الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤتمر فتح السابع بين خطّي الضرر و الضرورة

نشر بتاريخ: 30/10/2016 ( آخر تحديث: 30/10/2016 الساعة: 14:44 )

الكاتب: عبد الله كميل

لقد كان من المفترض ان يعقد المؤتمر الحركي السابع قبل حوالي عامين وذلك عملا بالنظام والقانون الذي اقره النظام الداخلي للحركة و الذي ينص بأن دورة المؤتمر هي خمسة سنوات وأنه يجوز تأجيل المؤتمر بقرار من المجلس الثوري لأسباب قاهرة. لكن المؤتمر – كما هو معروف – لم يعقد حتى اللحظة ولم يصدر الثوري قراراً بتأجيله. وككل مرة يتأخر فيها عقد المؤتمر كانت المرجعيات الحركية تعزي الأمر " للظروف الصعبة" أو " المرحلة الحساسة و الحرجة" ، وكأن قضيتنا برمتها ليست عبارة عن سلسلة من المنعطفات المصيرية و الحرجة، أو كأن هناك معاييراً للظروف الحرجة و الحساسة لست أنا أو غيري على علم بها. أقول ذلك وأنا أعي أن ديباجة "الظروف الصعبة" تأجل بسببها المؤتمر السادس أربعة عشر عاماً، في وقت كانت سنوات التسعينيات ملائمة لعقد المؤتمر، في حين عقدت مؤتمرات سابقة في ظل ظروف جد قاسية و حرجة، كالمؤتمر الثالث الذي عقد في سبتمبر من عام 1971 بعد أحداث ايلول الدامية، و المؤتمر الرابع في دمشق عام 1980 على وقع التهديد الصهيوني باستئصال منظمة التحرير و وقواعدها في لبنان.

وأيّا كان الحال فأنا أرى أن الظروف القاسية و المصيرية التي يمر بها الوطن و قضيته هي التي تدفع لعقد مؤتمر الحركة وليس العكس أليس مؤتمر الحركة هو البلسم الشافي للأزمات التنظيمية و الوطنية؟ أليس المؤتمر هو الذي يقدم الحلول للخلافات التنظيمية حسب الفانون وأليس هو ملتقى القيادات و الكفاءات و العقليات التنظيمية المخضرمة القادرة على الدفع بالسفينة من خضم الأمواج المتلاطمة الى بر الأمان؟

أجزم بأن المؤتمر يمكن أن يكون الأداة الفاعلة لمواجهة الواقع الصعب وهو الذي يمنح الشرعية للقرار السياسي و التنظيمي على حد سواء وذلك إن أعطي دوره المنصوص عليه في النظام الداخلي للحركة، وقبل ذلك إن تم إختيار أعضائه وفق القانون و المعايير بعيدا عن المزاجيه والمحاور والاسترضاء والإرضاء. لحظتها يتم اطلاق العنان للمؤتمر ليقول كلمة الفصل اتجاه كافة الموضوعات المطروحة امام المؤتمرين وعلى قاعدة ان المؤتمر سيد نفسه ولا سلطان عليه الا النظام. بل هو الذي يغير ويطور ويحدث في النظام على اعتبار انه مصدر التشريع الحركي ان جاز التعبير.

ليس خافياً ان الحركة تمر بأسوأ الظروف وأقساها، ولست أبالغ بالقول أن وضع الحركة هو الأصعب على الإطلاق منذ انطلاقتها، فهي المرة الأولى التي تعاني فيها الحركة من محنة هويتها، ووجودها. حيث أن أمام مؤتمرها قضايا وهموم كبيره يعيشها ابناء فتح الذين ينتظرون من المؤتمر ان يكون مؤتمر فكر وفلسفه وبرنامج سياسي ومجموعه من البرامج المتشعبه التي تسهم في تطوير الحركة على كافة المستويات. ينتظر أبناء الحركة من المؤتمر أن يقوم بإعادة صياغة الهيكل التنظيمي للحركة وترسيخ قواعد العمل على كافة المستويات الحركية التي تضمن وحدة الأداء وشمولية المنظومة التربوية الثوريه، مع تنشيط أدوات الفعل القادرة على حشد الطاقات للاستمرار في معركة التحرر والبناء وفرض الوحدة الوطنية بفعل القوة التنظيمية وقوة وصلابة الفعل المؤثر الناتج عن وحدة الحركة العاملة بمنظومة تفرض الهيبة والاحترام ليس على صعيد جماهيرنا الفلسطينية فحسب بل على المستوى العربي و الإقليمي وصولاً الى التأثير الدولي.

