الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حل الدولتين مستحيل حال استمر الاستيطان ...

نشر بتاريخ: 27/10/2016 ( آخر تحديث: 27/10/2016 الساعة: 10:41 )

الكاتب: د. صائب عريقات

التصريحات الشديدة اللهجة التي أطلقها المجتمع الدولي بما فيها تصريحات وزارة الخارجية الامريكية حول سياسة إسرائيل الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية ، ما هي الا دلالة على عدم اعتراف المجتمع الدولي بالمشروع الاستيطاني. الشعب الفلسطيني الذي لا زال يعاني نتيجة للاستيطان والسياسة الاحتلالية التي تنتهجها إسرائيل في هذا الصدد تجاه الشعب الفلسطيني منذ حوالي أكثر من قرن مضى. إن سياسة الاستيطان ما هي إلا تأكيد على موقف إسرائيل المعادي للشعب الفلسطيني ودليل على عدم اتخاذها لإجراءات فعلية على الأرض تجاه وقف سياستها المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه.

التصريحات الأخيرة لوزارة الخارجية الأمريكية والتي تطرح تساؤلات حول مدى استعداد إسرائيل لتحقيق حل الدولتين ، لا تقتصر على تذكير إسرائيل بسياساتها التي تقضي على جهود الولايات المتحدة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط بل تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت لدى الولايات المتحدة استعدادات بإتخاذ أي خطوة تجاه سياسة الاستيطان الإسرائيلي بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفي يونيو/حزيران المقبل سيحي الفلسطينيون ذكرى مرور 50 عاما على الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967. كنت حين ذاك في الثانية عشرة ربيعا حيث احتلت إسرائيل مسقط رأسي مدينة أريحا.
فالاحتلال العسكري الإسرائيلي لدولة فلسطين هو أطول إحتلال عسكري قائم في التاريخ المعاصر وهو إحدى التجارب التي عايشتها ومرت بها الأجيال الفلسطينية.

أما التجربة الأخرى التي يتقاسمها الشعب الفلسطيني مع الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني في الخارج فهي الشتات ، حيث يمنع على الفلسطينين في الشتات من العودة إلى وطنهم لأنهم غير يهود. كما أن حال أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات لا يختصره حال اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك في سوريا ومخيم شاتيلا في لبنان ، بل هو حال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من احترام حقوق الشعب الفلسطيني الغير قابلة للتصرف بما في ذلك الحق في تقرير المصير والتي أقر به المجتمع الدولي كهدف معلن إلا أن إسرائيل قامت بمواصلة انتهاكاتها للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بحصانة كاملة. وقد لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا في السماح لإسرائيل بمواصلة انتهاكاتها المنظمة لحقوق الشعب الفلسطيني.

لقد بات من الواضح أنه وبعد مرور حوالي 100 عام على وعد بلفور الذي كان نقطة البداية لانكار حقوق الشعب الفلسطيني ، لم نعد ننتظر تصريحات أو تحذيرات حول نهاية حل الدولتين ، بل أننا نذكر العالم بمسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه. فالشعب الفلسطيني طرد وشرد بكل قوة وعنف من أرضه ووطنه عام 1948 وعانى ويلات الاحتلال عام 1967 و أجبر على قبول تسوية تاريخية بدولة فلسطينية على أراضي عام 1967. لقد اعترفنا بدولة إسرائيل على أكثر من 78% من أراضي دولة فلسطين التاريخية والذي كان بمثابة أكبر عملية تنازل تمت الموافقة عليها في إطار تحقيق السلام في الشرق الأوسط. إن تبني دولة فلسطين للموقف الدولي آنذاك هو بمثابة اعتراف بحل الدولتين ضمن حدود العام 1967.

كان هذا جزءا من الحوار الفلسطيني الأمريكي الذي انطلق في سبعينيات القرن الماضي والذي شمل أشهر المثقفين الفلسطينيين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية كادوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد.

كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتهج سياسة رسمية تلزم إسرائيل بتطبيق حل الدولتين الى جانب الرفض التام للممارسات الاستيطانية ، إلا أن السياسة الأمريكية باتت أكثر وضوحا عقب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت لصالح العديد من قرارات الأمم المتحدة التي رفضت إضافة غطاء الشرعية للمستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية بل ألغت وابطلت حق إسرائيل وسياستها التي رمت الى ضم القدس الشرقية. إلا أنه وبعد اقرار الفلسطينيين لرؤيتهم وبعد إقرارها دوليا وإقرارها من قبل الادارات الأمريكية المتعاقبة ودول الاتحاد الأوروبي فإن سياسة الإفلات من العقاب التي تنتهجها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تجاه إسرائيل ساهمت في امعان الأخيرة في سياساتها الاحتلالية تجاه الشعب الفلسطيني بما فيها سياسة الاستيطان التي جعلت من عملية السعى إلى تحقيق السلام عملية أبدية بغير نتائج حقيقية واضحة ومثمرة سوي أنها دمرت آمال الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني.

من غير الممكن تطبيق حل الدولتين في وجود المستوطنات الإسرائيلية. فدولة ذات سيادة يجب أن تمتلك سيطرة كاملة على أراضيها ومواردها الطبيعية وهذا ما يستحيل تطبيقه في الحالة الفلسطينية في ظل وجود أكثر من 200 مستوطنة غير شرعية على أراضيها. فاليوم يقيم أكثر من 600.000 مستوطن بطريقة غير شرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية التي هي عاصمتنا وجزء من أرضنا ووطننا. ومطلبنا لامتلاك سيادة كاملة على أراضينا ليست ضد اليهود في شيء ويتنافى مع الصورة التي يسعى بنيامين نتنياهو إظهارها للعالم بل هي أيضا ضد مشروعية الاستعمار الأجنبي لدولة فلسطين.

كما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو المسؤول عن تدمير مئات القرى المسيحية والإسلامية والذي عليه ان يتحمل مسؤولية التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني، قام باتهامنا بالتطهير العرقي وذلك عقب دعوات فلسطينية لإسرائيل باحترام قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من أراضي عام 1967.

واذا كانت فعلا لدى إسرائيل مساعى للإعلان عن مشروع استيطاني جديد بعد أيام معدودة من تسلم دعم مالي بقيمة 38$ مليار وهو حصيلة الضرائب الامريكية والتي تذهب لدعم الجيش الإسرائيلي ، فإن ذلك يحدث لأنه لن يعقب هذا السلوك أي نتائج وخيمة على إسرائيل. فالادانة الشديدة اللهجة لا تثير خوفا أو قلقا لدى حكومة إسرائيلية يمينية. إنما ما يثير قلقها هو التحركات بما في ذلك تحركات المجتمع المدني بقطع العلاقات كاملة مع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي دولة فلسطين ودول العالم أجمع. كما يشمل ذلك الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967 والسماح لمجلس الأمن الدولي بممارسة ولايته في فلسطين.

تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين حول المستوطنات الإسرائيلية ليست بالجديدة.

إلا أنه على الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما ألا يترك فرصة للسماح لانهيار حل الدولتين. وما نحن بحاجة حقيقية إليه الآن هو إجراءات حاسمة من أجل تحقيق حل الدولتين المتفق عليه دوليا وهو دولة فلسطينية حرة على أراضي 1967 ومساءلة إسرائيل حول التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه وفقا للقانون الدولي إلى جانب تحقيق مبادرة السلام العربية ضمن اتفاق عربي إقليمي لتحقيق السلام.

فالتصريحات الشديدة اللهجة وحدها لن تقودنا نحو ذلك.