نشر بتاريخ: 30/10/2016 ( آخر تحديث: 30/10/2016 الساعة: 16:36 )
بقلم: عبد الحسين شعبان
أعلنت اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) عدم أحقية "إسرائيل" في امتلاك الأماكن التاريخية في القدس، ورفضت وصفها بأسمائها اليهودية، وقالت في قرار اتخذته لجنة فرعية بالمنظمة يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري (2016) إنها إرث تاريخي خاص بالتاريخ الفلسطيني، مثل المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف وحائط البراق، وذلك بالأسماء العربية، وليس بالتسمية اليهودية "جبل المعبد".
صوَّت لصالح القرار 24 دولة، ورفضته 6 دول، هي: (المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وأستونيا وهولندا ولتوانيا)، وامتنعت بعض الدول عن التصويت مثل: فرنسا وألبانيا واليونان والأرجنتين واليابان وعدد من الدول الإفريقية، وغابت عن جلسة التصويت صربيا وتركمانستان.
أثار قرار اليونيسكو ردود فعل حادّة لدى دولة "إسرائيل" وسخطاً شديداً وغير مسبوق ضد اليونيسكو، لم يظهر مثله في تاريخها، باستثناء مرتين:
الأولى – حين صدر قرار الأمم المتحدة 3379 في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1975 والخاص باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
حينها ثار حاييم هيرستوغ ممثل "إسرائيل" في الأمم المتحدة، فقام ومزّق القرار من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل إنه تباهى بصهيونيته، واصفاً القرار بأنه مدعاة للاشمئزاز. وكانت غولدا مائير رئيسة وزراء "إسرائيل" (السابقة) قد قالت بتحدٍّ: علينا أن نعلق الباجات على صدورنا ونكتب عليها "إنني صهيوني". وحين تولى هيرستوغ رئاسة الدولة في "إسرائيل" (1986) أقسم: ألاّ تنتهي مدّة رئاسته (1990) إلاّ ويكون القرار 3379 قد أعدم. وفعلاً بُعيد ذلك بقليل تم إلغاء القرار الأممي التاريخي، في سابقة خطرة في 16 ديسمبر (كانون الأول) العام 1991.
الثانية – قرار نحو 3000 منظمة مجتمع مدني بإدانة الممارسات "الإسرائيلية" ودمغها بالعنصرية، وذلك في مؤتمر ديربن (جنوب إفريقيا) العام 2001، وحينها هدّدت الولايات المتحدة وكندا بالانسحاب من المؤتمر، وعملتا على تعويم القرار، وخصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية الإجرامية، وسعت "إسرائيل" و"حماتها" إلى العمل على تغيير وجهته في مؤتمرات لاحقة في جنيف حول العنصرية، وتحقّق لها ما أرادت، وللأسف الشديد ففي المرتين حصل العرب على نصر سهل وكبير ثم ناموا، في حين كان ذلك حافزاً جديداً لـ"إسرائيل" ويقظة لها في المحافل الدولية للقيام بكل ما من شأنه دعم وجودها واستمرارها وتبرير احتلالها وعدوانها القائمين.
من هذا المنظور نقرأ ردود الفعل "الإسرائيلية" اليوم حول قرار "اليونيسكو"، فقد قال عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إنه قرار سخيف واليونيسكو تمثّل مسرحاً للهزل. أما رؤوفين ريفلين رئيس الدولة فعلّق عليه بقوله: إن من يُقدم على فعلة إنكار علاقة اليهود بالقدس، فإنه يهين نفسه، وقال رئيس الكنيسيت يولي أدلشطاين: إن القرار دليل عدم وجود المنظمتين (ويقصد اليونيسكو والأمم المتحدة)، ناسياً أن "إسرائيل" تأسست بقرار الأمم المتحدة 181 لعام 1947، ووصف وزير الداخلية الحاخام إرييه درعي: اليونيسكو، بأنها عار يلطّخ الأمم المتحدة، وجاءت التعليقات وردود الفعل من قبيل أن القرار دعم للإرهاب وهو معاد للسامية، وغير ذلك.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: إذا كانت "إسرائيل" لا تكترث بالقرارات الدولية، فلماذا أقامت الدنيا ولم تقعدها لصدور قرار من اليونيسكو بشأن مسألة تاريخية؟ الجواب يعود إلى موقفها من القرار 3379 الذي يسحب الشرعية القانونية عن قيام دولة "إسرائيل"، لا سيّما بممارستها العنصرية، ويصب في هذا الاتجاه قرار مؤتمر ديربن وتقرير غولدستون حول الممارسات "الإسرائيلية". أما قرار اليونيسكو، فإنه يسحب الشرعية التاريخية التي تحاول "إسرائيل" التعكّز عليها بادعاء احتلال المناطق الفلسطينية المقدسة.
