نشر بتاريخ: 17/10/2016 ( آخر تحديث: 17/10/2016 الساعة: 13:00 )
الكاتب: تحسين يقين
حتى الآن بقيت الأمم المتحدة متمسكة بقراراتها فيما يخص فلسطين، وهذا يحسب لها، فهي تبدو ملكية في ذلك أكثر من كثيرين يهيمون في سراب التمني، وفي سياق ذلك، فإن منظمة اليونسكو تنحاز دوما للحق والعدل والتراث الإنساني.
تأمل القرارين الأخرين فيما يخص التعليم والقدس، يدل على هذا الاتجاه، ولعل ذلك سياسيا يقودنا لتفعيل وتعميق العمل الأممي لحل الصراع هنا، فالمعايير الدولية هي سند عالمي لنا، حتى ولو تم التفاوض ثنائيا، فإننا شعبا وقيادة بتنا أكثر وعيا على منطق الصراع السياسي-القانوني، حيث أنه ليس من السهل تغيير الأمم المتحدة لإرضاء دولة إسرائيل التي ما زالت تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة مدة نصف قرن، ناهيك عما أفرز وجودها أصلا من آلام لشعب عريق صار لاجئا، بما صنعته من مصادرة الأراضي دون أي وجه قانوني.
بالنسبة للقدس، فإنه وفق اتفاقية اوسلو، قد تركت للحلول النهائية، بدون أن تغير دولة الاحتلال أي شيء فيها، وهذا ما تنكرت له، مستغلة جهل من خرّب تنفيذ الخطوات التطبيقية لمراحل الاتفاقية. لذلك فإن مخاطبة إسرائيل من قبلنا، إنما هي مخاطبة دولية، ودلالة ذلك قرار اليونسكو الأخير، وما قبله، بشرط ألا نمنح إسرائيل أية مبررات تزيد من عنادها، كأن نتحدث عما يناقض إيماننا بأن القدس هي أرض الديانات.
في هذا الصدد، نبهت الزميلة نور عودة على صفحتها على الفيسبوك إلى أن اليونسكو تبنى قرارا يدين الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وطالب بوقفها، وهو يختلف عما تزعمه دولة الاحتلال التي تحرّض على اليونسكو بأنها تنفي علاقة الدين اليهودي بالقدس، علما أن مسألة القدس هي أنها أرض محتلة ينطبق عليها القرار الدولي 242، فالقدس وأهلها لم يعادوا أي دين، فهل عادى الفلسطينيون الدين المسيحي بسبب الحملات الفرنجية المتتابعة التي تعرضنا لها في الشام ومصر؟
إن مبررات الاحتلال فيما يخص الدين هي لإطالة الاحتلال، وكلنا يعرف ما قاله بن غوريون عشية تأسيس دولة إسرائيل، وزهده بالبلدة القديمة، حيث كان الاتجاه الاستعماري هو الغالب، لذلك يجب ألا نمنح إسرائيل أي مبرر لإطالة الاحتلال.
لقد كان مقدمو القرار لليونسكو من فلسطينيين وعربا مدركين لهذا النوع من التفكير، حيث لم يغب عتهم المنطق الاستعماري، فضمنوا في الديباجة التأكيد على أهمية مدينة القدس القديمة وأسوارها بالنسبة إلى الديانات السماوية الثلاث، حيث أننا لا نؤمن بذلك فقط بل نعتز بذلك.
لقد واكب قرار القدس في اليونسكو قرارا آخر يخص التعليم، في فلسطين والجولان السورية، ويمكن العودة للقرار الذي كان شاملا في موضوع الحق في التعليم وتجريم الانتهاكات الإسرائيلية.
وسنتعرض هنا لجزئية التعليم في القدس بند 8، الذي "طلب من إسرائيل، القوة المحتلة، وقف كل أنشطتها الاستيطانية ووقف عملية بناء الجدار، والكف عن كل التدابير الأخرى التي ترمي إلى تغيير طابع الأرض الفلسطينية المحتلة ووضعها القانوني وتركيبتها السكانية، ومنها التدابير الحصر الحد المتخذة داخل القدس الشرقية وحولها، والتي تعود بأضرار تضم من ّ على سبيل المثال عدم قدرة التلاميذ الفلسطينيين على التمتع بحقهم في التعليم على أكمل وجه"، وبند 9، الذي "يلاحظ بقلق شديد الرقابة التي تمارسها إسرائيل على المناهج الدراسية الفلسطينية المعتمدة في المدارس والجامعات في القدس الشرقية؛ ويحث السلطات الإسرائيلية على وقف هذه الرقابة فورا".
