نشر بتاريخ: 27/10/2016 ( آخر تحديث: 27/10/2016 الساعة: 16:18 )
الكاتب: د. نايف جراد
خريف :
ويعود إلى التلال
يعود بشغفه المعهود
باحثا عن زاد جديد
لكنه لم يعد ذاك الفتى الذي كسر الصخر بيديه
كي يزرع شجيرات الزيتون
ويلاحق الغزلان البرية
فها قد اعتمر رأسه شيبا
تجعد وجهه
وعندما يحاول أن يكابر
تخونه يداه ورجلاه
ويفضحه سعاله المزمن
إنه الخريف
يسكن جسده وروحه
وتتساقط فيه أوراق عمره أمام ناظريه
لكنه في الخريف يعود إلى التلال
ليقترب من الزيتون
يغازله ويحاكيه
يحدثه عن مصيره
يقطف ثماره
يتلمس أوراقه وأغصانه
ويحتضن جذوعه
فهو لا زال رغم ستين خريف
يبحث عن سر نضارة الزيتون
أسرار الوجود:
من أين أتيت أيها الأخضر اليانع؟
أي بطن أنجبك؟
ما الذي يبقيك صامدا في التلال رغم الأنواء والأعاصير؟
وكيف لا تموت؟
أهو سحر الربة "منيرفا"، التي أهدتك للبشر، أم حكمة" أثينا"؟
أهي بركة "زيوس" التي تجسدت في : إيرينا" الجميلة الغضة، أم دموع العذارى المغتصبات التي خصبت تربتك؟
قل لي بربك ما هو سرك العميق!!!
قل لي لما أنت مقدس!!!
جئتك في زمن تنهال فيه الأسئلة كشلال جارف
ولن أهبط عن التلال هذه المرة حتى أعرف سرك
سأحفر عميقا في الأرض كي أتتبع جذورك
وأمشي معك في طرق القداسة
يا أيها الزيرتون
أنظر كم من الجرار تمتلئ بسائلك الذهبي في إيبلا
وقد أهرقت اليوم في حلب الشهباء
بات الزيت عكرا ومرا
يا أيها الأكادي
يا ملك الجهات الأربع
سقطت اليوم بلادك بيد الغزاة الطامعين
وصمتت لغتك القديمة، فاتحة الحضارة، مهشمة على موج الشرق والغرب
انطفأت قناديل ملائكتك في أوغاريت وجبل النار
الأرض باتت سداحا مداحا لملوك النفط والغاز
والفلاح الكنعاني لم يحفظ وصايا موسى
هاجرت الطيور وتشرد الفقراء
لم يعد في الجرار زيت يمسح به الطفل
انطفأت مسيرة النبوة
بيوت الرب دمعت حزنا
عم طوفان الظلام أرجاء الكون
لم يعد لليمامة غصن أمل
شواطئ الوهم والسراب
باتت خلجانا صخرية تتكسر عليها السفين
حكمة الزيتون
للزيتون سره
للزيتون حكمته
هو هنا في أصل الوجود
هو في كنه الخلود
منذ ما قبل التاريخ يصدح بأنشودة الميلاد والنضارة
أسكنه الرب القدير أرضا مباركة
فانتشر في السهول و التلال
تتشبث جذوره عميقا في الأرض
تتسابق أغصانه لتصافح النور
وتمتلئ ثماره بوقود الحياة
أوقد المشاعل في الأولمبوس
أضاء المعابد والطرقات والمنارات
مسد الأجساد والعقول
وقبل أن يتوج الملوك،
تخلى عن العروش الزائفة
كي لا يحرم الناس زيته المبارك
وتبقى ظلاله وارفة
كي يسود السلام الأرض
وتبقى الخضرة، دائمة زاحفة
وعلى طور زيتا
وحيث سيقوم الأموات
ستعلو حكمة الزيتون:
نحن الشجر المعمر في هذه الأرض أيها المارقون
كنا هنا منذ ما قبل التاريخ
ونحن هنا باقون