهزة وكانت تنتظر لحظة إخراجها المسرحي إلى الوجود وجاءت أحداث سبتمبر لتكون الفرصة السانحة لظهور هذا المخطط. وكما هو واضح فإن البعد واضح في الرؤية الأمريكية التي عبر عنها ساسة ومفكرون بشكل واضح في كتاب مهم عنوانه (أمريكا والإسلام السياسي صدام ثقافات أو صدام مصالح). في ظل حال الاضطراب وعدم الاستقرار التي تهيمن على منطقة الشرق الأوسط يسعي (مارتن أنديك) مدير مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط بمؤسسة بروكنجز ، وتمارا كوفمان مسئولة برنامج الإصلاح في العالم العربي في مركز سابان في وضع استراتيجية بناءة لإعادة التوازن في منطقة الشرق الأوسط. وذلك في إطار سلسلة ما يعرف "فرصة ما بعد 2008" التي تهتم بوضع استراتيجيات وسياسات للرئيس الأمريكي الحالي. وقد ركزت دراسة حملت عنوان "إعادة التوازن في الشرق الأوسط ... نحو استراتيجية بناءة للاحتواء" على عدة قضايا من أجل إعادة رسم الشرق الأوسط بما يتناسب والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

كما تتداعي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن مهمتها نشر الديمقراطية والسلام العالمي، لكنها لا تعتمد على مصداقية وعقلانية في نشرها بقدر ما تستخدم القوة. فالتطلع للسلام العالمي تستدعي الانفتاح والحوار والتعاون بين الأمم، في حين لا تمارس الاستراتيجية الأمريكية سلاماً ولا تقيم اعتباراً لقضايا السلام العالمي، بل أنها في واقع الحال تمارس الحرب المستمرة تحت دعوى السلام.