نشر بتاريخ: 31/10/2016 ( آخر تحديث: 31/10/2016 الساعة: 10:45 )
الكاتب: رائد محمد الدبعي
هي ليست أرقام عابرة، ولا مصفوفة رياضية صماء، إنما هي اختزال لرواية البؤس الفلسطيني، المرشحة بقوة لكي تحفر وجعها في قلب الذاكرة الفلسطينية الجمعية، ولاقتحام طهر خبزنا، وزيتوننا، وشمسنا، وهوائنا، ومطرنا، وسمائنا، ولحمنا، ودمنا المسفوح، وبسمة أطفالنا.
فمع إعلان ميلاد العام 2017، ستكتسي هذه الأرقام عظما، ولحما، وروحا، وستشحذ حرابها، لتنقض بكل ثقلها، ولؤمها، على مقومات صمود الفلسطيني في كل أماكن وجوده، سواء كان في الوطن المحتل السليب، أو في زوايا الغربة التي طالت، والشتات الآخذ بالبعد يوما بعد يوم، إذ أن الرواية الفلسطينية في هذا الزمن الرديء، تخط أحلك سطورها، وأكثرها ظلما، وقسوة، وظلاما، ويشاء القدر أن غربة الفلسطيني في اليرموك لا تليق بسريالية المشهد، فلا بد من أن يطوف أرجاء العالم بحثا عن وطنه البعيد مرمى حجر، لكي يكتشف أخيرا، كما "سينتياغو" في الخيميائي، أن الحقيقة تحت قدميه، وأن تراب الوطن هو كنزنا وثروتنا الحقيقية.
لكي لا ننغمس عميقا في وزر الأرقام الصماء ، ونبتعد عن شواطىء الحقائق الوازنة، دعونا نميط اللثام عن تلك الأرقام، وعلاقتها بمأساة شعبنا، ولنبدأ بالرقم الأول، 100""، إذ أن ميلاد العام الجديد، سيصادف الذكرى المئوية الأولى على وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا، عبر وزير خارجيتها،" آرثر جيمس بلفور" بتاريخ 2 تشرين الثاني1917، يهود العالم وعدا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، والذي ما لبث أن أضحى جزءا رسميا من السياسة الخارجية البريطانية، إذ تضمنت المادة الثانية من صك الانتداب البريطاني لفلسطين، عبارة تشير إلى ذلك بشكل جلي، من خلال تضمينها أن " تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي" وهو الأمر الذي تحقق بعد ما يقارب الثلاثين عاما، نتيجة لعدد من الأسباب، وفي مقدمتها تفسخنا، وانقسامنا، مقابل عدو موحد،وذو رؤية طويلة المدى.
أما الرقم " 70 "، فهو عدد السنوات التي مرت على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم " "181، والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 ، وقسمت بموجبه فلسطين إلى ثلاث كيانات، يهودية على ما يقارب 45% من مساحة فلسطين الانتدابية، وأخرى عربية، مع إخضاع القدس وبيت لحم للوصاية الدولية، فيما يشير الرقم "50 " إلى عمر احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967، ممثلا بالضفة الغربية وقطاع غزة، وما لم يتم احتلاله من القدس الشريف، فيما يشير الرقم " 30 " إلى عمر انتفاضة شعبنا الأهلية عام 1987، أما الرقم 10 ، فهو عمر الإنقلاب الدموي ، وعدد سنوات الانقسام المخجل للشعب والجغرافيا، والنظام السياسي في فلسطين، منذ العام 2007، فيما يشكل "الصفر" العامل المشترك بين الأرقام جميعا ، لكي يذكرنا بحجم منجزاتنا الوطنية، ومدى تقدمنا نحو إنهاء الإنقسام، ووحدة الوطن والقضية.
