نشر بتاريخ: 09/11/2016 ( آخر تحديث: 09/11/2016 الساعة: 10:40 )
الكاتب: فهمي شراب
تعتبر أزمة هجرة اللاجئين العرب إلى أوروبا من أبرز ملامح التداعيات السلبية لمرحلة ما سمي بــ ثورات الربيع العربي . وقد كان هناك تخوف ورفض من القيادات الأوربية لاستقبال المهاجرين وخاصة المسلمين، ولكن سرعان ما غير بعض قياداتهم موقفهم من الأزمة ووافقوا على استقبال أعداد محددة، منهم ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني. هذه الهجرة بأعدادها المهولة تذكرنا فقط بأحداث الحرب العالمية الأولى والثانية لعظم التغيير على المستوى الديموغرافي والسكاني وحجم المأساة الإنسانية التي حدثت آنذاك.
وقد بدأت تطفو ظاهرة النزوح واللجوء على سطح العالم الإنساني والمجتمع الدولي إبان الحرب العالمية الثانية، والتي على إثرها جاءت اتفاقية 1951م لتنظم العلاقة بين اللاجئين والدول المضيفة، خاصة أن أوروبا خاضت تجربة مريرة أثناء الحرب العالمية الثانية بعدما شهدت موجات هجرة كبيرة في المناطق التي دخلتها الجيوش الأوربية المتناحرة، وصدرت بعد ذلك بروتوكولات خاصة تعالج تطور هذه الظاهرة وتداعياتها.
اتفاقية 1951م وقعت عليها 149 دولة وما زالت تقدم خدمات لما يقارب 22 مليونًا، وما زال يُعمل بهذه الاتفاقية التي تنص بعض بنودها الرئيسة على عدم جواز إعادة اللاجئين إلى بلد يخشى فيه تعرضهم للاضطهاد، كما أنها تحدد الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية، حيث جاء فيها أنه لا يحق لعسكري أو مَن يُظن أنه ارتكب جرائم ضد السلام وشارك في نشاطات عسكرية أن يحصل على الجنسية أو اللجوء. ومن مسببات اللجوء والنزوح البحث عن الملاذات الآمنة هربًا من مناطق القتال والنزاع، أو هربًا من الأنظمة التي لا تقبل حرية الرأي والنقد، فيلجأ النشطاء السياسيون إلى دول أكثر انفتاحًا وحرية، أو قد يكون السبب اقتصاديًّا للبحث عن فرص عمل أفضل. وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين حتى عام 2014م بلغ 60 مليون لاجئ ونازح، داخل ما يقارب 60 بلدًا مضيفًا.
مرت المفوضية الخاصة باللاجئين بالعديد من التجارب خلال القرن الماضي، حيث واجهت تدفق اللاجئين بعد أحداث المجر ودخول الدبابات السوفيتية لفرض نظام موالٍ لها. وتعاظمت أعداد اللاجئين بسبب أزمة كوسوفو 1999م، كما تدفقت أعداد كبيرة أيضًا من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتعرض العراقيون لحالات تشرد ونزوح قاسية سواء كان ذلك أثناء الحرب العراقية الإيرانية أو لظروف الحصار أو احتلال العراق عام 2003م وما تلاه من حرب طائفية وتشريد ثلاثة ملايين عراقي في ظروف نزوح قاسية حيث تفيد بعض التقارير أنه يوجد أكثر من 4 ملايين لاجئ عراقي في جميع أنحاء العالم.
بدأت موجة الهجرة بشكل محدود في بداية الأزمة السورية في يوليو 2012م، وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فقد بلغ عدد اللاجئين 120 ألف سوري انتقلوا مباشرة إلى الأردن ولبنان وتركيا والعراق. ولكن سرعان ما تفاقمت الأزمة بعد توظيف النظام لورقة الطائفية، وسعيه لحرف مسار الثورة باتجاه العسكرة، واضطرار المعارضة للدفاع عن نفسها من بطش النظام وتشكيل مجموعات مسلحة: كل ذلك أدى إلى حدوث زلزال ديموغرافي، بموجبه تحول 12 مليون سوري بين نازح ولاجئ، طرق عدد منهم أبواب أوروبا عبر لبنان وتركيا، وبحسب آخر إحصائية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فقد بلغ عدد اللاجئين في أوربا 443 ألفًا.
