الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قرار اليونسكو، بين الإنجاز والابتزاز ؟

نشر بتاريخ: 27/10/2016 ( آخر تحديث: 27/10/2016 الساعة: 15:06 )

الكاتب: اليف صباغ

اعتمدت لجنة التراث العالمي المنبثقة عن منظمة "اليونسكو"، التابعة للأمم المتحدة، يوم 26/10/2016 قرارا جديداً يخص مدينة القدس القديمة وأسوارها،أكّد على عدم شرعية أي تغيير أحدثه سلطات الاحتلال في بلدة القدس القديمة ومحيطها، كما أكد أن مدينة القدس هي مدينة محتلة بحسب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المتعلقة بفلسطين، ودان القرار بشدة سلطات الاحتلال، وطالبها بالوقف الفوري لجميع أعمال الحفريّات غير القانونية التي تنفذها مجموعات المستوطنين ورأى بها تدخلات صارخة ضد آثار القدس.

إضافة الى ذلك،طالب القرار سلطات الاحتلال بتسهيل تنفيذ مشاريع الاعمار الهاشمي في الأقصى،والسّماح، غير المشروط، لوصول السلطة المعنيّة، والمتمثلة بخبراء الأوقاف الأردنية، من أجل المحافظة على بلدة القدس القديمة وأسوارها.كذلك السماح لبعثة المراقبة والخبراء التابعة لليونسكو من الوصول الى مدينة القدس وأسوارها.

شدد القرار، أيضا، على إبقاء "بلدة القدس القديمة وأسوارها" على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، كموقع مسجل من قبل الاردن عام 1981. في الوقت ذاته لم يُغفل مطالبة سلطات الاحتلال بإعادة الآثار المنهوبة، وتزويد مركز التراث العالمي في اليونسكو بتوثيق واضح لما تم إزالته من الآثار، وأمور أخرى...

من جهته، رحب مجلس أوقاف القدس بموقف لجنة التراث العالمي، وقال المجلس في بيان له: "إن تبني القرار جاء رغم المعارضة الشرسة والضغوطات الهائلة التي مارستها اسرائيل على الدول الأعضاء في المنظمة لإفشاله". وهو يأتي بعد أُسبوع / أسبوعين من قرار مماثل صدر عن المجلس التنفيذي لليونسكو بتاريخ 13 و18 تشرين أول الجاري، يخص ملكية الحرم القدسي، والذي أكد أنه ملك خاص بالمسلمين دون غيرهم، ونفى علاقة اليهود بحائط البراق او أي وجود لما يسمى ب"جبل الهيكل" في باحة الحرم القدسي. حتى انه رفض استخدام التسميات الإسرائيلية_ "جبل الهيكل" و"حائط المبكى".

لا شك انها قرارات هامة، وهي تأكيد دولي على إسلامية الحرم القدسي، وعروبة القدس القديمة. وهو تكذيب دولي صارخ لكل ما تدعيه إسرائيل في المحافل الدولية من "حقوق تاريخية"، وتحذير بأعلى صوت من أن تُقدِم إسرائيل على تنفيذ مخططاتها بهدم قبة الصخرة وبناء "الهيكل المزعوم" بدلا منه، او محاولة تقسيم الحرم القدسي بين اليهود والمسلمين، كما حدث في الحرم الابراهيمي. مع ذلك لا بد من التوقف عند هذا القرار الأخير بالذات، ليس فقط للنظر الى مضمونه بدقة، وانما للنظر الى ما حدث في الساحة الدولية خلال الأسبوعين الماضيين، وتأثير ذلك على مضمون القرار وسيرورة اتخاذه.

بعد إتّخاذ القرار الأول في الثالث عشر من الشهر ذاته، انتفضت وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، ومعها مُجمل الجاليات اليهودية، ووسائل الاعلام الصهيونية في العالم، ضد القرار، ولم يبقَ حجرٌ على حجر إلا وقلبوه لتغيير القرار المذكور، من خلال إعادة التصويت عليه. كان أبرز إنجازات إسرائيل من هذه الحملة انها استطاعت الاطاحة بمندوب المكسيك في المنظمة بقرار رئاسي، ونجحت، بمساعدة المكسيك والمستشار القانوني للمنظمة، إعادة التصويت على القرار بعد خمسة أيام فقط، فتراجع المندوب الجديد عن موقف بلاده من مؤيد للقرار الى ممتنع عنه. وكانت الجالية اليهودية في المكسيك قد انقلبت على رئيس الدولة متهمة إياه بخرق الوعود التي قدمها للجالية بعدم تأييد القرار، وهنا لا بد من التذكير بفاعلية ونشاط الجاليات اليهودية في العالم، على مدى مائة عام وأكثر، مقارنة بالجاليات العربية عامة.

