نشر بتاريخ: 01/11/2016 ( آخر تحديث: 01/11/2016 الساعة: 10:17 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
سئلت من قبل وكالة انباء محلية في مقابلة نشرت مؤخراً، هل المؤتمر السابع لحركة فتح سيكون فرصة للنهوض بالحركة أم لتصفية الحسابات؟
سؤال مهم، اجتهدت للإجابة عنه في مساحة ضيقة لتقرير، بيد أن الاجابة التحليلية الموسعة تتطلب مقالاً تحليلياً أوسع، وهو ما أحاول القيام به الآن.
أولاً – حركة فتح هي فصيل فلسطيني مبادر، بمعنى أنه الفصيل الذي قال كلمته الأولى، تنظيماً وفعلاً في التجربة الثورية الفلسطينية المعاصرة.
ثانياً. استطاعت فتح بخطابها السياسي وعضويتها غير المرتبطة بأيدولوجية أن تكون فصيلاً جماهيرياً حظي وما زال بتأييد شعبي، وهذا التأييد وإنْ تراجع في بعض المحطات، فإن الحركة قادرة على استعادته في المحطات الساخنة.
ثالثاً. ما يسجل للحركة أنها قادت المواجهة في معارك شديدة الأهمية كمعركة الكرامة بعد هزيمة العام 1967، التي لقيت اسناداً من وحدات الجيش الأردني ميدانياً، ما أعطى الحركة زخماً، حيث تعاظم تأييدها الجماهيري واتسعت عضويتها لآلاف المنضمين إليها في كل ساحات تواجد الفلسطينين.
رابعاً. تمتعت الحركة بثقل وتأثير ميداني وسياسي خلال وجود الثورة في لبنان، وقدمت الشهداء في الدفاع عن الوجود الفلسطيني، إلى أن وقع الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، الذي أسفر عن خروج مقاتلي الثورة وتشتتهم في عدد من الدول العربية.
خامساً. اضطلعت الحركة بدور فعَال في الانتفاضة الأولى من خلال القيادة الوطنية الموحدة إلى جانب الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب.
سادساً. بعد أوسلو دخلت الحركة في نفق صعب ما بين السلطة والثورة، واعترتها ازدواجية شتت جهدها في الاتجاهين وتباين أداؤها بين استثمار السلطة وبين دفع استحقاقات اتفاقات أوسلو التي قيدّت بعض بنودها أيدي الحركة وطوقت إمكاناتها وحركة فعلها.
لقد قال يوماً أحد أقطاب المعارضة الفلسطينية في منظمة التحرير د.جورج حبش: إذا ارتفع سقف حركة فتح ارتفع سقف القضية الفلسطينية وإذا هبط سقف فتح هبطت القضية، بمعنى أن المعارضة كانت تدرك أي قوة وحضور للحركة، إذ ان لهذا الشتخيص قراءَته الموضوعية والعلمية للحركة، الأمر الذي يتناقض الآن مع قراءَات وتحاليل يتبرع بها معارضون ومستقلون، تحتفل بأي ضعف أو إرباك يصيب حركة فتح، لأسباب ذاتية أو لقصور في التحليل، من باب التشفي أو تصفية الحسابات أو بدوافع انتقامية، متناسين أو متجاهلين أن هبوط منسوب حركة فتح أو تفككها سيقود إلى فراغ سياسي وميداني، يصعب على أي كان في اللحظة التاريخية المعاشة، تعويضه أو تغطيته، فالبدائل المطروحة ما زالت قاصرة عن القيام بذلك.
من هنا تأتي أهمية عقد المؤتمر السابع للحركة، الذي طالت التحضيرات له، بفعل تحديات داخلية وخارجية تعيشها الحركة، ولأقل إن التحديات الداخلية تشكل الحلقة المركزية، لأنه في حال التغلب على هذه التحديات، فإن الحركة سيكون بمقدورها التعامل مع التحديات الخارجية بقوة أكثر نجاعة وتأثيراً.
وبالعودة إلى السؤال المطروح في بداية هذا المقال، أي ما هي الأولويات (التوحيد والتنظيم أم تصفية الحسابات)، لا بد للحركة من إيلاء أهمية مركزية للتوحيد، وعدم إضاعة الوقت والجهد في محاسبة ولجم أفراد واتجاهات، وتصفيات حسابات مع توجهات أخرى بصرف النظر عن أية خلفيات واعتبارات، لأن الحركة منذ انطلاقتها كانت قدارة على التعامل مع التبيانات والاجتهادات، ومنها الاتجاهات التي تراوحت بين الوطني والقومي والماركسي والاسلامي لتعمل جميعها تحت إطار الحركة، في حين نجحت الحركة في معالجة آثار الانشقاق وخروج جماعة "أبو موسى"، لتعود وتستوعب المئات من القيادات والكوادر التي اعتقدت أن الانشقاق سيصوب المسار، لتكتشف أنه يعمق الأزمة، وأن الأمور تحل ليس بالشعارات والتماهي مع مصالح خارجية.
إن الذي يجب أن يسود هو الحوار الداخلي، والتصدي للتحديات والتوجهات بنفس طويل وحرص على عدم اغلاق الأبواب أمام الطاقات للحؤول دون مغادرتها أو تشكيل أجسام موازية تضعف الحركة وتهدد وحدتها وهيبتها.
فالمؤتمر السابع الذي ننظر إليه ليس من الزاوية الفتحاوية الحركية فقط، بل من البوابة الوطنية الواسعة، كون مستقبل الحركة له عميق الارتباط بمستقبل القضية الوطنية الفلسطينية، وهذا ما يجعل كاتب مستقل مثلي يدلو بدلوه في هذا الموضوع، من منطلق أن حركة فتح هي ليست ملكاً للفتحاويين فحسب، بل وللشعب الفلسطيني، الذي هو الآن على مفترق طرق حساس، ما يجعله بأمس الحاجة لروافع وطنية متماسكة موحدة.
ومن العوامل الأخرى التي تمثل نقطة نجاح للمؤتمر إذا ما تم التركيز عليها ووضع آليات لتحويلها من إمكانية إلى واقع، الخروج بصيغة توحيد للساحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بين فتح وحماس، بالاستفادة من صدور تصريحات مشجعة ومساعدة، كالتي أدلى بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ومفادها لا يمكن لفصيل بعينه مهما بلغت قوته أن يتصدى للمشكلات والتحديات في قطاع غزة والضفة بمفرده، مركزاً على أهمية الشراكة الوطنية، ليعقب ذلك خطوة عملية على الطريق في اللقاء الذي عقد مؤخراً في قطر بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي خالد مشعل.
إن قوة أي فصيل تكمن في التكامل والتناغم مع الآخر على الساحة الفلسطينية، لأن التنافر والتناقض يضعف الجانبين وبالتالي يضر بالقضية ويشجع الدول والقوى المناهضة لاستقلال وتحرر الشعب الفلسطيني على التمادي في انحيازها لإسرائيل ويحبط المؤيدين لقضيتنا.
فهل يكون المؤتمر السابع مدخلاً لإعادة توحيد الحركة وإعادة توحيد الساحة الفلسطينية؟ الأمر مرهون بالقرارات ثم بعد ذلك بالخطوات العملية.