لا يهدف التنقيب في الذاكرة إلى نكئ الجراح، ولا للتذكير بضرورة تنظيم فعاليات جماهيرية، تواكبها خطابات عاطفية تجيش المشاعر، وتلهب الأحاسيس، وليس هاما عدد البيانات، والمطبوعات، والتصريحات الصحفية التي ستصدرها القوى والفصائل حول تلك المناسبات، ولا حجم الأموال التي ستنفق لتغطية تلك الفعاليات، ولا أرى أي داعي لإخراج الطلبة من مدارسهم للمشاركة في فعاليات وطنية بتلك المناسبات، إنما الأهم، والأجدى، والأكثر تأثيرا، أن نتوقف أمام تلك المناسبات، وماَلاتها، وأمام واقعنا، ومستقبل أجيالنا، بكل مسؤولية، وعقلانية، وأن نجيب جميعا، بروح القلعة المحاصرة، وعقلية الناقد الثاقبة، بعيدا عن الغوغائية، والعاطفية، والتجييش المقزز لمشاعر الملايين، عن عدد من الأسئلة بكل وضوح، وشفافية، ومسؤولية، وانتماء، أول تلك الأسئلة، تتعلق بالأسباب التي أدت إلى كل هذه الماَلات العسيرة، بدءا من نكبتنا، فنكستنا، ومن ثم تتويج ذلك بعار الإنقسام، وما هي أسباب اقتباسنا في كل محطات نضال شعبنا، لذات الكبوات القاتلة، بدءا بالإنقسام، والفرقة، والحزبية، واحتكامنا في قراراتنا إلى الفردية، والعشوائية، وردود الفعل، فيما نواجه عدوا يتمتع بأقصى درجات التنظيم، والإطلاع، والمعرفة، والإستناد إلى المعلومة، والمعرفة في رسم سياساته نحو أرضنا ووجودنا على الأرض، بالإضافة إلى الإجابة الدقيقة على أين نقف، وإلى أين نتجه، وما هي أدواتنا في ذلك.
كما أن الذكرى السنوية الثلاثين لانتفاضة شعبنا تستحق أن نحلل، ونقيّم تلك التجربة، وأسباب وأدها دون أن تؤتي ثمارها، وأسباب انحرافها عن مسارها الصحيح بعد فترة من انطلاقها، كتعبير عن الإرادة الشعبية والأهلية للمواطنين، من نساء ورجال، وشباب، وعمال، وطلبة، ونقابيين، ومثقفين، وصحفيين، وتجار، وكيف أدت العسكرة، واللاعقلانية، وانتشار الفوضى، إلى حرف البوصلة، وعدم حصد الثمار.
أما العام العاشر من عمر الإنقسام، فيجب أن يطرق خزان الوعي الجمعي للمواطنين، ويحفز بهم المسؤولية الاجتماعية، نحو مغادرة السلبية، واليأس، وانعدام الثقة بقدرة الجماهير على صناعة التغيير، نحو تفجير طاقاتها الحقيقية، ولعب دورها الحقيقي، والطبيعي، في رسم مستقبلها، وصناعة غدها.
ما لم نغادر جميعا، صفوف التحزب، والتواكل، والشعبوية في القرار، والتفكير، وننطلق نحو ساحات العمل المؤسسي المنظم، والقرارات العقلانية الواعية، وبناء تحالف بين أصحاب القرار، والمختصين بمختلف قطاعات المعرفة، والتحرر من العداء للحرية، والتعددية، وقبول الآخر، وما لم نعيد تنظيم الذهنية الفردية، والجماعية لأبناء شعبنا، بحيث نملؤها بالوعي، والمعرفة، والمسؤولية، بدلا من التحزب، والاصطفافات العشائرية، والجغرافة، والحزبية، وما لم نستثمر تلك الأرقام في تنظيم حملات دولية، لتذكر العالم بمسؤوليته المجتمعية تجاه شعبنا، ولحشد الرأي العام الداخلي نحو حتمية وأد عار الإنقسام، فإننا وللأسف الشديد، مرشحين لنضيف لأرقام البؤس في السطور السابقة، أرقاما جديدة، ولكي نضيف للنكبة والنكسة، والانقسام مصطلحات قد تكون لا قدر الله أكثر قسوة، بنتائجها، ومخرجاتها،