تثير أزمة اللاجئين تساؤلات عدة، منها ماهية الأسباب خلف موافقة أوروبا على استقبال اللاجئين، ومنها ألمانيا التي أصبحت هدفًا وحلمًا لأغلبية المهاجرين، حيث استعدت لرعاية ما قد يصل إلى 800 ألف لاجئ نهاية هذا العام، وقامت بتجميد العمل باتفاقية دبلن ووقف إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الأماكن التي جاؤوا منها، يقابل ذلك عدم تجانس في المواقف الأوربية وتعالي بعض الأصوات العنصرية التي تنادي باستقبال المسيحيين فقط وتحذر من أن المسلمين سيشكلون خطرًا على هوية أوروبا وعلى أمنها ومستقبلها بسبب التغيرات الديموغرافية التي ستجعل الأوروبيين أقلية في بلادهم بعد فترة من الزمن.
ذلك كله يدعو لضرورة استكشاف خلفية المواقف الإيجابية التي أبدتها بعض الدول الأوربية لاستقبال اللاجئين وحث الولايات المتحدة الأمريكية للاتحاد الأوربي على استقبال المزيد من المهاجرين، خاصة بعد طغيان بعض الصور على غالبية الصحف العالمية التي أثارت العاطفة الإنسانية عند العالم الغربي (صورة الطفل إيلان كردي، وصورة الصحفية المجرية التي تضرب لاجئًا سوريًّا)، هذه المواقف برغم إيجابيتها إلا أنها ما زالت لم تتبلور في صورة سياسة عامة، ولكنها تدور في فلك المواقف الفردية لهذه الدول. ويقف خلف استقبال أوربا للاجئين جملة من الأسباب، منها:
تسبب صناع القرار في الغرب في تفاقم الأزمة وتشرد اللاجئين، خاصة في سوريا، فقد أكد رئيس الحكومة التشيكية روبيرت فيتسو أن سبب أزمة اللاجئين هو حالة الفوضى التي خلقها الغرب في منطقة الشرق الأوسط، لذلك ترفض بعض دول أوربا الشرقية استقبال اللاجئين وتضع العراقيل الكثيرة أمام وصولهم منها: مقدونيا وهنغاريا وبلغاريا واليونان.
حاجة الدول الأوربية للأيدي العاملة الرخيصة، وضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني من حالة شيخوخة مزمنة، فقد جاء على لسان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية ماريان لوبان في معرض اتهامها لألمانيا بأنها تطمع في اتخاذهم عبيدًا وتشغيلهم بأجور متدنية. وألمانيا تحديدًا لها تجربة مع اللاجئين فالجالية التركية في ألمانيا تبلغ حوالي 4 ملايين، تم استيعابهم وهم الآن ضمن المنظومة الاقتصادية يرفدون الاقتصاد الألماني بالأيدي العاملة متواضعة الأجر. وتاريخيًّا كانت أوربا تذهب لتتصيد البشر من أدغال إفريقيا ولكنهم الآن يطرقون أبوابها بأنفسهم!
استغلال قضية اللاجئين مستقبليًّا لتحقيق مكاسب سياسية في حال الوصول لتسوية سياسية وانتهاء النزاع والبدء في عمليات إعادة الإعمار.
محاولة التحكم في خريطة سوريا الطائفية عند قرب الوصول لحلول سياسية قد يحدث بمقتضاها تقسيم سوريا إلى دولتين أو أكثر بناء على الأسس العرقية والطائفية (مسيحيون، سنة، شيعة، إلخ).
ولا يخلو المشهد من هواجس سوداوية تؤرق مستقبل اللاجئين، ومن مناكفات أوروبية داخل الاتحاد الذي يشمل 28 دولة، وانقسام أوربي حول مبدأ الاستقبال والحصص وتكاليف رعاية اللاجئين، ورفض الأحزاب والاتجاهات اليمينية ومحاربة فكرة استقبال اللاجئين التي قد تلقي بظلالها السلبية على الأمن الشخصي لهؤلاء المهاجرين ومستقبل وجودهم، حيث يرى بعض السياسيين أن على أوربا أن تعيد كثيرًا من هؤلاء على المدى المتوسط والبعيد بعد استقرار بلادهم، وأكد البعض أن هناك كثيرًا من اللاجئين أيضًا لن يستطيع تلبية كافة الشروط من أجل الحصول على الجنسية، وهناك من صرح بأن على أوربا أن تستقبل فقط اللاجئين المسيحيين خوفًا من تغير الخريطة الدينية لأوربا، ولعل أبرزهم رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان حيث قال: في حال لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة لإيقاف تدفقهم سنجد أنفسنا فجأة أقلية في قارتنا . الأمر ذاته الذي جعل كاتبًا فرنسيًّا شهيرًا (ميشيل ويلبيك) يطلق روايته بداية عام 2015م بعنوان خضوع ، يصور فيها فرنسا في عام 2022م وقد تحولت طوعًا إلى بلد مسلم تغطيه المساجد.