لذلك نلاحظ الغضب والتوتر على سلوك وتصرفات القادة "الإسرائيليين"، عند سماعهم خبر نفي علاقة اليهود بالمسجد الأقصى. وهو ما عبّر عنه نتنياهو بسخرية حين اعتبر عدم وجود علاقة "لإسرائيل" بالأماكن المقدسة، هو مثل نفي علاقة الصين بسور الصين أو مصر بالأهرام.
إن قرار اليونيسكو ذا الأهمية الاستثنائية ينسف نظرية الهيكل "دولياً" ويفضح زيفها علمياً، ولهذا لا بدّ من العمل على دعمه وتعميمه واستخدامه في الصراع الدبلوماسي والقانوني والتاريخي، المدني والسلمي، ضد "إسرائيل"، خصوصاً بحشد دول ومنظمات دولية أخذت تدرك أكثر فأكثر، حقيقة عدوانية "إسرائيل" والدور التخريبي الذي تقوم به في المنطقة وعلى النطاق العالمي بتهديد السلم والأمن الدوليين. والقرار انتصار للحق العربي التاريخي في فلسطين، حيث لم تستطع الحفريات التي امتدت لعشرات السنين إثبات العكس، ومثل هذا القرار بالتالي يفقد أي مبرّرات أخرى سواء بضم القدس، فضلاً عن اعتبارها عاصمة أبدية "لإسرائيل".
وإذا كانت القدس مدينة الأديان السماوية الثلاث، فهي مدينة مفتوحة في الإدارة الفلسطينية السابقة يوم كانت ضمن الدولة العثمانية وحتى الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيم البلاد العربية وفقاً لاتفاقية سايكس – بيكو العام 1916، مثلما كانت ملتقى لأتباع الديانات الثلاث، فإنها يمكن أن تكون كذلك، خصوصاً برفع يد الاحتلال عنها، وتمكين الشعب العربي الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وإذا كان القرار خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، فالأمر بحاجة إلى تعزيز وتعميق واستخدام جميع الوسائل المشروعة للضغط والإقناع لدعم هذا القرار والاستناد إليه بإصدار قرارات لاحقة. فهذا المكسب الذي تحقّق على المستوى الدولي ينبغي ألاّ يضيع في غمرة الأحداث وازدحام الأجندات، ولا بدّ من إلفات النظر لمحاولة التراجع والنكوص عنه، وإلى الضغوط التي سيتعرّض لها البعض، وكانت مديرة عام اليونيسكو السيدة ايرينا بوكوفا قد صرّحت بعدم رضاها على القرار، وقالت إن القيمة العالمية للمدينة يرجع إلى التركيب المترابط الذي يجب أن يشجّع على الحوار وليس المواجهة.
وينبغي ألاّ ننسَى أن الولايات المتحدة قد أوقفت دعمها لليونسكو البالغ 80 مليون دولار سنوياً في العام 2011 بعد قبول عضوية دولة فلسطين. وقد نتوقع إجراءات أخرى مماثلة بعد صدور هذا القرار، وهو ما يذكرنا بالوسائل التي تم استخدامها على مدى نحو 15 عاماً، بخصوص القرار 3379، حتى أطيح به في سابقة لم تحدث في تاريخ الأمم المتحدة أن أصدرت قراراً، ثم عادت وناقضت نفسها بنفي تهمة العنصرية عن الصهيونية.