نشر بتاريخ: 01/11/2016 ( آخر تحديث: 01/11/2016 الساعة: 14:56 )
الكاتب: محمد خضر قرش
لا يوجد فلسطيني عاقل ولديه حد أدنى من الوطنية والارتباط بالأرض والقضية إلا ويشعر بالأسى والحزن وعدم الرضا لما يجري في حركة فتح. وذلك لكونها تسيطر وتستأثر بالقرار الوطني الفلسطيني وتحتكر السلطة التنفيذية في منظمة التحرير ومؤسساتها على مدى الخمسين عاما الماضية والسلطة الوطنية على مدى ربع قرن تقريبا. من هنا فإن ما يجري في حركة فتح سيؤثر على مصيرنا ومستقبلنا وفي المقدمة، مشروعنا الوطني ونضالنا ضد الاحتلال البغيض. فلم تشهد الحركة تراشقا وتلاسنا حادا واتهامات عبر وسائل الاعلام المختلفة بهذه الطريقة العلنية الفجة بما في ذلك استخدام السلاح واقتحام بعض المخيمات واعتقال عناصر بعينها بسبب تأييدها أو موالاتها لجهة او لشخص معين. وقبل التعليق وابداء الرأي بما يجري لا بد أن نوضح بعض النقاط الرئيسة في حركة فتح لتسهيل فهم خلفية ما يجري حاليا:
1. الخلافات في حركة فتح ليست جديدة فهي موجودة منذ فترة طويلة وحتى في ظل القادة التاريخيين كابي عمار وابي جهاد وابي اللطف وابي اياد وابي صالح وابي السعيد.. الخ. لكن الخلافات السابقة وبعضها اتسم بالحدة والحرد والاعتكاف، لم يصل الوضع إلى ما هو عليه حاليا. ففي الماضي غير البعيد كانت الخلافات تجد طريقها للتسوية والمراضاة وخاصة وان الثورة الفلسطينية كانت في ذروة معركة التحرر الوطني وخارج الأرض الفلسطينية من هنا كانت تتم عملية لملمة الخلافات بهدوء وبدون ضجة إعلامية كالذي يجري حاليا. ورغم ذلك خرج من صفوفها صبري البنا /ابونضال وشكل تنظيما مستقلا تلاشى واندثر بموته في بغداد ثم انشقت مجموعة ابوموسى واسست فتح الانتفاضة عقب الخروج من بيروت وما زالت بقاياها متناثرة في دمشق بعد وفاة ابوموسى وابوخالد العملة لكن بدون تأثير يذكر على الساحات الفلسطينية بما فيها سوريا ولبنان وغيرهما.
2. حركة فتح ليست حزبا ايدولوجيا موحدا وليس لها فكر فلسفي عقائدي كما هو الحال في الأحزاب الشيوعية والبعثية والقوميين العرب والأحزاب اليسارية فيما بعد، فهي ظاهرة نضالية ضمت وجمعت في صفوفها كل الاتجاهات الفكرية بما فيها الإسلامية. فكنت تجد في حركة فتح يساري ويميني
وليبرالي وقومي وموالي لهذا النظام العربي أو ذاك وغيره.
3. على امتداد تاريخ فتح النضالي لم تقف يوما أمام نفسها لتحاسب وتقيم أداء قياداتها بما في ذلك الذين اعتقلوا واعترفوا على شاشات التلفزة والذين عادوا إلى مواقعهم وكأن شيئا لم يكن، ولا اعتقد أننا بحاجة إلى سرد تاريخي لتبيان الوقائع والاسماء والمناسبات بدءا من أيلول 1970 وحتى تاريخه فالكثير منهم باتوا في ذمة الله مما يتوجب عدم نبش الماضي احتراما وتقديرا لهم. ولكن من باب التذكير فان الذي أفشل فتح في الانتخابات الأخيرة هم أبناء فتح أنفسهم، الذين نافسوا بعضهم البعض فكانت النتيجة أنهم خسروا. ورغم ما قيل عن اتخاذ إجراءات ضد كل من لم يلتزم بقرار التنظيمي للحركة إلا انهم جميعا عادوا إلى صفوفها وبعضهم عين سفيرا بدلا من محاسبته.
4. لم يعد شعار "انا ابن فتح ما هتفت لغيرها" صالحا ولا قادرا على تجميع صفوفها وإعادة الهيبة والاحترام لها، فقد نشأت مصالح وارتباطات باتت أقوى من الشعار ومن الانتماء والالتزام.
5. وفتح حالها حال العديد من الفصائل لم تحاسب يوما فاسدا أو مختلسا أو مرتبطا بهذا النظام العربي أو ذاك بما في ذلك دول إقليمية. فلم يسبق للحركة أن قدمت أحدا من السابق ذكرهم إلى المحكمة (الحركية أو القضائية) إلا من رحم ربه وفي حالات نادرة جدا ولأسباب لا داعي لذكرها. وعلى جميع الأحوال فأن عددهم أقل من أصابع اليد الواحدة. فعلى سبيل المثال لا الحصر لا أعلم كم كادرا أو مسؤولا في الحركة لديه علم بما آلت إليه أصول وأموال مؤسسة صامد والتي كانت تقدر بالملايين ولا أرصدة وحسابات الصندوق القومي الفلسطيني الذي ترأسه جويد الغصين لسنوات عدة والذي تم تهريبه من غزة من قبل بعض عناصر القوى الأمنية النافذة في حينه بعد أن حجزه أبو عمار لمطالبته بتسديد العجز الذي قيل بأنه 13 مليون دولار ونفس الشيء يمكن تعميمه على صندوق الاستثمار الفلسطيني تحت إدارة ومسؤولية خالد سلام.