تكفي متابعة بسيطة لوسائل الاعلام العبرية، خلال الأسبوعين الماضيين، لنعرف ان إسرائيل قامت، بمساعدة الولايات المتحدة، على تهديد منظمة "اليونسكو" بحلّها او شلّها، من خلال قطع التمويل الذي تقدمّهُ الولايات المتحدة للمنظمة بمبلغ 80 مليون دولار سنويا. كما عملت على تهديد المديرة العامة للمنظمة، ايرينا بوكوفا، وأجبرتها على التصريح بان المنظمة تعترف بقدسية المدينة القديمة لليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء، وان تكتب، كما جاء في الصحف العبرية، "أن الحرم القدسي هو جبل الهيكل المقدس لليهود، وان حائط المبكي هو أكثر نقطة مقدسة لدى اليهود". كما وضعت اسرائيل أهدافا عينية لتغيير مواقف عدد من الدول، وخاصة الأوروبية، من موقف المؤيد للحق العربي الى موقف الممتنع ونجحت في ذلك. هنا لا بد من التّساؤل، كيف يمكن لأمريكا وإسرائيل ان يهددا المنظمة بقوة 80 مليون دولار سنويا، وهو مبلغ يصرفه امير خليجي،"مسلم"، على نكاح عارضة أزياء مشهورة؟ لن اسأل اين هي أموال النفط القذرة لأنها تدنّس الأقصى ولا تحميه، بل من واجبي ان أسأل أين هي أموال عامة المسلمين التي تُبذل في سبيل الأقصى؟ ألا يبذل الشباب الفلسطيني المسلم أرواحهم دفاعا عن الأقصى؟ وما من مقارنة بين الأرواح التي تبذل وتلك المبالغ التافهة.وأسأل، هل فكر أحد بإقالة إيرنا بوكوفا من منصبها، او التلويح لها بذلك، بسبب تصريحاتها المعارضة لقرارات المنظمة الدولية؟

إضافة الى كل ذلك، لا بد من التذكير بما اعتبرته البعثة الإسرائيلية إنجازات، فاجأت الوفدين الفلسطيني والأردني، عند اتخاذ القرار الأخير يوم 26 من الشهر الجاري. أولها الاستعانة بالمستشار القانوني و للمنظمة بفرض التصويت السري على القرار، بعكس القرارات التي اتُّخذت باٌلإجماع في الماضي. وثانيا بتصويت عشر دول فقط لصالح القرار، وامتناع ثماني دول، مع تغيب دولة واحدة ورفض دولتين للقرار. وهذا يعني تراجعا كبيرا في المنظمة لصالح المواقف الإسرائيلية، خاصة لدى الدول الأوروبية، مما ينذر بخطر تحول الموقف في السنوات المقبلة لصالح إسرائيل، مثلما حصل في قرار الأمم المتحدة السابق باعتبار الحركة الصهيونية حركة عنصرية. هل يستكين العرب والمسلمون وتنتفض إسرائيل في وجه العالم فتحقق أحلامها؟ أم أن القرار يجب ان يوقظ العرب من سباتهم لكي لا يستفيقوا يوما على فراش سواهم؟

ليس هذا فقط، بل نجحت البعثة الإسرائيلية، بخُبثها المعهود، في إزالة القوسين عن كلمة "حائط المبكى" في نص القرار، عكس ما حصل في القرار الذي سبقه، وهي تطمح الى استخدام تسمية "جبل الهيكل" مرادفا الى الحرم القدسي في أي قرارات قادمة، بحجة "التوازن" في المواقف. فهل ينام العرب مرة أخرى وتنجح إسرائيل في تحقيق مآربها؟

وأخيرا، رغم التهليل الفلسطيني بالانجاز العظيم، الا أنني لم أجد في القرار ما يؤكد ان القدس القديمة هي فلسطينية، بل يشير الى هوية أردنية للقدس القديمة، فهل تنازل الفلسطينيون عن القدس القديمة، كما تنازلوا عن الأوقاف الإسلامية فيها لصالح العائلة الهاشمية؟ولم أجد في القرار قوّة الزامية لإسرائيل بتنفيذه، بل يبدو لي ان إسرائيل ستزيد في المستقبل القريب من غلوائها، لفرض الأمر الواقع، ضاربة بعرض الحائط مثل هذه القرارات، وقد مارس ذلك مندوب إسرائيل الى المنظمة منذ اللحظة الأولى، عندما قذف بالقرار الى سلة المهملات في قاعة الاجتماع ، وامام كاميرات التلفزيون، معبرا، بصراحة ووقاحة، عن احتقاره للقرار وللمنظمة وللمندوبين الدوليين.
القادم أعتى وأقسى ان بقي الأداء العربي على هذا النحو، وان بقي الشعار السائد، اننا عاجزون. لأن العجز هو المرحلة الأخيرة قبل الموت. ولا مستقبل مع العجز والعاجزين.