لعلنا هنا نعود إلى ما ابتدأنا به، حيث يصعب تفكيك الأمور عن بعضها، فالحق في التعليم هو حق آخر في التحرر وإنهاء الاحتلال وحق تقرير المصير، حيث أن التفكير الجدي والجاد في الحرب القانونية سيكون لصالحنا، شرط عدم التخريب على هذا الاتجاه العقلاني، وقطع أي طريق لأي مبرر للاحتلال للبقاء.
العالم والدول الكبرى رغم تحالفاتها وعلاقاتها القوية وغيرها مع دولة إسرائيل، لن تستطيع منح الشرعية للاشرعية، سيصعب على العالم قبول العبث بالتراث الثقافي والديني للجميع، ولن يكون من السهل السكوت على الانتهاكات لفترة طويلة؛ إذ كيف سيتفهم العالم منع الفلسطينيين دخول مدينة القدس التي يرتبطون بها اجتماعيا واقتصاديا وعلميا وتعليميا وروحيا؟
كل ما تصنعه إسرائيل يحرج العالم، ويغضبه، وهو إن سكت على مضض، لن يطول سكوته، وأنه في الوقت المناسب، سيكون للأمم المتحدة فعل لا مجرد قرارات، وما قبول فلسطين كعضو إلا خطوة كان لها ما بعدها، وسيكون لها.
واليوم ونحن نتأمل أحوج للتفكير المسؤول، كي نتضامن معا، لنحارب معا قانونيا، للاستمرار بمحاصرة دولة الاحتلال، وسيجد العمل الشعبي غير العنيف هنا وفي الخارج طرقا للمحاصرة، لتهديد دولة الاحتلال، من خلال تهديد شرعية الفعل والوجود الاحتلالي.
ليست المسالة أن نتحدث ونفعل، بل أي حديث وأي فعل...!
فهل سنحظى أخيرا بهارمونية سياسية شعبية ووطنية وقومية وعالمية؟
أظن أننا يمكن أن نفعل ذلك إن احترمنا العقل والشعور والديمقراطية التي تحتم احترام إشارات المايسترو!
لا يمكن لكل العازفين بتمثيل دور المايسترو، فكيف إن فعل الجمهور ذلك!
لعلي أشير هنا لشخصين تحدثا في الموضوع بما يساهم في زيادة الأمل بالوصول لحل عادل عن طريق المؤسسة الأممية، وهما الأخ د. ناصر القدوة سفيرنا السابق في الأمم المتحدة، وجاك أوكونيل، شخصية أمريكية رفيعة أخرى خدمت في المنطقة، عبر عن ذلك كخلاصة ونصيحة للعرب والفلسطينيين في مذكراته، حيث أنه لن تحقق إسرائيل أية شرعية في أهدافها التوسعية حتى ولو حققتها على الأرض، عليها أن تجعل العالم لا شرعيا، ولا يمكن أن يتفق العالم على باطل. الحرب القانونية ستوجعها.
نصيحة لشعبنا، من الأفضل الاستماع للعقلانيين، لا للمشوشين أبطال الورق، فعند الجد سيتبخرون، وكل ما سيهمهم ضمان مصالحهم الذاتية، وهم فقط سيحاربون كلاميا بنا وبأطفالنا وبممتلكاتنا، ولن نقطف منهم غير الكلام.
آن الأوان للتخلص من أبطال الورق!
إنهم يعرفون أنفسهم، ويعرفون أننا نعرفهم.
آن الأوان لنقصّر عمر الاحتلال أيضا.
صحيح أن هناك لغة قوة يفهمها، لكن هناك أيضا قوة المنطق!
وتلك يفهمها ويتقبلها أكثر!