لابد إذن من الخروج بتغييرات حقيقية على كافة الصعد تضمن اعادة بث روح الأمل عند ابناء الحركة بشكل خاص وأبناء شعبنا بشكل عام. يجب أن ننفض غبار اليأس والإحباط، وان نتفرغ لقول الحق وفعل الحق .لابد من تفعيل الضوابط لكل المراتب التنظيميه واعادة بناء مؤسسات الحركة بناء سليما يرتبط بالنظام والقانون الحركي وتفعيل ادوات الرقابه على اداء كل العاملين بالحركة بدءاً باللجنة المركزية وانتهاء بأصغر حلقة من حلقات العمل التنظيمي .
وفي هذا الإطار وانتصاراً لمبدأ الحوكمة التنظيمية في حركة فتح، فإنني أدفع باتجاه العودة للنظام الانتخابي الهرمي أي قيام المجلس الثوري بانتخاب اللجنة المركزية من بين ظهرانيه، و التخلي عن الطريقة التي اعتمدت في مراحل سابقه و التي ينتخب بموجبها كل من المجلس الثوري و اللجنة المركزية على حدة من قبل المؤتمر. لقد أظهرت التجربة السابقة بما لا يدع مكاناً للشك بأن مثالب الانتخاب المستقل لهاتين الهيئتين الأساسيتين أكثر بكثير من محاسنه. 

وأستطيع أن ألخص ايجابيات نظام الانتخاب الهرمي داخل المؤتمر بما يلي:
أولاً، ضمان تفعيل الرقابه الحقيقية والفعالة على أداء اللجنة المركزيه مجتمعة او على كل عضو من أعضائها على انه يجوز حجب الثقة عن المركزيه بتصويت اغلبية الثلثين وليس من خلال الاغلبيه المطلقه. إن الإدعاء بأن طريقة الانتخاب الهرمي تؤدي الى خلق "الكوتات" المتناقضة و المتصارعة داخل الهيئات القيادية هو إدعاء واه، وهو ليس أكثر من فزاعة تستخدم للحفاظ على طريقة الإنتخاب المستقل. بل على العكس تماماً، لقد أظهرت تجربة المؤتمر السابق كيف أن طريقة الانتخاب المستقل لكل من الثوري و المركزية قد فاقمت من حالة الاستقطاب الداخلي بين كل من المركزية و الثوري بطريقة فجة وملاحظة، الأمر الذي أضر بصناعة القرار التنظيمي، و حوّل المجلس الثوري من اداة للرقابة الداخلية الى امتداد للجنة المركزية و انعكاسا لخلافات اعضائها الذين يعتبرون أن انتخابهم من المؤتمر مباشرة يحررهم من الرقابة و المساءلة.

ثانياً: يحقق الانتخاب الهرمي نتيجة أخرى غاية في الأهمية، تتعلق بنوعية و مستوى أعضاء المجلس الثوري و خبرتهم التنظيمية و قدراتهم الفكرية. فعندما يكون الثوري هو الممر الإجباري للوصول الى المركزية، ستحتشد كل الكوادر و الطاقات الهامة في هذا الممر ومنها سيصل الأكفأ الى اللجنة المركزية، لكن جل من سيتبقى في المجلس الثوري هم من الأسماء الوازنة و الطاقات الكبيرة التي ستعيد للمجلس الثوري دوره و فعاليته كأهم هيئة ذات صلاحيات واسعه تقرر في المسائل الاستراتيجيه ، إن النظام القائم يؤدي الى تهميش الكثير من الكادرات و الطاقات الحركية التي في سبيل طموحها للوصول للمركزية تضحي بموقعها المحتمل في المجلس الثوري و تتحول الى طاقات مهملة إن لم يتم استرضاءهم بمواقع وهيئات مستحدثة مثل المجلس الإستشاري الذي اعتبر أن تشكيله جاء لاسترضاء الكوادر المجربة التي لم يحالفها الحظ في الوصول للجنة المركزية.

ثالثاً: إن وجود رقابة المجلس الثوري الفعالة ستكون دافعاً لأعضاء المركزية نحو مزيد من العطاء و النشاط و تتحول مقولة أن العمل الحركي هو تكليف و ليس تشريفاً.
رابعاً: وأنا اعتقد جازماً بجدوى العودة للإنتخاب الهرمي أو العمودي، فإنني أنادي بضرورة أن يتزامن ذلك مع اعطاء الأقاليم المزيد من الأهمية و الفاعلية، بالإضافة الى منحهم الإمكانيات المناسبة التي تمكنهم من التواصل مع القواعد التنظيمية بفعالية وديناميكية أعلى. كما أقترح في هذا السياق ضرورة تفعيل المجالس الحركية في كل اقليم، مع امكانية ان يتم بحث انتخاب المجالس الحركيه والتي تقوم بانتخاب الاقاليم على غرار المجلس الثوري والمركزيه . 

ويبقى ان نقول ان الضرر الناتج عن عقد مؤتمر لا يأت بالنتائج المرجوه وأهمها ترسيخ وحدة فتح وتفعيل ادوات فعلها سيكون كارثيا على الحركة وعلى مستقبل أبنائها فهذا المؤتمر الضرورة يجب ان يكون انطلاقه جديدة لحركه شكلت على الدوام صمام الامان للمشروع الوطني والتحرري.