نشر بتاريخ: 05/11/2016 ( آخر تحديث: 05/11/2016 الساعة: 14:49 )
الكاتب: نسرين موسى
(يما بدنا دجاج, كله فت شاي, كله زعتر ,بطونا نشفت), وتركوها بعد تناولهم لفت الشاي, وبعد وعد منها طال انتظاره بفت الدجاج, لكن صدى صوتهم لم يتركها.
شعرت بها أنها تحتاج لأياد أخرى لتفلح بصم أذنيها ليذهب صدى صوتهم بعيداَ.
أخرجها الحزن من بيتها وجر قدميها برفقة صدى أصوات أطفالها متجهاً بها إلى محل الدجاج, وقفت تتأمل الدجاج المذبوح , وأنا أتأملها من خلف شاشة العرض بدموعي, كأنها ترى كل قطعة على الطاولة بيد طفل من اطفالها مستمتعاً بها, إلى أن فاجأها البائع بسؤاله الذي قطع تأملها بالدجاج, واغضبني, ماذا تريدين؟, ظاناً انها تتسول النقود, إلى أن فاجأته بعد أن كان يهم بإخراجها من المحل بذوق مغلفاً بالقسوة , أريد أقدام الدجاج.
لم يتفاجأ ,لم يحزن, لم يبادر بإعطائها ولو دجاجة واحدة تزيل شيئاً من قهرها ,واعطاها الاقدام رغم تعريفها له عن نفسها أنها جارة محله.
عادوا ثلاثتهم من مدراسهم ,وكانت قد أعدت لهم الفت وغطت الصينية وكتمت بخارها المتصاعد, وتوجهوا إلى المطبخ كعادتهم لتناول فت الشاي, لكنهم تفاجأوا بالصينية ,وحملوها فرحين إلى أن صدموا من منظر أقدام الدجاج تغطي الفت, كانت ردة فعلهم صادمة ساخرة ,حركت مشاعر والدهم الذي كان من قهرة وعجزه ,يصرف ثمن الطعام الجيد بشراء علبة سجائره , التي يشتريها مقابل بيع أشياء في منزلهم.
ربما كانت أقدام الدجاج كصحوة له من غيبوبة التدخين , الذي ينفيه خارج دائرة الاحساس ولو لبعض الوقت.
أحداث متتالية سيقت لي ولبقية المشاهدين بدقائق معدودة.
دقائق لخصت قهر فئة من المجتمع لا تجد قوت يومها.
رب الأسرة لا يجد العمل ,بيت متهالك, بطون جوعى, لم أر السبب الحقيقي أن الاب عديم المسؤولية , أو أن مشاعره متحجرة ,وقد يقول البعض يذهب لينحت الصخر, ويخرج منه النقود وينفق على أطفاله, حتى هذا العمل مفقود في غزة المحاصرة ,وقوافل الخريجين تشهد و التي جعلت الأب الفقير يقول لا فائدة من الشهادات , ويتساءل لماذا أعلم أطفالي ؟!.
أسهل عمل يمكن فعله هو التسول ,وجربه الأب بطل الفيلم ,لكنه بات لا يجني منه ولو شيكلاً واحداً.
فقراء, حالهم عدم, لم ينظر لهم إلا كتاب ومخرجين حولوا الكتابة عنهم لفيلم نبكي عليهم فيه , رغم أنهم لا يزالون على قيد الحياة.
الاحداث كلها جسدها المخرج الفنان زهير البلبيسي في فيلمه لا زالوا على قيد الحياة , ضمن كرنفال المرأة السينمائي 2016 الذي يشرف عليه مركز شؤون المرأة.
أوصل احساس الفقراء لنا, وأبكانا رغم إدراكنا بواقعية وجودهم.
تخرج بعد نهاية الفيلم واقدامك متثاقلة كأقدام بطلته التي طلبت أقدام الدجاج وهي بكامل انكسارها وحزنها ,على مجتمعك المتهالك ,الذي يئن من الفقر ودموع الفقراء وشوقهم لحياة يتوفر لهم فيها أبسط الحقوق كالطعام.
وتتمتم بينك وبين نفسك بتساؤلات لا تنته: كيف سأتناول الدجاج وقد يكون بنفس الدقيقة, هناك من تطعم أطفالها أقدامه؟!
من المسؤول ؟ سؤال غبي لأن المسؤول من المؤكد ليس بحاجة لفيلم يتابعه ليعرف عن تهالك تلك الفئة ,ولكنه يتعامى!
السؤال الأصح متى سيدرجون الفقراء ضمن برامج أولياء أمور وطننا, ويتم نشلهم من بئر الحرمان , والحياة التي لا ترضاها البهائم ,لكنهم غرقى بتفاصيلها , وللأسف لا زالوا على قيد الحياة يموتون ببطء.
و حتى العطف والاحسان من بعضنا عليهم فُقِد بحجة أننا لا نريد تشجيع التسول !
بربكم هل نشجعهم على الموت ,أم نميت إحساسنا ونجمد دموعنا؟
لا زالوا على قيد الحياة وينتظرون معنا معرفة مصيرهم!