نشر بتاريخ: 17/10/2016 ( آخر تحديث: 17/10/2016 الساعة: 10:18 )
الكاتب: عمر حلمي الغول
لا يضيف المرء جديدا، حين يؤكد على ان جبهة الثقافة الوطنية بكل تجلياتها وفروعها الادبية والفنية والتراثية والحضارية، هي العنوان الابرز والاهم في تشكل الهوية والشخصية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني إسوة بكل شعوب الارض. وبالنسبة للفلسطينيين، فإنها تعتبر خط الدفاع المتقدم عن الاهداف الوطنية الكبرى. وهي حاملة راية الرواية الفلسطينية، وتنقلها عبر الاجيال المتعاقبة من المثقفين والفنانين المنتجين للمعرفة والفن وحاملي الموروث الشعبي مع عملية تعميق وتجذير وتأصيل لها بين الاجيال الجديدة وفي الواقع وللرد على الرواية الصهيونية الاسرائيلية، التي تحاول اولا طمس الثقافة الفلسطينية العربية؛ وثانيا سرقة مخزونها وموروثها التاريخي بكل مكوناته حتى على مستوى الفول والفلافل والحمص والمطرزات ... إلخ؛ ثالثا نفي صلة الشعب العربي الفلسطيني بارضه.
غير ان الخطر الاسرائيلي الصهيوني لم يعد، هو الخطر الوحيد، الذي يتهدد الثقافة الوطنية، بل هناك عدو قديم جديد لها، عنوانه حركة حماس الانقلابية. لان هذه الجماعة المنبثقة من رحم جماعة الاخوان المسلمين، لا تؤمن بالهويات الوطنية والقومية. بل هي ادوات هدم لها. وهو ما يخدم دولة التطهير العرقي الاسرائيلية في حربها ضد الثقافة الوطنية ومكوناتها المختلفة.
وحتى لا يبقى الحديث في نطاق التجريد والعام، فإن المرء يعيد القارىء لما شهده الاسبوع الماضي فقط من إعتداءات فاضحة طالت عناوين مهمة من الثقافة الوطنية، اولا الاعتداء الصارخ من قبل عطالله ابو السبح،وزير الثقافة الاسبق في حكومة حماس العاشرة على اهازيج الدحية والرقص المواكب لها، واعتبارها بمثابة " تجعير"، وطالب بحذفها من التراث الوطني؟! والاعتداء الثاني جاء من صالح الرقب، وزير اوقاف سابق في حكومة حماس، الذي تطاول على رمز الثقافة الوطنية، محمود درويش، عندما دعا الطلاب في قسم العقيدة لكتابة رسالة ماجستير بعنوان " الانحرافات الاعتقادية في الشعر الفلسطيني المعاصر .. محمود درويش نموذجا" .. ويضيف في مدونتة الساقطة والمبتذلة "طبعا يوجد شعراء آخرون لهم تخبيصات.. وهو موضوع يستحق الكتابة. كون هؤلاء تم تمجيدهم وتقديمهم على انهم عظماء في اشعارهم، مع انها مليئة بطامات مهلكات". ؟!
الاسئلة البديهية، التي تلقي بنفسها بعفوية وبشكل فوري، هل هناك طامة ومهلكات أكثر من طامات ابو السبح والرقب؟ وهل يوجد تخبيصات وتهافت وسقوط فاضح كما عند قيادة حماس كلها وليس عند غير المذكورين اعلاه؟ وكيف يجروء هؤلاء المارقون بالاساءة والتطاول على بعدين هامين من عناوين ورموز الثقافة الوطنية؟ إليس هو العداء المستحكم لديهم على الثقافة الوطنية؟ ولمصلحة من ؟ ولماذا ؟ أليس هذا هو النمط الطالباني، الذي دمر تماثيل بوذا في افغانستان؟ واليس هو الامتداد لتنظيم "داعش" و"النصرة" وكل التكفيريين، الذين دمروا الاثار العظيمة في تدمر السورية؟ اليست هي الحرب الاخوانية على موروث فلسطين والامة العربية والحضارة الانسانية؟
من المؤكد ان اهازيج الدحية، هي جزء اصيل من التراث الشعبي الفلسطيني العربي وخاصة عند ابناء البادية، وهم مكون اساسي من مكونات الشعب العربي الفلسطيني. لا يمكن لكائن من كان أن ينتقص منهم ومن مكانتهم الوطنية. وبالتالي الدحية، هي احد اعمدة الثقافة الشعبية الفلسطينية. واي اساءة لها او تطاول عليها، هي اساءة للشعب الفلسطيني وثقافته الوطنية. واما محمود درويش، رمز الثقافة الوطنية، الذي ترجمت اشعاره لعشرات اللغات، وكاتب وثيقة الاستقلال عام 1988 .. وغيرها، شاعرنا الكبير وسفير الثقافة الوطنية في ارجاء الدنيا، سيد الكلمة بلا منازع مع كل الاحترام للشعراء جميعا، أيعقل لرجل لا يفقه في علم اللغة ان يتجاوز حدود المنطق في الاساءة والاسفاف والابتذال على القامة العظيمة؟ هذا ليس إجتهادا، ما ورد في مدونة الرقب، هو هجوما وعدوانا صارخا على عميد الشعر الفلسطيني والعربي درويش. لان تنظيم الاخوان المسلمين معاد للوطنية والقومية. ولا يؤمن بالثقافة الوطنية او القومية. لانه نصير الظلامية والرجعية والتخلف. وهذا يتطلب هجوما منظما وموحدا ومنهجيا من قبل كل مجالات الثقافة والفن والمعرفة الادبية والفكرية والسياسية. لا سيما وان معركة الدفاع عن الثقافة الوطنية والقومية، هي واجب ومسؤولية شخصية ووطنية وقومية وانسانية على حد سواء. ليشمر رواد الثقافة في كل الميادين عن اذرعهم للتصدي الشجاع والعلمي والمنهجي للحملة الظلامية، التي تقودها حركة الانقلاب الاسود على الثقافة الوطنية. لا خيار للمهادنة ولانصاف الحلول في هذا الحقل، فإما التخندق في خنادق الثقافة الوطنية والقومية او الخنوع والاستسلام لمشيئة التكفيريين والظلاميين فروع جماعة الاخوان المسلمين.