الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانطلاقات!

نشر بتاريخ: 21/10/2016 ( آخر تحديث: 21/10/2016 الساعة: 09:51 )

الكاتب: حيدر عيد

بعد غياب لبضع سنوات تعود حركة الجهاد الإسلامي هذه الأيام لافتتاح موسم الإنطلاقات قبل الفصائل الفلسطينية الأخرى, بالذات الكبيرة منها. و يترافق مع هذا احتفالات في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة, حسب الفصيل الحاكم في هاتين القطعتين الصغيرتين من أرض فلسطين التاريخية, و اللتين تشكلان الدولة الفلسطينية المنشودة.
و عادة ما تشمل هذه الاحتفالات رفع العلم الفصائلى, و أحياناً الفلسطيني, عزف السلام الوطني, و الأغاني, أو الأناشيد الدينية, التي تتغنى بانجازات الفصيل المحتفل و تتوعد العدو بما لم يره من قبل, و تعدنا بالعودة المنتظرة منذ عام 1948, و في الوقت نفسه اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ( كاملة السيادة أحيانا, و منزوعة السلاح أحيانا أخرى) على حدود 1967, مع هدنة طويلة الأمد ,أو بدونها, من 10-20 عام!

كذلك يتم اصدار التعليمات لبعض الجامعات بتعليق الدوام باعتبار أن التاريخ المحدد للاحتفال عرس وطني.فالمحافظة على المسيرة التعليمية ليس باهمية الاحتفال بانطلاقة الفصيل. و على الجامعات, المحسوبة عادة على فصائل بعينها, أن تتفهم هذا الأمر! و يتم حشد عشرات, او مئات, الآلاف من طلاب المدارس و الأنصار, بأعداد تُعد إشارة على قوة الفصيل و قدرته على الحشد والتعبئة.

و تأتي هذه الاحتفالات بعد سنتين من الحرب الإبادية عى قطاع غزة الذي يعيش السنة العاشرة لحصار غير مسبوق تم تطبيعه بالكامل بحيث لم تعد مواجهته مهمة ملحة . و لابد من التذكير في هذا السياق بعجز, أو عدم رغبة,الفصائل الفلسطينية مجتمعة, و التي تحشد هذه الأيام عشرات و مئات الألاف من المؤيدين و الأنصار, عن حشد العشرات لتخليد ذكرى النكبة و النكسة. و في أحسن الأحوال تكون المشاركة الفصائلية شكلية حيث أن عدد الاعلاميين الذين يقومون بتغطية المسيرات المفترضة يكون أكبر بكثير من المشاركين من الفصائل!و السؤال هو لماذا لا تقوم هذه الفصائل مجتمعة بحشد 100 الف, على الأقل, في ذكرى يومي النكبة و النكسة و التوجه الى الحدود؟ و هل مناسبة الأنطلاقة أكثر أهمية من من محاولة تطبيق حق العودة-- لا سمح الله؟! و السؤال الذي قد يثير حنق الكثيرين من الذين يرون القضية بنظارات أيديولوجية ضيقة هو إن كان الفصيل أهم من الوطن؟ و ما هو تعريف الوطن (خارج الإطار الأيديولوجي الضيق؟) و هل تساءل على سبيل أعضاء الفصائل المحتفلة, بالذات التي تدعي ممارسة النقد الذاتي منها, عن الفارق الهائل بين احتفالات الانطلاقة و مسيرات يومي العودة و النكسة؟ هل توقفنا عن النظر في المرآة حتى لا نرى حقيقة واقعنا و الانحراف في بوصلتنا؟

ان قوة الشعب لا تكمن في توجه أيديولوجي محدد. كما أن الرسائل التي نود ارسالها (للعدو) من خلال الحشود الهادرة, المحتفلة بانطلاقة هذا الفصيل أو ذاك, كانت ستحمل معاني أهم بكثير لو أن نفس هذه الحشود انطلقت لتطبيق قرار194 الأمم المتحدة الذي ينص صراحة على حقنا في العودة الى القرى و المدن التي طهرت عرقيا عام 1948. و لكن في خضم الصراعات الفصائلية لإبراز حجم التأييد لهذا التنظيم أو ذاك, و هرولتنا نحو حل عنصري تحت مسميات الاستقلال , و استفادة البعض من حلول هزيلة, و حتى من الحصار الخانق على قطاع غزة, أصبحت البوصلة التي توجه نضالاتنا معوجة! فالتنظيم أهم من الوطن, و الصراخ العالي من خلال مكبرات صوت مهولة أصبح معيار النضال! و بدلا من التركيز على عزل اسرائيل و مقاطعتها و فرض عقوبات عليها و ربط ذلك بتعبئة جماهيرية تتخطى النظارات الحزبية الضيقة, كما فعلت الحركة المناهضة للعنصرية في جنوب أفريقيا إبان الحكم العنصري البغيض, أصبحنا نستحدم مواردنا البشرية للاحتفال بانطلاقات قد تستمر لفترة طويلة اذا لم نغير المسار!
هل المشكلة الآن في القضية أم في المحامي(ن)؟!