وبرغم الصورة البراقة للحياة في الغرب إلا أن هناك جانبًا مظلمًا ما زال غير مرئي بشكل جلي، حيث تفيد تقارير عدة، منها تقرير لوكالة أسوشيتد برس ، أنه تم رصد محاولات لكثير من اللاجئين المسلمين من سوريا والعراق وباكستان يحاولون البقاء في ألمانيا عبر اعتناق الديانة المسيحية، وذلك من أجل تحسين فرص حصولهم على الجنسية وتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، حيث كانت قد ذكرت المستشارة ميركل نفسها أن الذين لم يحصلوا على حق اللجوء سوف يضطرون للعودة إلى أوطانهم بسرعة ، وفيما كانت تعاني الكنائس من تضاؤل أعداد المؤمنين يرى القس مارتينز مجموعته تتضاعف من 150 إلى 600 خلال عامين فقط، وجلهم من المهاجرين الجدد.
هناك دول أوربية أعلنت صراحة أنها لن تستقبل إلا لاجئين مسيحيين منها سلوفانيا وسلوفاكيا، الأمر الذي سيشجع الكثير للتحول من الإسلام إلى المسيحية تحت ذريعة الحصول على الإقامة والجنسية.
وثمت دول أوروبية تعارض فئات كثيرة من مجتمعاتها استقبال اللاجئين بسبب الأزمات الاقتصادية التي تشهدها دول أوربا الشرقية وعدم المقدرة على رعاية هؤلاء. وكذلك اتجهت دول أوربية مثل الدنمارك لتخفيض قيمة المساعدات إلى 50%، ولم يعد لمُّ الشمل مسموحًا به خلال السنة الأولى لحاملي الإقامات المؤقتة، ووضعت شروطًا صعبة لاكتساب الجنسية منها إتقان اللغة، كما لا يحق للأجانب الحاصلين على حق الحماية المؤقتة استدعاء عائلاتهم خلال العام الأول، ويحصل اللاجئ على حق الإقامة بعد خمس سنوات كحد أدنى مع احتمال فقدان حق الإقامة في تلك الفترة، ومن يتم رفضه يرحل فورًا.
ولوحظ مؤخرًا أن هناك ميلًا لدى الأوربيين لإبقاء اللاجئين في مناطق مجاورة لبلدهم، حيث أكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفان أوبراين على إقدام دول أوربية على إغلاق حدودها أمام اللاجئين. وأكد أيضًا أن هناك فجوة بين حاجيات اللاجئين السوريين وما هو متوفر من دعم مالي وسياسي.
تهمة الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية قد تطال أي لاجئ تريد الدولة الأوربية ترحيله في أي وقت تحت ذريعة الإرهاب و الأمن القومي الأوربي .
وفي الأخير، برغم أن هناك أكثر من مائة مؤسسة سواء في الدول الغربية أو العربية أو الإسلامية تعنى بتقديم الخدمات والمساعدات للاجئين إلا أن هذه المساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تحقق ما يحلم به اللاجئ من حياة كريمة، بل فقط تسد رمقه، فهي مساعدات متواضعة تشمل توفير: الإيواء، وسلات غذائية شهرية، ومبلغ نقدي متواضع بشكل شهري أيضًا، وغرف صحية علاجية. ومن ثَمَّ فإن الأوضاع التي يعيشها اللاجئون كثير منها غير مريح، فاللاجئون في دول مجاورة (لبنان والأردن) عانوا بداية عام 2015م من العواصف الثلجية وسوء الأحوال التي تسببت في قتل ومرض الكثير من النساء والأطفال والشيوخ النازحين في المخيمات، وقد كانت أوضاعهم كارثية ومزرية بحق. والبعض الآخر حتى في أوربا تنتهك حقوقه وخصوصيته العائلية والشخصية، ويتعرض للسرقات والابتزاز والاعتداءات والاغتصاب، فقد جاء على موقع سكاي نيوز العربية خبر مفاده قيام مجموعة مجهولة بإحراق مركز لإيواء اللاجئين في ولاية بادن فورتمبرغ جنوب غرب ألمانيا، رفضًا لاستمرار تدفق اللاجئين.. فالحياة ليست وردية والأهداف التي يحلم بتحقيقها اللاجئ قد تضطره إلى تقديم تنازلات كبرى والاصطدام مع قيمه التي أمضى عمره مؤمنًا بها في ظل مصير لا يزال مجهولًا.