6. العديد من الذين تم فصلهم في جناحي الوطن تمت إعادة العضوية لمعظمهم بدون إبداء الأسباب في كلا الحالتين. وهذا خلق ميوعة ورخاوة وعدم التزام بما يصدر عن الحركة من قبل كوادرها مما أفقدها التماسك والصلابة التنظيمية (الحركية) إذا جاز التعبير.
7. كان لاستشهاد او وفاة معظم القادة التاريخيين المؤثرين من أعضاء اللجنة المركزية عدا ثلاثة منهم أطال الله في عمرهم، وسلسلة الهزائم التي منيت بها منظمة التحرير والتربع الطويل على قيادة الحركة أفقدها بريقها وتأثيرها المباشر على مجموع الأعضاء في الداخل والخارج. وخاصة أن العديد من الكوادر كانت في حالة فكرية وكفاحية وطاقة تنظيمية تفوق العديد من أعضاء اللجنة المركزية. ونتيجة لذلك بدأت تتشكل كتل ومجموعات داخل الحركة جوهرها المصالح الشخصية المشتركة بينها بالدرجة الأولى.
8. وهناك عامل على درجة عالية من الأهمية ولعب دورا كبيرا في خلخلة حركة فتح وانقسامها واكاد أقول تشرذمها هو قيام السلطة الوطنية في نهاية عام 1993 على إثر اتفاقية أوسلوا. حيث سارعت كوادر فتح دون غيرها في البداية لتبوأ المناصب والمراكز الحكومية!!! والمؤسسات الاقتصادية والأمنية بالإضافة إلى السفراء، فبات يندر ان تجد جهازا أمنيا يترأسه شخصا من خارج فتح. وهذا يعني أن كوادر الحركة فضلوا العمل الحكومي والسلطوي على الحركي والحزبي.
لقد تأثرت حركة فتح سلبيا من قيادتها للسلطة الوطنية والحكومة ومنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية في نفس الوقت ولم تنحصر هذه الظاهرة في الرئيس فحسب بل امتدت وسحبت نفسها على العديد من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري والكوادر الأخرى. فبات الجمع بين المركز الحركي والمنصب الحكومي وأحيانا ليست قليلة مناصب، السمة التي باتت تشاهد يوميا لدى قطاع واسعة من أبناء شعب فلسطين. وكان من الطبيعي أن تؤثر على أداء الحركة جماهيريا وبات الانتماء لها ينطلق من مصلحة ذاتية وليس وليد قناعة. وهذا ما أشار إليه الأخ نبيل عمرو في ندوة هامة له في مدرج جامعة النجاح عقب خسارة الحركة للانتخابات الأخيرة حيث قال" كان يكفي أن يقول أو يدعي شخصا ما بأنه من فتح لتفتح له الأبواب لتقلد المناصب". بعكس ما كان الوضع في السابق (لبنان والأردن وفلسطين قبل أوسلوا) حيث كانت الكوادر تختبر نضاليا وميدانيا كشرط لتقدمها في الحركة وتبوأها للمواقع والمناصب المختلفة.
وبالعودة إلى الموضوع الأساسي فإن ما يجري في حركة فتح يدمي قلوب كل الوطنيين والشرفاء والحريصين على الاستقلال الوطني ودحر الاحتلال. لذلك نقول بأنه آن الأوان لوقف تراشق الاتهامات وعلى الذين يرغبون في المنافسة أن لا يضروا حركة فتح أكثر من هذا. فأمامهم فرصة الخروج وتشكيل تنظيم جديد وليطلقوا عليه ما يشاؤون من الأسماء ولكن من المحظور عليهم أن يستمروا في توتير الأجواء داخل حركة فتح أكثر من هذا وهم بذلك يسمحوا لكل دولة عربية وإقليمية أن تتدخل في الشأن الفلسطيني بطريقة فجة تخدم مصالحها بالدرجة الأولى. فالخروج وتشكيل تنظيم جديد ظاهرة موجودة في فلسطين ولا غبار عليها. فالخروج بات ارحم بكثير من بقاء التراشق والاتهامات بين الفرقاء لأنه يسئ إلى نضالات شعبنا وشهدائه وتضحياته الكبيرة خلال العقود الطويلة الماضية وخاصة قيادات فتح الأوائل، فحتى بعد الخروج من بيروت عام 1982 لم تجرؤ أي دولة عربية وغيرها من التطاول والتدخل في الشأن الفلسطيني، أما الان وبسبب الانقسام الفلسطيني وأزمة حركة فتح بالتحديد، فقد شرعت كل الأبواب لتدخل الغير في الشأن الفلسطيني. وختاما فإن الذهاب إلى مؤتمر فتح إذا تم عقده في ظل أزمتها الداخلية الحالية والاستقطابات الحادة، في الشهر القادم فلن ينجم عنه سوى المزيد من التجنحات والانقسامات وزيادة حدة المواجهات بين أكثر من فريق داخل فتح. فالمؤتمر وفقا لكل ما تقدم لن يرأب الصدع بل سيخلق تصدعات كثيرة في الجسم الفتحاوي سيدفع ثمنه شعب فلسطين وبذلك نقدم أكبر هدية أو خدمة مجانية للاحتلال ولكل المتربصين بنا وبعدالة قضيتنا.